ينظر أبناء الشعب اليمني العزيز، والملايين من أحرار الأمة العربية والإسلامية إلى محور المقاومة كآخر أمل، لاستعادة العزة والكرامة والحرية المسلوبة منذ وقتٍ طويل.
يفخر كل الأحرار في اليمن بشرف الانتماء إلى محور المقاومة حيث تضحيات القيادة لا تقلّ عن تضحيات الكوادر. وما الرئيس صالح الصماد، والفريق قاسم سليماني والحاج أبو مهدي المُهندس، والعالِم فخري زادة إلا نماذج حيّة لشهداء عُظماء قدّموا أرواحهم إنتصاراً لقضايا أُمّتهم، ومشروعها للعزة والكرامة، ورفض التدخل والوصاية.
في الوقت الذي ينبطح فيه الأعراب ويُشهرون إفلاسهم القيميّ والأخلاقي والقومي، ويختارون السقوط في مشاريع التطبيع والتقسيم، وتحويل بوصلة العداء لإيران ومحور المقاومة، تأتي الدعوة الصادقة التي أطلقها قائد الثورة اليمنية السيد عبد الملك الحوثي لكل الأحرار ، في إطار مواجهة مؤامرة تجزئة المعركة، داعياً إلى واحديّة النضال رغم المسافات الجغرافية بين الدول العربية والإسلامية.
هذه الدعوة نابعة عن رؤية قائدٍ شجاع يعي تماماً طبيعة المعركة ومتطلباتها، رغم ما قد يراه البعض بأنّ ما يُعانيه اليمن من عدوانٍ وحصار ٍ خانق يُعدّ عذراً مقبولاً لتجاهل ما يجري في المنطقة من عمالة، وبيعٍ علنيٍّ للقضية الفلسطينية. ولكنّ تبنّي قضايا الأمة جزء من مشروعٍ التحرر ومعركته التي تخوضها صنعاء، لذا لا غرابة أنّ مواقفها هي الأكثر قوةً وحضوراً في إدانة التطبيع وأنظمته، والأكثر انحيازاً لقضايا الأمة العربية والإسلامية.
صنعاء جزءٌ حيويٌّ لاينفكّ عن محور المقاومة وقضاياه، ويتجسّد ذلك من خلال حضورها العسكري والسياسي، حيث بات الجيش واللجان الشعبية قوةً حاضرة إلى جانب محور المقاومة، ورقماً صعباً في حسابات وخطط الولايات المتحدة والعدو الإسرائيلي و وكلائهما في المنطقة.
رسائل صنعاء لتل أبيب والمجتمع الدولي تؤكد على التمسك بقضايا الأمة ودعمها، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. وهي تؤكّد أيضاً تمام الجهوزية في وجه أي حربٍ قادمة قد يشنّها الكيان الصهيوني على لبنان. لقد شدّد السيد عبد الملك الحوثي، على استعداد اليمن إرسال آلاف المقاتلين لدعم المقاومة الفلسطينية واللبنانية في مواجهة العدو الإسرائيلي.
وفي إطار تجسيد مواقفها الثابتة، تشترط صنعاء إطلاق سراح مُعتقلي المقاومة الفلسطينة لدى سجون نظام آل سعود مقابل تحرير الطيارين السعوديين، رغم وجود أسرى من أبطال الجيش واللجان الشعبية في سجون العدوان. كما تؤكد صنعاء مواقفها الداعمة لسوريا والعراق في معركتهما ضد المحتل الأجنبي وأدواته الإرهابية، فاليمن معنيّ، في إطار محور المقاومة، بالردّ في حال قيام “إسرائيل” وحلفائها بشن حربٍ على إيران.
تُدرك صنعاء حجم الأعباء الكبيرة المترتبة على توجّهاتها الوطنية والقومية التي تقاعس عنها الأعراب، بل هي مستعدةٌ لتحمّل مسؤولية سياستها المستقلة، ولن يُثنيها قيام الولايات المتحدة بإلصاق تُهمة الإرهاب بها، وبأكبر المكوّنات على الساحة الوطنية، وأكثرها حضوراً وشعبيةً، “أنصار الله”، ليُصبح كل من يُحارب الإرهاب في المنطقة مُدرجٌ على لائحة الإرهاب الأميركية. هذا دليلٌ قاطع على الإرهاب المُمارس تجاه كل من يرفض الهيمنة الأميركية، ما يؤكد صوابية موقف صنعاء وتوجهها بمعيّة محور المقاومة في معركة التحرّر.
يتبنى “داعش” و”القاعدة” ذات الموقف الأميركيي تجاه مكوّن “أنصار الله” الذي أنهى وجود تلك التنظيمات الإرهابية في اليمن، بحيث يتعامل بندّيةٍ مع الولايات المتحدة، رافضاً الإملاءات والمساومات والابتزاز، كان آخرها في كانون الأول/ديسمبر الماضي 2020، حيث كشفت صحيفة الواشنطن بوست في عددها الصادر بتاريخ 11 كانون الثاني/ يناير 2021 أن إدارة ترامب أرسلت اثنين من كبار الديبلوماسيين الأميركيين إلى المنطقة للاجتماع مع مُمثلين عن مكوّن “أنصار الله”، ولكن هذا الأخير رفض.
تنشط التنظيمات الإرهابية في مناطق الصراعات والحروب التي تُشعلها الولايات المتحدة ووكلاؤها، وتنحسر أنشطتها الإرهابية بهزيمة الولايات المتحدة، فانهيار “داعش” و”القاعدة” وطردهما من اليمن وسوريا والعراق مرتبطان بهزيمة الولايات المتحدة وأتباعها في المنطقة.
ويُشير تقرير “مؤشر الإرهاب العالمي” الصادر في تشرين الثاني/نوفمبر 2020 أنّ “داعش” و”القاعدة” نقلا “مركز ثقلهما” من منطقة الشرق الأوسط إلى القارة الأفريقية، وإلى جنوب القارة اللآسيوية، وهو ما يؤكد إسقاط محور المقاومة لورقة الجماعات الإرهابية، واضطرار مشغّليها إلى نقل أنشطتها الإرهابية نحو مناطق أخرى من العالم.
هذه المواقف التي تجعل من صنعاء نموذجاً مُشرفاَ يُجسّد واحدية المعركة، تُقابلها مواقف مُشابهة لبقية أعضاء محور المقاومة، فسيّد الأحرار السيد حسن نصر الله يؤكد فشل محاولات التجزئة للمحور، ويُحذّر بأنّ أيّ حربٍ على لبنان أو إيران ستُشكل حرباً على كل محور المقاومة، وستضع نهايةً لـ”إسرائيل”، والوجود الأميركي في المنطقة.
وتؤكد إيران على واحدية المعركة والخندق، حيث يبرز المرشد الأعلى الإيراني السيد علي خامنئي موقف إيران المُلتزم بالدفاع عن حلفائها في المنطقة، مضيفاً أنها لن تتصرف بطريقةٍ قد تتسبب بإضعافهم، وهو موقف مُشرّف لكل الأحرار في المنطقة.
رهان الشعوب الحرة على محور المقاومة
إنّ ما تشهدهُ المنطقة من تكريسٍ للقُطرية، وانحسارٍ لإطارات العمل القومية، يشكّل دوراً في تجزئة معركة الأمة، وإنجاح مشاريع التدخّل والهيمنة الخارجية. عندما ذهبت دول المواجهة مُنفردة لاتفاقيات التطبيع مع كيان العدو الإسرائيلي، تمّ احتواؤها كل على حِدَة، وتمكّن العدو من الانتقال السلس من مرحلة الاحتلال إلى مرحلة التطبيع، ليبقى القرار الأخير في مشروعه لتل أبيب بدلاً من واشنطن، بغية الهيمنة على المنطقة.
لذا، لا تختلف اتفاقيات التطبيع التي يُبرمها الأعراب مع العدو الإسرائيلي عن تلك التي وقّعتها دول المواجهة، في كونها تسويات “استسلام” لا “سلام”، لتُصبح دول المواجهة اليوم هي سوريا، ولبنان، واليمن، والعراق، وإيران، فيما تتولى أنظمة التطبيع مُهمتها الجديدة للعمل كدول مواجهة ضد محور المقاومة.
المخاض الذي تشهده المنطقة يرسم صورةً أكثر وضوحاً لتوجّهات الدول، ويُقدّم حالةً من الفرز والتجلي للحقائق، وهو أمرٌ جيد كما يقول السيد عبد الملك الحوثي، لأن الشعوب أصبحت تُدرك حقيقة الارتباط المباشر والعلني بين أنظمة التطبيع والعدو الإسرائيلي. إنّ انضمام تلك الأنظمة للمشروع الصهيو-أميركي الموجّه ضد الأمة، سيخلق حالةً متنامية من الوعي والالتفاف الشعبي العربي والإسلامي حول محور المقاومة.
هذا الخندق الحرّ الذي يتصدى لهذا المشروع العدائي، ويُسابق الوقت لاستكمال تنفيذ مخططاته، مستغلاً حالة الانكشاف غير المسبوق التي تعيشها المنطقة سياسياً وعسكرياً وثقافياً، الأمر الذي يفرض على محور المقاومة حالة الطوارئ القُصوى، وأعلى مستويات العمل والتنسيق، لمجاراة وتيرة العمل لدى العدو والتفوق عليها، لا سيما وأنّ أعضاء المحور يمتلكون من القدرات والتجارب المُلهمة ما يؤهلهم لكسب المعركة.
الدعم اللامحدود الذي يُقدّمه النظامان السعودي والإماراتي يُشكل ركيزةً أساسية للمشروع الصيهو-أميركي في المنطقة من خلال توظيف إمكاناتهما ترغيباً وترهيباً لدفع الدول العربية والإسلامية نحو التطبيع. وتمّ تحويل الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي إلى مجرد مظلةٍ لشرعنة التطبيع وتمرير ذلك المشروع.
لذا، فمن المتوقّع أن تتّجه كل الدول العربية نحو التطبيع بإستثناء دول محور المقاومة والجزائر. ومع ذلك، فالتطبيع لا يعدو عن كونه مجرد “حالة مؤقتة” لاتُعبّر عن إرادة وقناعات الشعوب العربية والإسلامية، واستمراره مرهونٌ بوجود تلك الأنظمة المُطبّعة لا أكثر.
ينظر أبناء الشعب اليمني العزيز، والملايين من أحرار الأمة العربية والإسلامية إلى محور المقاومة كآخر أمل، لاستعادة العزة والكرامة والحرية المسلوبة منذ وقتٍ طويل، فيما ينظر المشروع الصهيو-أميركي وأدواته في المنطقة إلى محور المقاومة كعقبةٍ أخيرة تواجه عملية استكمال إخضاع المنطقة وتدجين شعوبها، وتمكين “إسرائيل” من قيادتها. لذا، فتماسك محور المقاومة ونجاحه سيُنعش الآمال والتطلعات لدى شعوب المنطقة، وسيُسهم في إحداث ثوراتٍ داخلية تؤسس لمرحلةٍ جديدة في المنطقة تحت عنوان الاستقلال ورفض التدخل.
ختاماً، إنّ صنعاء اليوم في امتدادها لمحور المقاومة، تُشاطره تجاوز مرحلة الصمود، والانتقال إلى مرحلةٍ جديدة تتّسم بالقُدرة المتنامية على الردع الاستراتيجي، وصولاً لمرحلة الحسم وكسب المعركة، فالعدو الإسرائيلي الذي قصف مفاعل تموز النووي العراقي عام 1981، ويُخطط لقصف مفاعلات إيران النووية لمنعها من حق امتلاك التكنولوجيا والسلاح النووي، بات يُدرك أنّ مفاعلاته النووية أيضاً عُرضةٌ للقصف اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى.
تل أبيب تُراهن من خلال تثبيت وجودها وتفوّقها، على جرّ واشنطن ودول التطبيع إلى حربٍ جديدة لإسقاط محور المقاومة وتفكيكه. فيما يُراهن القادة والشعوب الشرفاء على عدالة قضيّتهم، والمُضي في تقديم التضحيات كطريقٍ وحيد يؤدّي إلى الصلاة في المسجد الأقصى، والطواف بالبيت العتيق، وعودة السلام إلى المنطقة بخروج آخر جنديٍّ أميركي، وقيام دولة فلسطين.