“تقرير“| انتحار معلم عدن.. حين يتخذ الشرفاء المشانق ملاذاً من قهر الحياة ومذلة الفاقة..!
أبين اليوم – تقارير
كان المعلم عبدالفتاح الشاص، الذي يعمل في إحدى المدارس، بمنطقة البساتين بعدن، قد عقد العزم على أن لا يعود إلى مدرسته بعد اليوم، ليس لأن العام الدراسي قد اكتمل، ولا لأنه أخذ إجازة طويلة أو أحيل إلى التقاعد، بل لأنه كان قد قرر أن يضع حداً لحياته منتحراً، عله يجد في الموت رحمة له من هذه الحياة التي تحولت إلى متوالية من المعاناة جراء تدهور أوضاعه المعيشية في ظل انقطاع راتبه الضئيل الذي لم يعد أصلاً يفي بأدنى متطلبات الحياة الضرورية حتى لو تم صرفه بصورة منتظمة.
ما نقلته وسائل الإعلام عن الحادثة التي وصفتها بأنها “أثارت صدمة واسعة” هو أن معلماً من أبناء محافظة تعز، يعمل في إحدى مدارس عدن، أقدم على الانتحار، وذلك بسبب تدهور الأوضاع المعيشية والاقتصادية التي يعاني منها، وذلك بعد أسابيع من الاحتجاجات والإضراب الذي ينفذه المعلمون والموظفون المدنيون في القطاع الحكومي جراء انقطاع مرتباتهم وضآلتها نظراً للانهيار الكبير الذي لحق بقيمة العملة في مناطق سيطرة الحكومة الموالية للتحالف السعودي الإماراتي، بحيث لم يعد راتب الموظف يساوي مقارنة بسعر الصرف سوى 1/ 10، مما كان عليه قبل انهيار سعر العملة.
أوثق الأستاذ عبد الفتاح حبلاً إلى سقف الغرفة التي يسكن فيها، ليكون مشنقة له، ربما ارتقى منصة مرتجلة قابلة للانزلاق من تحت قدميه كان قد أعدها من بعض الأثاث، ثم صعد عليها وهو يمتلئ بالقهر، ويغص بالغبن من هذه الحياة التي أجبر على إنهائها بهذه الطريقة القاسية، فيما الحكومة المسئولة عن توفير مرتبه وضمان حياة كريمة له ولغيره من المواطنين المقهورين، تلتهم مليارات الدولارات من أموال الشعب، ويطوف مسؤولوها الدول، ويستثمرون هذه المليارات التي آلت إليهم في صفقات فساد غير مسبوقة، ويعقدون الصفقات، ويقيمون في أفخم المنازل أو الفنادق، ويركبون أحدث السيارات وأكثرها رفاهية، ويلبسون أغلى الماركات ويلهون ويتنزهون في أغلى المنتجعات، غير عابئين بمصير ملايين اليمنيين الذين تدعي هذه الحكومة تمثيلهم وتمنح نفسها حق التحكم بمصيرهم.
وفي مشهد يبعث على الأسى والحزن لهذه الحادثة المأساوية، ويثير في النفس كتلة من القهر والغيض من الحكومة التي أوصلت البلاد إلى هذه الأوضاع التي بات المواطن يفضل فيها الانتحار على أن يعيش حياة الجوع والفاقة والمذلة، جرى تداول مقطع فيديو قصير على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيه جثمان المعلم الذي بدا منهكاً بسبب الوضع المعيشي الذي كابده طيلة سنوات، وهو يتدلى على حبل المشنقة، في مشهد كفيل باستمطار سيول من اللعنات على من أوصل الناس إلى هذه الحالة من اليأس والقنوط وتفضيل الموت على الحياة، متمثلين قول الشاعر:
فيما موت زُرْ إن الحياة ذميمة
ويا نفس جدي إن دهرك هازل
ارتقى عبد الفتاح المنصة الأخيرة في حياته، لا ليلقي درساً لطلابه الذين لطالما أجهد نفسه في سبيل تعليمهم، كما أنها ليست منصة التكريم الذي يستحقه المعلم الذي تخرجت على يديه أجيال عديدة، بل هي المنصة التي ستوصله إلى حبل المشنقة التي كان يجب أن تنصب لمن تسببوا في مأساة الملايين من أبناء هذا الشعب، وجعلوهم فرائس للعوز والفاقة، وألبسوهم لباسا من الخوف والجوع والقهر والمذلة.
من يدري ما هي آخر الأفكار التي دارت في خلد الأستاذ عبدالفتاح قبل أن يركل قطعة الأثاث التي اعتلاها من تحت قدميه، ربما أطلق زفرة حرى وهو يردد بمرارة بالغة:
“تباً لهذا الوطن الذي يكافأ فيه الشرفاء بالمشانق بدلاً عن الأوسمة، فيما اللصوص والفاسدون يعيثون الفساد في الأرض بأموال الشعب الجائع المقهور المغلوب على أمره”.
حادثة انتحار الأستاذ عبد الفتاح أثارت حالة كبيرة من السخط بين المواطنين، عبر عنها إعلاميون وناشطون من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، حيث حملوا الحكومة والتحالف الذي عينها المسئولية انتحار المعلم وغيره من المواطنين جراء الأوضاع المعيشية المتردية التي يعانيها المواطنون منذ سنوات وتتصاعد شهراً بعد آخر دون أن تقدم الحكومة ومن ورائها التحالف الداعم لها أي معالجات للحد من تفاقم الأوضاع المعيشية والاقتصادية في البلاد.
YNP