عطوان: ما هي التطوّرات الثلاثة التي تُؤكّد بدء التّعافي المُتسارع لأذرع محور المُقاومة؟ ولماذا جاء تهديد السيّد الحوثي بعودة المُسيّرات المُلغّمة والصّواريخ فرط صوتيّة أخطرها؟ وما هي مُفاجآت “حزب الله” القادمة..!

6٬572

أبين اليوم – مقالات وتحليلات 

تحليل/ عبدالباري عطوان:

ثلاثة تطوّرات رئيسيّة تُؤكّد تسارع حالة التعافي لفصائل محور المُقاومة، وخُروجه بشكلٍ مُتسارع من الأزمات والانكسارات التي مرّت بها بعضها في الفترة الأخيرة، وتحديدًا بعد الهُجوم الإسرائيلي على لبنان، وتفجيرات أجهزة البيجر، واغتيالات قيادة الصّف الأوّل العسكريّة السياسيّة في “حزب الله”، وسُقوط النّظام “البعثي” السوري على أيدي هيئة تحرير الشام السوريّة بدعمٍ مُباشرٍ تركيٍّ وأمريكيٍّ وبعض الدول العربيّة:

الأوّل: تهديد السيّد عبد الملك الحوثي زعيم حركة “أنصار الله” اليمنيّة باستئناف عمليّاته البحريّة، والصاروخيّة، مساء أمس الجمعة، كرد على وقف دولة الاحتلال الإسرائيلي للمُساعدات الإنسانيّة لأهل قطاع غزة، وإغلاق المعابر، ومُواصلة اختراقات وقف إطلاق النار والعودة إلى نظريّة “الحِصار مُقابل الحِصار” وإمهالها أربعة أيّام.. وإلّا.

الثّاني: الاشتباكات الدمويّة التي وقعت في شِمال غرب سوريا (اللاذقيّة، طرطوس، حمص) بين قوّات الأمن التابعة للحُكومة السوريّة الجديدة، وقوّات تابعة للنظام السوري السّابق، ومقتل ما يقرب من 450 شخصًا، واستِخدام الجانبين معدّات ثقيلة وخاصّة المروحيّات من قِبَل قوّات الحُكومة، فهذه الصّدامات المُفاجئة في ضخامتها قد تُؤدّي إلى زعزعة استقرار النظام الجديد، وامتحان كبير لقوّاته قواته الأمنيّة والعسكريّة في سوريا، واحتمالات عودة قوّات النظام المعزول للمُواجهة وبدء عمليّة ترتيب صُفوفه، وإطلاق حركة “مُقاومة مُسلّحة” مُعارضة في مُحاولةٍ للثّأر لاستِعادة الحُكم استغلالًا للأوضاع الاقتصاديّة المُتدهورة، وبُروز بوادر فتنة طائفيّة وخطط تقسيميّة.

الثّالث: القصف الإسرائيلي المُكثّف لعدّة قُرى في جنوب لبنان، شمال وجنوب نهر الليطاني، استهدفت حسب مزاعم المتحدّث العسكري الإسرائيلي، مواقع لمنصّات صواريخ وقواعد لحزب الله، وسط تقارير إخبارية تُشير إلى تحقيق الحزب إنجازين مُهمّين:

الأوّل، الانتقال من مرحلة التعافي إلى مرحلة العمل الميداني بعد ترتيب صُفوفه السياسيّة والعسكريّة، والثّاني، انتخاب قيادة جديدة في الميدانين ومن جيل الشّباب بزعامة أمين عام جديد يجري التكتّم على اسمه، ولعلّ التّصريحات التي أدلى بها السيّد نواف الموسوي بعد غيابٍ طويل لقناة “الميادين” وتضمّنت نقدًا ذاتيًّا غير مسبوق تَصُبّ في هذه النّتيجة.

تهديدات السيّد الحوثي هي التطوّر الأخطر والأكثر جديّة في رأينا، لأنّ القيادة اليمنيّة عوّدتنا أن تقول وتفعل، مثلما يُؤكّد تاريخها المُقاوم، ولا تُطلق التّهديدات جزافًا، ولا نستبعد أن تكون الاستعدادات للعودة إلى القتال مجددًا قد اتّخذت، وأنّنا في انتظار الصّاروخ الفرط صوتي الأوّل على يافا، والعمليّة العسكريّة الأوسع على السّفن الأمريكيّة والإسرائيليّة في البُحور الثّلاثة الأحمر، والعربي والمتوسّط.

حركة “أنصار الله” التي تُعتبر حاليًّا الذّراع الأقوى في محور المُقاومة لم يعد لديها ما تخسره في ظل حرب التّجويع والحِصار الأمريكي البريطاني والعربي المفروض عليها، وبعد اتّخاذ إدارة الرئيس دونالد ترامب قرارًا بإعادتها إلى قائمة الإرهاب، وتصاعد ضُغوط الحاضنة الشعبيّة التي تُطالب باستِئناف القتال فورًا للتصدّي لحرب التّجويع المُزدوجة في اليمن أو تلك التي تشنّها دولة الاحتلال في قطاع غزة، وعدم التزام إسرائيل باتّفاق وقف القتال في لبنان، وانتهاكه أكثر من 850 مرّة، وهو الاتّفاق الذي التزمت به القيادة اليمنيّة من حيثُ وقف عمليّاتها العسكريّة سواءً البحريّة أو الجويّة.

مُسارعة إدارة الرئيس ترامب إلى الجُنوح للسِّلم إذا كانت جديّة، وفتح قنوات الحِوار المُباشر مع حركة المُقاومة الإسلاميّة “حماس” في الدوحة تحت ذريعة الإفراج عن أسرى أمريكيين مُزدوجي الجنسيّة، وتوجيه رسالة إلى القيادة الإيرانيّة تحمل عرضًا بالتّفاوض المُباشر حول برنامجها النووي لإحياء الاتّفاق القديم مع تعديلاتٍ جديدة، وهذه المُسارعة تعكس نوعًا من الاستِسلام وسعيًا لتجنّب الحرب، فقد علّمنا التّاريخ أنّ الإدارة الأمريكيّة لا تلجأ إلى التّفاوض مع الخُصوم إلّا بعد تيقّنها باستحالة الانتصار في الحُروب، وسعيًا لتقليص الخسائر إلى الحُدود الدنيا، وهذا ما يحصل حاليًّا على جبهة الحرب الأوكرانيّة، وما حصل في الماضي مع المُجاهدين الأفغان وقبلها في فيتنام.

بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي اعترف قبل بضعة أيّام بحالةِ الإحباط والقلق الذي تعيشها “دُويلته” هذه الأيّام عندما قال إنها تخوض حربًا وجوديّة على سبع جبهات، يُريد جر أمريكا إلى حربٍ ثامنة ضدّ إيران، وشن هُجوم ضخم على قطاع غزة لإعادة احتِلاله، وبدء حرب التّهجير، ولهذا طُرد الجنرال هرتسي هاليفي رئيس هيئة أركان جيشه الذي يُعارض هذا الهُجوم لأنّه سيُعطي نتائج عكسيّة، وعيّن مكانه ايال زامير، وأعطاه الضّوء الأخضر لاستدعاء 400 ألف ضابط وجندي في قوّات الاحتياط لإنجاز هذه المَهمّة.

الأسابيع القليلة المُقبلة قد تُعيد رسم خرائط مِنطقة الشّرق الأوسط، ولكنّ السّؤال الأبرز هو هل ستكون هذه الخرائط وفق ما يُريد نتنياهو أو قِوى المُقاومة العربيّة والإسلاميّة؟

في حرب عام 1948 استعان روتشيلد وبن غوريون بالإمبراطوريّة البريطانيّة لتطبيق المشروع الصّهيوني الاستيطاني على أرضِ فِلسطين، والآن يُريد نتنياهو تِكرار السّيناريو نفسه، والاستِعانة بالإمبراطورية الأمريكيّة العُظمى بقيادة ترامب لإقامة دولة إسرائيل التاريخيّة الكُبرى على حساب أراضي عدّة دول عربيّة من بينها سوريا، والأردن، ومِصر، والسعوديّة، والعِراق، ولبنان، ويبدو أنّ ترامب الذي قال إنّ إسرائيل تبدو “نحيفة” ولا بُدّ من “تسمينها” بإضافة أراضٍ جديدةٍ لها، ما يُفسّر احتِلال اسرائيل لجبل الشيخ وأكثر من 400 كيلومتر مربّع في جنوب سوريا، وإلغاء اسم الضفّة الغربيّة وفرض الاسم التّوراتي “يهودا والسامرة” تمهيدًا لضمّها النهائيّ.

ربّما تكون عودة الحرب غير مُستبعدة على ثماني جبَهات، ولكن نتائجها لن تكون لمصلحة نتنياهو ومُخطّطاته، والشّرق الأوسط سيظلّ عربيًّا مُسلمًا مثلما كان عليه الحال لآلاف السّنين، ربّما بُدون “إسرائيل” بصُورتها الحاليّة على الأقل.. والأيّام بيننا.
المصدر: رأي اليوم

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com