عطوان: زيلينسكي يُوجّه صفعةً قويّةً لترامب ودرسًا غير مسبوق لـ”الزّعماء” العرب في واقعةِ البيت الأبيض “الردحيّة”.. هل بدأ التحالف الغربيّ مرحلة التفكّك والانهيار.. ولماذا لا نستبعد زوالًا وشيكًا لحِلف الناتو..!

6٬565

أبين اليوم – مقالات وتحليلات 

تحليل/ عبدالباري عطوان:

الخطأ الأكبر، والكارثيّ الذي ارتكبه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأدّى إلى ظُهوره بمظهر رجل الشّارع، وليس كرئيس دولة تُعتبر هي الأعظم في الوقتِ الرّاهن يتمثّل في “تشابه عليه البقر” وتعاطيه مع ضيفه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وكأنّه زعيم عربي، ولهذا بادر بـ”مُعايرته” بالمُساعدات الأمريكيّة العسكريّة والماليّة التي وصلت قيمتها إلى أكثر من 350 مِليار دولار، ولولاها لسقطت كييف في يدِ الجيش الروسي في غُضونِ أُسبوعين، أو يومين، والمخفي الذي لم يُنشر أعظم.

لم يخطر في بالِ ترامب الذي استدعى الرئيس الأوكراني إلى البيت الأبيض لتوبيخه، مثلما يُوبّخ زعماء عرب التقاهم، أنه سيرد عليه زيلينسكي بشجاعةٍ غير مُتوقّعة، ويدخل معه في مُشادّةٍ كلاميّةٍ أمام كاميرات محطّات التّلفزة، ويرفض رفضًا مُطلقًا الاعتِذار، ويُغادر الولايات المتحدة فورًا، ودُون توقيع الاتّفاق التّجاري حول حُصول الولايات المتحدة على حصّةٍ من المعادن الأوكرانيّة النّادرة مُقابل دعمها المادّي والعسكريّ للجانب الأوكراني في الحرب ضدّ روسيا.

هُناك ثلاثة دروس مُهمّة يُمكن أن يتعلّمها “القادة” العرب في مُواجهة البيت الأبيض هذه الأولى من نوعها، والتي ستدخل التّاريخ السياسي حتمًا ليس الأمريكيّ فقط، وإنّما العالميّ أيضًا:

الأوّل: أنّ الرّكوع تحت أقدام القيادة الأمريكيّة خوفًا، ورُعبًا، ليس نوعًا من أنواع الدبلوماسيّة وضبْط النّفس، خاصَّةً عندما تكون هذه القيادة “شوارعيّة” مُتغطرسة، مثلما هو حال الرئيس ترامب، وقبله جورج بوش الإبن، وكلاهما “جُمهوريّان”، وأن المُواجهة رغم الفارق في موازين القِوى لا تقود إلّا إلى المزيد من التّطاول والإهانات والابتزاز.

الثاني: مَن يُريد أن يحصل على المُساعدات الأمريكيّة، عسكريّة كانت أو ماليّة، عليه أن يتوقّع الخُنوع والإذلال ودفعه ثمنًا باهظًا من كرامته وأمنه، وتقديم تنازلات ضخمة في المُقابل، أبرزها في الحالةِ العربيّة القُبول بالاستِسلام للعدوّ الإسرائيلي، ومُساندة حرب الإبادة التي يخوضها في قطاع غزة والضفّة الغربيّة وجنوب لبنان، وتهجير مليونيّ مُواطن غزّاوي، وتحويل القطاع إلى ريفييرا أو سنغافورة، ولكنْ للمُستوطنين الصّهاينة.

الثالث: التعلّم من الرّد الأوروبي السّريع، والمُوحّد دعمًا للرئيس الأوكراني في مُواجهة رئيس أمريكي يتزعّم العالم الغربيّ، وكانت بلاده هي المُنقذ لهم من النازيّة في الحرب العالميّة الثانية، فلم يذعن جميع القادة الأوروبيين، وفوقهم أستراليا وبريطانيا وكندا ويرضخوا ويتغاضوا عن إهانة وإذلال زعيم أوروبي يعتبرونه واحدًا منهم، ويقولون له لن تكون وحدك، حتّى لو كانَ مُخطئًا، فلا مجال هُنا للأعذار والحِسابات، فلا شيء يتقدّم على الكرامة الوطنيّة.

ثمن مُقاومة الغطرسة الأمريكيّة أو الإسرائيليّة أرخص بكثير من ثمن الرّضوخ لها، فجميعُ الشّعوب التي تصدّت وقاومت هذه الغطرسة انتصرت في نهاية المطاف، في فيتنام، وأفغانستان، والعِراق، ولنا في اليمن الذي واجه هذه الغطرسة بالرّد الصّاروخيّ، وقصف السّفن وحاملات الطّائرات الأمريكيّة، بل وقلب تل أبيب بالصّواريخ والمُسيّرات دُون خوف تضامنًا مع أهلنا في قطاع غزة، القُدوة والأمل.

ترامب خسر هذه المُواجهة وزيلينسكي لم ينتصر فيها، والفائز الأكبر الزّعيم الصيني شي جين بينغ والروسي فلاديمير بوتين، اللذان يفركان أياديهما فرحًا، وشماتة، بالاثنين ترامب وزيلينسكي، وخاصَّةً انفجار الخِلافات المُدمّرة داخِل التحالف الغربي الأوروبي الأمريكي.

لم تعرف الولايات المتحدة الأمريكيّة رئيسًا تافهًا، غبيًّا، سُوقيًّا مِثل الرئيس ترامب، ولا نعتقد أن فشل هذه المِصيَدة “الرّدحيّة” التي نصَبها للرئيس الأوكراني وإعطائها نتائج عكسيّة كُلِّيًّا، ستكون السّقطة الأخيرة، فهذا الرئيسُ والحمد الله أكثر خُطورةً على بلاده قبل أن يكون خطرًا على حُلفائه الغربيين، ولهُ تاريخٌ طويلٌ في الفساد والقضايا الأخلاقيّة.

أمريكا “الجديدة” التي تنتخب هذا الرئيس، وتُعيده إلى البيت الأبيض، وتدعم حُروب الإبادة في غزة والضفّة ولبنان واليمن، وتُقدّم “أُمّ القنابل” التدميريّة لدولة الاحتلال، وتنسف إرثها في الدّفاع عن العدالة وقيم حُقوق الإنسان والحُريّات، تستحق هذا النّوع من الرّؤساء.

أمريكا انهزمت في حرب أوكرانيا، ولهذا لجأ ترامب الذي يُفكّر بجيبه وليس بعقله، إلى المُصالحة مُكرَهًا ومُستَسلِمًا مع روسيا تقليصًا للخسائر، والفضْلُ في ذلك يعود لتهوّر زيلينسكي، وقُبوله لدور “الدّمية” في أيدي أمريكا والدّول الأوروبيّة الأُخرى.

لا نستبعد أن تكون “معركة” البيت الأبيض الشّوارعيّة بين ترامب وزيلينسكي هي بداية النّهاية للاثنين، وتفكيك المُعسكر الغربي، وانهيار حِلف النّاتو، وصُعود منظومة “البريكس” المُضادّة بقيادة الزّعامة الثنائيّة الصينيّة- الروسيّة.. والأيّام بيننا.

المصدر: رأي اليوم

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com