“تحليل“| بين الماضي والحاضر.. سوريا بين مخططات التقسيم وسياسات التوسع الصهيوني..!

6٬895

أبين اليوم – تقارير 

تحليل/ د. نبيل أحمد الدرويش:

مع بروز بوادر انهيار الإمبراطورية العثمانية في القرن التاسع عشر، بدأت أوروبا من جهتها في التخطيط لتفكيك تلك الإمبراطورية المترامية الأطراف، وشرعت في رسم ملامح الخريطة التي ستقرر مستقبل بلدان وشعوب المنطقة العربية، ومنذ ذلك الوقت ظهرت أبعاد استراتيجية لا تزال مظاهر تشكلاتها تتفاعل حتى لحظة مطالعة القارئ هذا المقال.

في هذا السياق، أكد رئيس الوزراء البريطاني “اليهودي” بنجامين دزرائيلي عام 1880على أن الدول الجديدة التي ستستحدث يجب أن تكون على حد وصفه «صغيرة إلى الحد الذي لا تستطيع العيش من دون مساعدتنا، وأن تكون كبيرة إلى الحد الذي يسمح لها العيش من دون أن تعتدي على أحد».

خضعت سوريا كغيرها من البلدان العربية لسيطرة الإمبراطورية العثمانية بداية القرن التاسع عشر. ونتيجة للسياسات الاستعمارية وقع تقسيم سوريا الكبرى عقب الحرب العالمية الأولى على خلفية اقتسام تركة «الرجل المريض»؛ حيث تم فصل لبنان والأردن وفلسطين عن سوريا بموجب اتفاقية «سايكس – بيكو» عام 1916، وعقب تصريح (وعد بلفور) عام 1917 جرى تدشين عملية (تهويد) فلسطين تمهيداً لإقامة ما سمي (دولة إسرائيل) عام 1948 فضلًا عن العمل على فصل شرق المنطقة العربية عن غربها.

وبموجب التفاهمات المعقودة بين الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى توزعت المنطقة وفقًا لرغبات ومصالح تلك الدول بموجب اتفاقية سايكس – بيكو إلى دول خاضعة للنفوذ البريطاني “العراق، والأردن، وفلسطين” ودول خاضعة للنفوذ الفرنسي “سوريا، ولبنان).

وفي عهد الانتداب الفرنسي، تخلت فرنسا عن مناطق شاسعة شمال سوريا لتركيا تبلغ (18000كم²) في إطار تسوية خلافاتها مع هذه الأخيرة، كما تخلت لاحقًا عن إقليم إسكندرون ووافقت على ضمه إلى تركيا.

إن تشكل الدولة السورية في ضوء المستجدات الإقليمية والدولية التي أعقبت الحرب العالمية الأولى لم يكن نتيجة لعملية سياسية – اجتماعية – اقتصادية – ثقافية نابعة من الداخل السوري، بل كان نتيجة سياسية ومسار استراتيجي فرضته الظروف المستجدة من خلال المطامع والمصالح الأوروبية، بما تحمله من مشاريع توسعية.

السؤال المطروح هنا، هل كان ممكنًا أن تترك القوى الكبرى (فرنسا وبريطانيا ولاحقًا الولايات المتحدة الأمريكية) العرب يتحدون في دولة واحدة تمتد من المغرب حتى عُمان ومضيق هرمز؟

الواقع أن المشروع العربي النهضوي كان قد سعى إلى هذا الأمر وكانت سوريا قد رفعت شعاره منذ وقت مبكر، ما شكل أحد أهم أسباب التآمر المستمر على سوريا والعمل على منع وحدة شعبها وأرضها وإضعافها اقتصاديًا، وكذا العمل على تفكيك مجتمعها ومنع تنميتها وجعلها رهينةً للتخلف، فضلًا عن منعها من تشكيل جيش قوي يمكن أن يدافع عن وحدة أراضيها وشعبها.

ومع شروع الشعب السوري في تحقيق استقلاله، وتمكنه من إجلاء آخر جندي فرنسي من سوريا في أبريل/1946، انهالت المشاريع الاستعمارية الغربية في سوريا من أجل تثبيت تموضعها في المعسكر الغربي، لتدخل سوريا مرحلة جديدة من النضال من أجل المحافظة على استقلالها وسيادتها، وقد كانت القضية الفلسطينية في الصلب من قضايا النضال من أجل الاستقلال والسيادة، إلى جانب تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية؛ وكان على الشعب السوري أن يحمل قضايا التحرر السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي..

الأمر الذي أجج مخاوف قوى الاستعمار من زخم الشعارات التي رفعها الشعب السوري، والتي كانت تعني توافر شروط إقامة دولة عصرية مدنية ديمقراطية في مواجهة المشروع الصهيوني – الغربي. هذا الأمر خلق حالة نضالية سورية وطنية التقت حولها الشعوب العربية بحثًا عن الأمل في تحقيق المشروع العربي النهضوي الذي يقف عائقًا أمام تحقيق المشروع الصهيوني – الأوروبي – الأمريكي.

لقد شكل مشروع ما يسمى «الربيع العربي»، آخر فصول المؤامرة الصهيونية الأوروبية الأمريكية في القضاء على أي مشروع للتضامن العربي، بل وعلى أي محاولة لتقدم أي دولة عربية لا سيما الدولة السورية التي كانت قد شرعت في تحقيق قدرًا من النمو الاقتصادي المتصاعد.

الأمر الذي جعل من سوريا ساحة مستباحة لممارسة أقسى حالات التوحش والعدوان عليها، وبرزت مشاريع التقسيم من جديد، واستطاع المشروع الصهيوني الغربي هذه المرة وبتمويل عربي خلق فصائل مسلحة في سوريا صنعت وقائع على الأرض في شبه محاولات للتقسيم المدعومة خارجياً.

وقد سبق هذا الحدث، مشروع الشرق الأوسط الجديد والمتجدد، الذي يرى في كل ما يجري مناسبة لإعادة صياغة الواقع الحالي للمنطقة العربية المراد إعادة تصنيعها بحيث تضاف إسرائيل كقوة مهيمنة، بحماية ورعاية الولايات المتحدة والغرب الرأسمالي.

لقد آلت مشاريع الصهيونية العالمية اليوم في المنطقة إلى سقوط سوريا في أعماق المجهول، واستباحة الكيان الإسرائيلي لبرها وبحرها وجوها، وتدمير الكيان لما يقدر بأكثر من 95 بالمئة من قدراتها العسكرية الجوية والبرية والبحرية، وتوغل جيش الكيان في الأراضي السورية حتى وصل جبل الشيخ على مشارف دمشق، فضلًا عن توغله عشرات الكيلومترات في محافظة القنيطرة جنوبًا.

يظل السؤال المطروح هنا، هل ستواصل أنظمة التطبيع العربي مع الكيان الإسرائيلي دورها الوظيفي المساند للمشروع الصهيوني العالمي، لاسيما بعد نشر الكيان مؤخرًا على مواقعه الإلكترونية الرسمية خرائط تظهر حدوده المزعومة شاملة أراض واسعة من بلدانها؟؟

 

باحث أكاديمي ودبلوماسي يمني

 

المصدر: رأي اليوم

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com