اليمن محور دولاب التداعيات.. من الطوفان الى بركان يهز خارطة النفوذ الجيوسياسي لمحور الصهيونية.. “الجزء الأول“..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
بقلم / علي أحمد جاحز
طوفان الأقصى في السابع من اكتوبر الماضي، لم يكن مجرد عملية ضمن السياق الاعتيادي لعمليات المقاومة الفلسطينية، بل كانت شرارة اشعلت المنطقة وربما تشعل العالم.. وبالنظر الى التداعيات، يبدو ان المحور الصهيوني يرى بركاناً يغلي تحت خارطة نفوذه الجيوسياسي.. فهل لاتزال العقلية الصهيونية قادرة على ادارة المأزق؟ أم انها باتت عقلية شائخة وستقوده الى النهاية..لنرى.
سقوط الإنسانية.. وفشل المسارات الناعمة:
الحرب التي انتهجها الكيان الصهيوني على غزة تجاوزت حدود رد الفعل على عملية طوفان الأقصى لتصل إلى حرب إبادة معلنة تشارك فيها رؤوس الصهيونية العالمية بشكل معلن، ولأول مرة النظام العالمي لا يعبأ بسقوط الأقنعة التي عادة يغلف بها وجهه الحقيقي، وأهمها قناع الإنسانية وحقوق الانسان، وإحراق كل الأوراق الناعمة التي عادة يستخدمها لتمتص سخط جمهور العرب والمسلمين مثل رابطة العلماء ومنظمة التعاون والاتحاد العالمي للعلماء… الخ..
بل لم يترك أي مساحة لمجرد الإستماع الى السخط الجماهيري في أوروبا وأمريكا فضلاً عن العالم العربي والاسلامي، بل عمد إلى تعرية حقائق كان من المستحيل ان يكشفها، أهمها ان الإنسانية وحقوق الإنسان والطفل والمرأة ليست موجودة وان القانون الانساني والمنظمات الانسانية والمؤسسات الأممية ليست أكثر من أدوات يمتلكها الصهاينة لتدير اجنداتهم الخاصة..
ولأول مرة تعمد إفشال مجلس الأمن والأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمات انسانية لا تحصى، وإغلاق كل تلك المسارات الناعمة بشكل كامل أمام مجرد مطلب إدخال الغذاء والدواء إلى غزة، فضلاً عن إيقاف الابادة، لأول مرة يصبح كل هذا تصرفاً معلناً تجاهر به أمريكا وبريطانيا ولا يحظى حتى بالاستغراب داخل الخطاب الدبلوماسي العالمي، بل ويتناغم معه صمت يصعب توصيفه في اروقة النظام العربي وكأنما لا يصله اساسا نبأ الابادة والمجاعة في غزة.
أليس هذا أمراً غريباً يصعب تفسيره في السياقات الاعتيادية؟! كل ذلك السقوط الغير مسبوق لأقنعة الانسانية والاغلاق الكامل للمسارات الناعمة أمام بشاعة الابادة المعلنة والمتواصلة، تصرفات جريئة لم يقدم عليها النظام الامبريالي الصهيوني من قبل، فهي تكلفة أخلاقية عالية، لكن ما هو الدافع الذي برر اتخاذ هكذا قرارات خطيرة واستراتيجية؟ هل الشعور بالخطر الوجودي للكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة؟ ام انه انتقام غير محسوب العواقب وقرار احمق؟ – هلع صهيوني..
مقاومة خارج المألوف:
برغم كل ذلك الجنون الاسرائيلي الذي دمر وقتل وشرد وحاصر غزة وكل ذلك التعري الاخلاقي المساند لأكثر من مائة يوم، لم يحسم الكيان اهدافه المعلنة، بل كانت النتيجة عكسية تماما، ازداد الخطر الوجودي على الكيان، بل امتد الخطر الى تهديد الهيبة الصهيونية في المنطقة امام انبعاث مختلف لمحور المقاومة من لبنان والعراق الى اليمن، هذا المتغير الجديد رفع منسوب القلق والشعور بالخطر لدى رؤوس الصهيونية امريكا وبريطانيا ليس لجهة الخطر على اسرائيل وحسب بل تجاوز ذلك الى الخطر على الهيمنة المتجذرة لهما على المنطقة عموماً.
كان المعتاد ان صمود المقاونة وتكبد اسرائيل خسائر وشعورها بخطر اطالة الحرب على وجودها مبرر لتوقف الخرب..
لكن هذا لم يحصل هذه المرة، رغم تصاعد صمود المقاومة وتكبد اسرائيل خسائر مهولة وارتفاع السخط داخل الكيان.. وبالطبع منذ عام 1973م لم يعد في حسابات محور الصهيونية اي توقعات ان يخرج نطاق اي معركة مع اسرائيل من حدودها مع لبنان او حدودها مع غزة.
لكنها هذه المرة المعركة تجاوزت ذلك بكثير وكسرت الروتين المسيطر عليه سواء من حيث الجرأة في ضرب اسرائيل من خارج فلسطين المحتلة من اليمن ومن العراق او ضرب القواعد الامريكية في العراق وسوريا، وصولاً الى الجرأة الغير مسبوقة في إغلاق باب المندب اما السفن الإسرائيلية والمتجهة إلى اسرائيل، ولعل هذا هو ما ارعب المحور الصهيوني برمته وجعله يشعر بالخطر ويستنفر ويذهب الى استراتيجية الهروب الى الامام عبر تشكيل تحالف لضرب اليمن واستصدار قرار من مجلس الامن يشرعن ذلك …الخ في محاولة لصناعة حدث يستر عوار هلعه من انكشاف ضعفه واهتزاز هيبته امام المجتمع الدولي وخاصة الاطراف المتربصة والمتمترسة واهمها ايران والصين وروسيا وكوريا الشمالية وتحالفاتها.
الزلزال.. انبعاث المارد اليمني:
دولة اليمن البعيدة عن الكيان الصهيوني أعلنت دخولها في معركة طوفان الأقصى منذ اليوم الأول رسمياً، ولأن هذا الموقف الرسمي هو الوحيد الذي أعلن الدخول في المعركة مثل زلزالاً في المنطقة، فقد كان انبعاث هذا المارد الذي لم تنهكه تسع سنوات عدوان وحصار، صادماً للأطراف الصهيونية المشاركة في حرب الابادة، ومحرجاً للأطراف العربية والاسلامية الصامتة، وأملا للأطراف الغاضبة والساخطة وهي فصائل وحركات المقاومة والشعوب الحرة في كل العالم.
هذا اللاعب الذي دخل المعركة بقواعد اشتباك لم تكن في حسبان الاسرائيلي والامريكي والبريطاني، فاقم شعورهم بالخطر. وبالنظر الى ما تميز به موقف اليمن من الجرأة ورفض العروض والاغراءات والتصعيد والانطلاق من المنطلقات الجهادية الايمانية في فرض الحظر على السفن وفرض واقع غير مسبوق في البحرين الاحمر والعربي يثور على الواقع النمطي الذي كان يمنح امريكا وبريطاني الهيمنة الكاملة على المياه والمنافذ.. فهل هذا هو ما رفع مستوى الشعور بالخطر الوجودي لدى رؤوس الصهيونية في المنطقة؟ وما الذي يراه رؤوس الصهيونية في موقف اليمن وما بعد انتصار اليمن؟!
التصلب الصهيوني أمام الضغط اليمني:
الى الآن على الأقل لم ينجح حظر السفن الاسرائيلية والمتجهة الى موانئ فلسطين المحتلة من المرور عبر باب المندب، في تحريك النظام العالمي نحو الضغط لإدخال الدواء والغذاء، خاصة مع تصاعد الدعوات لعدم توسيع رقعة الصراع في المنطقة، وبالنظر الى كل ذلك فإن الانصياع والمرونة من الامريكي والبريطاني هو رد الفعل المعتاد والطبيعي، لكن هذه المرة جاء رد الفعل على شكل مزيد من التصلب، يوازيه التصلب الاسرائيلي امام ضغط المقاومة في غزة وحزب الله من جبهة الشمال والضغط الداخلي السياسي نتيجة فشل الحرب وارتفاع الكلفة العسكرية والاقتصادية خاصة بسبب الحصار اليمني، وضغط المستوطنين النازحين من الشمال والجنوب والمطالبين بتحرير الاسرى وضمان سلامتهم، وسرعة حسم الحرب.. الخ.
هذا التصلب جاء خارج السلوك المعتاد سواء من جهة الامريكي والبريطاني وغيرهم وهم الذين عادة يلعبون الدور الابوي الراعي للسلام في العالم، او من جهة الكيان الاسرائيلي الذي من المعروف انه لايطيل امد معاركه ويعتبر ذلك في معتقداته تجاوزا لخطوط حمر تهدد وجود الكيان.. فلماذا كل هذا التصلب وكسر الثوابت وتجاوز حدود المعتاد والمتوقع من قبل المحور الصهيوني امام الضغوط الكبيرة، هل لأن المعركة اتسعت رقعتها ام لانهم يريدون توسيع رقعتها؟ ولماذا قد يريدون توسيع رقعتها؟
ارتفاع أسهم اللاعب اليمني:
يدرك محور الصهيونية عدم جدوائية تحركاته في البحر الاحمر، وضرباته على اليمن كانت منذ اليوم الاول مكشوفة بل انها قوبلت بسخرية وتندر اليمنيين الى جانب نصح الناصحين، خاصة بعد فشل تجربة تسع سنوات من العدوان والحصار على اليمن اسفرت عن يمن أقوى واكثر تسليحاً وتحصيناً، ونظاماً ثورياً اكتسب مشروعية شعبية واكسبه موقفه مع غزة وتدخل الامريكي والبريطاني حباً واحتراماً محلياً ودولياً.
وبدلاً من ان يكون هذا حافزاً لمحور الصهيونية وخاصة الأمريكي والبريطاني للتعاطي بمرونة مع المتغير الجديد، فقد زاد موقفهما تصلباً.. فهل يعتبر الصهيوني التراجع أمام اليمني خطأ سينتج عنه ارتفاع اسهم هذا اللاعب الجديد؟ ام ان اسهمه قد ارتفعت اصلا وهذا سيشجع لاعبين اخرين في المنطقة وربما في العالم ؟
اجابات تجر تساؤلات واجابات..