الفوضى.. بضاعة أمريكا رُدت إليها..!
أبين اليوم – متابعات
تحاول النخب السياسية الامريكية، تحميل من أسمتهم بالغوغائيين، مسؤولية ما جرى يوم الاربعاء الماضي، عندما اقتحمت حشود من انصار الرئيس الامريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب، مبنى الكونغرس الامريكي، وما أسفر عنه من سقوط عدد من القتلى والجرحى، بينما تجاهلت وبشكل مقصود، الجهات التي كانت السبب الرئيسي وراء الحادث، بعد ان حرضت هؤلاء “الغوغائيين”، عبر تاييدها مزاعم ترامب بتزوير الانتخابات، ونفخها طوال الشهرين الماضيين في هذه المزاعم دون كلل او ملل.
واللافت أيضاً ان النخب السياسية الامريكية، التي حاولت الظهور بمظهر المدافع عن الديمقراطية، وجهت سهام انتقاداتها الى شخص ترامب فقط، من بين كل المسؤولين الذين كانوا وراء الحادث، وحملته مسؤولية تهييج الغوغائيين وتحريضهم على التوجه الى مبنى الكونغرس، بينما اشاعة فكرة تزوير الانتخاباتوالترويج لها، لم تكن من جانب ترامب فقط، بل ان هناك اعضاء كبار في الحزب الجمهوري، في مجلس النواب والشيوخ ومسؤولين كبار في الولايات الامريكية، سبقوا ترامب في مزاعمه بتزوير الانتخابات، وطالبوا برفض نتائجها او اعادتها في الولايات الحاسمة.
العشرات من اعضاء مجلس الشيوخ والنواب من الحزب الجمهوري، وبينهم اعضاء كبار، من الذين تم محاصرتهم من قبل الغوغائيين في الكونغرس في هجوم يوم الاربعاء، لم يكونوا يشاطرون “الغوغائيين” توجهاتهم فحسب، بل كانوا اكثر خطرا من المهاجمين، على “الديمقرطية الامريكية” التي يزعمون الدفاع عنها.
فعندما يرى الغوغائيون ان رئيسهم وممثليهم، يعتبرون نظامهم السياسي فاسدا، وان انتخاباتهم مزورة، عندها لا يجد هؤلاء سوى العنف وسيلة للتغيير، وهو ما حدث يوم الاربعاء في واشنطن.
النظام السياسي الامريكي، وبدلا من محاسبة الرئيس الامريكي والمشرعين والمسؤولين الذين حرضوا على العنف، نراه يلاحق “الغوغائيين” عبر التعرف عليهم من خلال الافلام والصور، حيث تم اعتقال عدد منهم، وطرد اخرين من اعمالهم، عقابا لفعلتهم، بينما مازال ترامب وكبار المسؤولين في الحزب الجمهوري، الذين كانوا السبب الرئيسي وراء ما حدث، طلقاء دون محاسبة ولا مساءلة. فمازال هذا النظام عاجزا عن عزل رئيس يوصف من قبل الجميع بانه مريض نفسي، ويشكل خطرا على امريكا والعالم.
من الخطأ التعامل مع ما حدث يوم الاربعاء الماضي في امريكا، على انه حدث عابر، جاء إثر خطاب القاه رئيس متطرف، امام جماعات مؤيدة له، فتملكها الغضب، وقامت بما قامت به تحت ثورة غضب وانتهى الامر. فالذي حدث، كان عبارة عن “دخان” خرج من فوهة بركان، قائم على العنصرية الامريكية، وعلى نظام راسمالي متوحش، وعلى فوارق طبقية مخيفة، وعلى ثروة يحتكرها 1% من الشعب، وعلى هيمنة تجار السلاح على القرار السياسي، وعلى نظام سياسي فاسد، وعلى ديمقراطية مزيفة.
المشهد المخزي، الذي راه العالم يوم الاربعاء الماضي في واشنطن ، كان الوجه الحقيقي للديمقرطية الامريكية، الديمقراطية التي كان يتباها الامريكيون على مدى عقود طويلة، بانها مستقرة ومحصنة، وكانوا يُصدّرون بإسمها الفوضى الى العالم، الا ان رجلا مخبولا مثل ترامب، كشف، دون قصد، فساد بضاعتهم، فردها اليهم، عندها شاهد العالم كيف ذاق الامريكيون طعم بضاعتهم المعطوبة.
المصدر: العالم