ماذا بعد الرأسمالية؟ بقلم د. عبد الحي زلوم
يستعرض الكاتب د. عبد الحي زلوم, النظم البديلة للنظام العالمي القائم حالياً على التوحش واستغلال الانسان للإنسان من خلال طرح وجهات نظر عدة, جميعها تلتقي بضرورة وجود العدالة الاجتماعية في النظم البديلة, كما رفض هيمنة المال على الانسان, الدراسة هامة نقدمها لقرائنا لما فيها من فائدة.
أبين اليوم _مقالات
في الولايات المتحدة وحسب احصاء نشر في ابريل 2018 جاء فيه ان عدد الامريكيين الذين يتعاطون عقار الاكتئاب هم حوالي 25 مليون امريكي بزيادة 60% عن سنة 2010 وأن من يتعاطون المخدرات بلغوا 15 مليون بزيادة 100% عن سنة 2010. فهل جلبت الحضارة المادية والاستهلاكية غير المليارات الى بارونات اللصوص والتعاسة لبقية الشعب والديون للأفراد والعجوزات للدول وفقدانها سيادتها الاقتصادية وبالتالي السياسية ؟ أم ان الحل يكمن بإنشاء وزارة للسعادة او هيـئة للترفيه؟
نظام امريكي بديل: افرزت الاقتصاديات الكلاسيكية التي سادت ابان القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة حرباً اهلية اعقبها انكماش عظيم ، واضطرابات عمالية واقتصادية مما نتج عن كل ذلك معاناة الاقتصاد وخصوصاً المزارعين . كانت الثورة الصناعية تتسارع ، وبحلول العام 1890 أظهر الاحصاء الرسمي الاميركي أن ايرادات التصنيع تفوق مثيلاتها من الزراعة للمرة الاولى .
جلبت الثورة الصناعية معها ما يخصها من مشاكل واضطرابات ومعاناة . فقد شهد العام 1886 مثلا (1600) إضراب ، وأفرزت إخفاقات وانهيارات في صفوف المصارف والشركات وإستياءاً شعبياً عارماً. كان كل ذلك سبب في تأسيس الجماهير العاملة حزباً ثالثاً اسموه حزب الشعب بعيدا عن الحزبين اللذين يسيطر عليهما الرأسماليون ممن اسماهم الشعب بالبارونات اللصوص . في سنة 1890 رشح James B. Weaver من ولاية ايوا نفسه للرئاسة وفاز حزب الشعب بتلك الانتخابات بعشرة نواب وخمسة اعضاء في مجلس الشيوخ ، وقد تم تحقيق انتصارات أخرى في انتخابات عام 1894 . كانت شعارات الحزب هي “أموال الشعب” ، “أرض الشعب” ، “ثروة الشعب” ، “تعاون الشعب” و “مواصلات الشعب” . كان هناك للحزب مفكرون وصحافة حرة بالرغم من امكانياتها المحدودة . ولبيان افكار الحزب وقدرة كُتّابهم سأعطي مثالا على بعضهم اذ كتب Ignatius Donnelly في احد مؤتمرات حزب الشعب : “نعيش في زمن وصل إلى حافة الخراب الأخلاقي والسياسي والمادي. لقد أصبحت الشركات هي التي تهيمن على الانتخابات ، والمشرعين والكونغرس، حتى وصل هذا الخراب الأخلاقي والسياسي إلى المحكمة العليا… أما الجرائد فهي إمّا مموّلة منهم أو أنها مكتومة الصوت. كما أن الرأي العام قد تم إسكاته. وبينما يزدهر أصحاب الأعمال فإن بيوتنا مرهونة، وعمالنا معدومون، وتسرق الأراضي ليتم بناء ثروات خيالية غير مسبوقة في تاريخ العالم من أناس يحتقرون جمهوريتنا، ويعرّضون الحرية إلى الخطر . ومن رحم اللاعدالة الحكومية تولد طبقتان – المسحوقون وأصحاب الملايين”.يبدو واضحاً ان جديد الرأسمالية كقديمها فنفس المقدمات والفرضيات تعطي نفس المخرجات.
خلال اجتماع عقد في سانت لويس عام 1889 كان لدى أحد ابرز مفكري الحركة Macune خطة اقتصادية شاملة تنسف الرأسمالية من أساسها هذه بعض بنودها:
-على حكومة الولايات المتحدة توظيف ما تتمتع به من قوة وثقة وقدرة اقراضية لمساعدة “الطبقات المنتجة” لتعزيز إنتاجها لا أن تُعطي هذه القوة لأرباب البنوك.
-التخلي عن مبدأ الغطاء بالذهب وايجاد بنك مركزي للولايات المتحدة الأميركية .إن الديمقراطية تحتاج الى نظام مالي ديمقراطي يقوم على اللامركزية .
-السيطرة على الاقراض والسماح للتدفقات الائتمانية الى المنتجين الحقيقيين ، وبهذا سيتم توزيع الفرص والدخل على أكبر شريحة ممكنة من المواطنين المنتجين ، ويمكن تحقيق ذلك من خلال الإقراض الحكومي المباشر الى المنتجين ودون أطراف وسيطة ( البنوك) بمعدل فائدة لا يتجاوز 1 –2 % .
-يجب أن يكون وراء المال أهداف اجتماعية وليس تسخير الأموال لتوليد الأموال فقط .
اتفق قادة حزب الشعب على هذه المبادئ لكنهم اختلفوا هل الطريق اليها سيكون عن طريق الثورة ام الإصلاح.استولى الاصلاحيون على قيادة الحزب وادعى الحزب الديمقراطي انه سيتبنى مطالبهم فكانت نهايتهم .
بعد مئة سنة وحربين عالميتين ودورة تباطؤ او كساد بمعدل كل خمس سنين جاءت حركة ساندرز من اليسار واغبياء ترامب من اليمين فالتغيير قادم ولكن الى أين؟