عطوان: عمليّة إغتيال مُؤلمة للحرس الثوري الإيراني ولأهم اثنين من قيادته في وسط دمشق.. كيف سيكون الرّد شِبه المُؤكّد ومتى وأين؟ وهل تقترب جبهة جنوب لبنان من الانفِجار الكبير المُنتَظر..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
تحليل/ عبد الباري عطوان:
لا يُمكن النّظر إلى العُدوان الإسرائيلي الذي استهدف مبنى من أربع طوابق في حي المزة الدبلوماسي في قلب دمشق، وأدّى إلى اغتِيال أربعة مُستشارين عسكريين من الحرس الثوري الإيراني، إلّا من زاوية وجود خطّة لدى نتنياهو لإشعال المِنطقة، وتوسيع دائرة الحرب بحيث تشمل جنوب لبنان وإيران والعِراق وسوريا، وتوريط أمريكا بشَكلٍ مُباشرٍ فيها، أي أنّه مُصَمِّمٌ على أن لا يغرق لوحده.
أن يتزامن هذا العُدوان مع إغتيال قائدين ميدانيين من حركة حماس بقصفِ مُسيرّة لسيّارتهم في جنوب لبنان، وبعد أيّامٍ من عمليّة اغتِيال أربعة آخَرين مِثل السيّد رضى الموسوي وصالح العاروري ووسام طويل، وفي ظِل تصاعُد التّهديدات الإسرائيليّة لشنّ اجتياحٍ مُوسّعٍ لجنوب لبنان بعد تزايُد هجمات حزب الله الصاروخيّة شِمال فِلسطين المُحتلّة، وتهجير أكثر من 250 ألف مُستوطن، فهذا يعكس حالة الإحباط التي يعيشها الكيان المُحتل مُنذ السّابع من تشرين أوّل (أكتوبر) الماضي، وفشله في تحقيقِ أيٍّ من أهداف غزوه لقطاع غزة، وتعاظُم الخسائر في صُفوف قوّاته، وتدهور اقتصاده، وتفاقم أزماته الداخليّة والخارجيّة معًا.
لا بُدّ من الاعتِراف بأنّ عمليّة الاغتِيال هذه التي استهدفت العميد صادق أوميد زادة قائد استِخبارات فيلق القدس التّابع للحرس الثوري، ونائبه الحاج علام محرم، وقصف المنزل الذي كان يستضيف اجتماعًا مع نُظرائهم السوريين الواقِع في حيٍّ دبلوماسيّ، من المُفترض أن يكون أكثر الأحياء المحروسة أمنيًّا في سوريا، ما كانَ لها أن تتم إلّا نتيجة اختراق أمني كبير وبمُشاركة خليّة بشريّة عميلة للاحتِلال، الأمر الذي يتطلّب إجراء مُراجعات مُتعمّقة للإجراءات الأمنيّة المُتّبعة وسَدّ الثّغرات وأبرز عناوينها مُحاسبة المسؤولين عن هذا الاختِراق مهما علا شأنُهم، فالخرق بدأ يتّسع على الرّاقع.
دولة الاحتِلال تتخبّط، وتُحيط بها الهزائم من كُلّ الجهات، وينعكس هذا التخبّط باللّجوء إلى حربِ الاغتَيالات وتصعيدها في مُحاولةٍ هوليوديّةٍ يائسةٍ لطمأنة “رأيها العام” وتهدئة مخاوفه، وترقيع حالة الفشل التي مُنيت بها أجهزتها الاستخباريّة خاصَّةً بعد هُجوم خلايا حركة “حماس” على مُستوطنات غِلاف قطاع غزة وقتل ما يَقرُب من 1200 جُنديًّا ومُستوطنًا، وأسْر حواليّ 250 آخَرين وهو هُجومٌ “نوعيٌّ” غير مسبوق زعزع الأركان الرئيسيّة للمشروع الاستيطاني الصّهيوني، إن لم يكن قد وضع نُقطة نهايته.
لا نستبعد أن تكون عمليّة الاغتِيال هذه، وفي وسطِ دِمشق، قد جاءت ردًّا على الهُجوم الصّاروخي الإيراني الذي دمّر مقرًّا لجِهاز الموساد الإسرائيلي في مدينة أربيل قبل بضعة أيّام، وآخَر قصف وللمرّة الأولى قواعد لمُعارضة سوريّة في إدلب ثأرًا للعُدوان الذي استهدف زوّار ضريح الشّهيد قاسم سليماني رئيس فيلق القدس وأدّى إلى مقتل 84 وإصابة 200 آخَرين.
استِخدام الحرس الثوري الإيراني صواريخ باليستيّة دقيقة مداها 1230 كم لقصف أربيل وإدلب لم تُخطئ أهدافها مُطلقًا، وخاصَّةً بيت أحد رجال الأعمال الأكراد مُتّهمٌ ببيع النفط السوري المسروق لدولة الاحتِلال، وتمويل جماعات مُسلّحة ضدّ إيران وسوريا، هذا الاستِخدام أقلق دولة الاحتِلال وعُملاءها في المِنطقة، مثلما أقلق أيضًا الولايات المتحدة لأنّه شكّل كسْرًا للقاعدة المُتّبعة في التأنّي، والصّبر الاستراتيجي طويل النّفس، وعدم الرّد فورًا على الأعمال الإرهابيّة، وألغى مقولة الرّد في المكان والزّمان المُناسبين.
السُّؤال المطروح حاليًّا هو عمّا إذا كانت قيادة الحرس الثوري الإيراني ستردّ بسُرعةٍ على عمليّة الاغتيال الأحدث هذه، وأين سيكون هذا الرّد في داخِل الكيان، أمْ خارجه؟ بقصفٍ صاروخيٍّ مُباشرٍ أمْ من خِلال الأذرع الحليفة؟
من الصّعب علينا الإجابة على أيٍّ من الأسئلة الافتراضيّة لأنّ الرّدود العسكريّة الانتقاميّة من الأسرار الحربيّة العُليا، ولكن يُمكن القول بأنّ الرّد الانتِقامي الإيراني لن يتأخّر كثيرًا بالقِياس إلى نظيره في أربيل وإدلب، حيث بات شِبه مُؤكّد أنّ القيادة الإيرانيّة أصبحت تتّبع سياسة استراتيجيّة جديدة تتمثّل في سُرعة الرّد ودقّته، وربّما تمهيدًا، واستِعدادًا، للمعركة الكُبرى التي باتت حتميّةً فيما يبدو.
التّغريدة التي نشرها السيّد علي خامنئي المُرشد الأعلى في إيران قبل أربعة أيّام على حسابه على “إكس” وحرّض فيها أتباعه على الهُجوم على الأعداء وقتلهم في كُلّ مكان، كانت بمثابة فتوى عقائديّة تُوفّر الغِطاء الشّرعيّ للمرحلة القادمة، وما يُمكن أن يترتّب عليها من أحداثٍ وتطوّراتٍ لاحقًا.
نتنياهو الفاشِل، المأزوم، والمهزوم، نجح في توريط حُلفائه الأمريكان في غزة، وجرّها مِثل الجرو لحربٍ في البحر الأحمر، وضدّ أكثر الشّعوب شجاعةً وصلابةً في اليمن، وها هُو الآن يستخدم سِلاح الاغتِيالات لتوريطها في حربٍ ضدّ إيران، تمنّاها دائمًا، ربّما تبدأ مُقدّماتها ووقائعها الأولى في جنوب لبنان.
الحرب الإقليميّة العُظمى التي بذلت إدارة بايدن جُهودًا ضخمةً لتجنّبها باتت أقرب من أيّ وقتٍ مضَى، وتنتظر الصّاعق لإشعال فتيلها، وهي حربٌ ستكون دولة الاحتِلال الخاسِر الأكبر فيها.. والأيّام بيننا.
المصدر: رأي اليوم