“تحليل“| ما وراء تحذيرات ترامب من “تغلغل الحوثيين في الصومال”.. “1“..!
أبين اليوم – تقارير
تحليل/ عبدالكريم مطهر مفضل:
في تصريحات أثارت موجة من التساؤلات حول الأهداف الأمريكية في منطقة القرن الأفريقي، هدّد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشن عملية عسكرية في الصومال، لمنع ما وصفه بـ”تغلغل الحوثيين إلى الداخل الصومالي”، ومتعهدًا بمنح قوات بلاده “صلاحيات كاملة” للعمل في الأراضي الصومالية، تمامًا كما فعل خلال رئاسته الأولى في المعارك ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا.
ويأتي هذا التهديد في وقت حساس، تشهد فيه المنطقة تصاعدًا في التوترات البحرية، بعد أن فرضت قوات صنعاء حظرًا على السفن المرتبطة بكيان الاحتلال الإسرائيلي في البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن، ردًا على الحرب المستمرة في غزة منذ أكتوبر الماضي.
وكتب ترامب في منشور على حساباته في منصات التواصل الاجتماعي، مساء السبت الماضي: “ينبغي ألا يسمح الشعب الصومالي للحوثيين بالتسلل والتخفي بداخله، لقد منحت قواتنا الصلاحيات الكاملة من جديد للعمل في الصومال، كما فعلت سابقاً في معركتنا الكبرى ضد داعش.”
هذه التصريحات أثارت اهتمام المراقبين، الذين ربطوها بتغيّرات أوسع في خارطة الصراع بالمنطقة، خصوصًا بعد تصاعد نفوذ قوات صنعاء في البحر الأحمر وفرضها حظرًا على السفن المرتبطة بكيان الاحتلال الإسرائيلي والسفن الأمريكية في مناطق استراتيجية كخليج عدن وباب المندب.
– عودة شماعة “الإرهاب” لأجندة الهيمنة:
ويرى محللون أن ترامب يعيد تدوير خطاب “مكافحة الإرهاب” لخلق مبرر لتوسيع الحضور العسكري الأمريكي في منطقة القرن الأفريقي، مستخدمًا هذه المرة “التهديد الحوثي” بدلاً من “تنظيم داعش”، لتبرير أي تدخل عسكري محتمل.
ويرى مراقبون أن تصريحات ترامب لا يمكن قراءتها بمعزل عن التوجهات الاستراتيجية للولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط، خصوصًا كيان الاحتلال الإسرائيلي، التي كانت قد كشفت في وقت سابق عن مشروع جيوسياسي ضمن “مخطط الجنرالات” لإعادة تشكيل المنطقة تحت ما يُعرف بـ”الشرق الأوسط الجديد”.
– مضيق باب المندب في قلب المعركة:
الموقع الجغرافي الحساس للصومال، المطل على خليج عدن وباب المندب، يجعله هدفًا استراتيجيًا لأي تحرك أمريكي أو “إسرائيلي” في المنطقة.
ويعتبر المراقبون، أن الصومال يشكّل نقطة ارتكاز جديدة في خريطة النفوذ الأمريكي، خاصة مع موقعه الجغرافي المحوري المطل على مضيق باب المندب، أحد أهم الممرات البحرية في العالم.
– ورقة ضغط:
ويقول محللون إن الحديث عن تسلل أنصارالله “الحوثيين” إلى الصومال هو محاولة لتكرار سيناريو “محاربة داعش”، لكن هذه المرة بهدف فرض نفوذ أمريكي جديد على البحر الأحمر من الجنوب، بعد فشل الرد العسكري المباشر على عمليات قوات صنعاء في البحر من جهة الشمال.
ومنذ إعلان قوات صنعاء فرض حصار بحري على السفن “الإسرائيلية” والمرتبطة بها، تسعى واشنطن إلى إعادة ترتيب أوراقها البحرية، وتعزيز وجودها في الممرات المائية التي تشكل شريانًا حيويًا للتجارة والطاقة العالمية.
ويعتقد خبراء أن تهديد ترامب بتدخل عسكري في الصومال يهدف بالدرجة الأولى إلى الضغط على قوات صنعاء، وإرسال رسالة ردع إقليمية، كما أنه يتقاطع مع رغبة كيان الاحتلال في تحجيم نفوذ قوات صنعاء الذي تصاعد بشكل كبير وحساس منذ بدء العدوان على غزة في 7 أكتوبر 2023.
– رسائل حرب:
وعلى ما يبدو أن تصريحات ترامب ليست مجرد خطاب انتخابي، بل تعكس تصورات أمريكية أعمق عن شكل المواجهة المقبلة في المنطقة، حيث تتجه الأنظار إلى القرن الأفريقي كمنصة صراع جديدة، تطفو فيها قضايا السيادة والهوية واللاجئين على سطح من التنافس العسكري والبحري والاستخباراتي.
وإذا كان خطاب ترامب يعيدنا إلى ذاكرة الغزو بذريعة “داعش”، فإن المشهد اليوم أكثر تعقيدًا، مع لاعبين جدد، وأهداف لا تقل خطورة عن تلك التي سبقت الفوضى في العراق وسوريا.
– الصومال.. مجرد ورقة في رقعة أكبر؟
تشير تهديدات ترامب إلى أن المعركة البحرية التي اندلعت مع صنعاء بفعل العدوان النازي على غزة، بدأت تأخذ بعدًا جغرافيًا أوسع، حيث تسعى واشنطن لتوسيع رقعة المواجهة لتشمل القرن الأفريقي.
وبينما تصر الولايات المتحدة على استخدام لغة الأمن ومكافحة “الإرهاب” لتبرير تحركاتها، يرى مراقبون أن ما يجري هو جزء من صراع نفوذ على الممرات البحرية والموارد والمواقف السياسية، قد يجعل من الصومال ضحية جديدة في معركة أكبر بكثير من حدودها.
وتزامنًا مع هذه التصريحات، تتزايد التكهنات حول دور صومالي محتمل في خطط “الوطن البديل” للفلسطينيين، في حال تم تنفيذ سيناريو تهجير سكان غزة، حيث كشفت وسائل الإعلام العبرية في 19 مارس الماضي، عن موافقة حكومة جمهورية أرض الصومال الانفصالية على استقبال سكان قطاع غزة شريطة الاعتراف الرسمي بها كدولة منفصلة عن الصومال، حيث أشار محللون إلى أن بعض الدوائر الغربية تبحث عن مناطق بديلة قد تكون قابلة لاحتضان السكان المهجرين ضمن ترتيبات إقليمية كبرى.
– أهداف متعددة تحت ستار الأمن:
ويؤكد مراقبون أن الصومال بات في مرمى المخططات الجيوسياسية الأمريكية، سواءً عبر تسويق وجود “تهديد حوثي” أو عبر تسريبات تتحدث عن مشروع “إعادة توطين” سكان غزة، وسط صمت رسمي من حكومة مقديشو، التي تبدو عالقة بين ضغوط واشنطن والدول الغربية بفصل “أرض الصومال” عن الوطن الأم من جهة، وتحذيرات قوات صنعاء لدول الجوار بعدم التورط مع كيان الاحتلال وأمريكا من جهة أخرى.
وبحسب الخبراء، فإن التحرك الأمريكي باتجاه الصومال قد يخدم ثلاثة أهداف رئيسية:
– الضغط على قوات صنعاء من خاصرتهم البحرية الجنوبية، في إطار استراتيجية تطويق نفوذها وتحجيم قدراتها العسكرية التي شهدت تطوراً كبيراً بحسب اعتراف ترامب وكبار القادة العسكريين في البنتاجون.
– تعزيز الهيمنة الأمريكية على مضيق باب المندب، بهدف ضمان استمرار حرية الملاحة في المنطقة لصالح كيان الاحتلال والغرب.
– التمهيد لمشاريع إعادة توطين فلسطينيي غزة، ضمن سيناريوهات “الوطن البديل” التي طُرحت منذ أشهر، وتشير تسريبات إلى أن الصومال قد يكون من بين المناطق المقترحة.
وبينما تصر الولايات المتحدة على استخدام اسطوانة “مكافحة الإرهاب” لتبرير تحركاتها، يرى مراقبون أن ما يجري هو جزء من محاولة أمريكية لإعادة نفوذها على الممرات البحرية والموارد والمواقف السياسية التي ضعفت بعد فشلها في تحييد قدرات قوات صنعاء أو الحد منها، قد يجعل من الصومال ضحية جديدة في معركة أكبر بكثير من حدودها.
وتظل التهديدات الأمريكية بقيادة ترامب محل مراقبة وقلق من قبل العديد من الأطراف في المنطقة، ويبقى السؤال الأهم: حول مدى جدية هذه التهديدات وماهية الخطوات التالية التي قد تتخذها الإدارة الأمريكية في هذا السياق.
المصدر: وكالة الصحافة اليمنية