باب المندب وموقف الحوثي.. و“الجسر البرّي“ الإماراتي..!

5٬820

أبين اليوم – مقالات وتحليلات 

تحليل/ علي شندب

عند اندلاع الحرب السودانية التي حجب العدوان الإسرائيلي المدجّج أمريكيًا على غزّة أخبارها، تساءلنا هل يكون السودان “أوكرانيا البحر الأحمر”، سيّما إذا ما اعتبرنا أنّ المسافة بين مدينتي بورتسودان السودانية وجدّة السعودية نحو 260 كلم، وهي أقل من المسافة بين صنعاء والسعودية التي طوى “الإتفاق الايراني السعودي” ورقة تصاعد توتراتها جرّاء “عاصفة الحزم” واستهداف الحوثيين لمنصّات وموانئ “أرامكو” السعودية.

مناصرة الحوثيين لغزّة كشفت عن وجاهة طرح السؤال مجدّدًا، وهذه المرّة انطلاقًا من سلوكهم التضامني مع غزّة والمقاومة الفلسطينية، وتطوّر موقفهم من إستهداف إيلات بالصواريخ البالستية والمسيّرات المفخخة، إلى إستهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر من باب المندب وبحر العرب، ومن ثمّ السفن المتجهة إلى كيان الإحتلال، ما أحدث اضطرابًا واسعًا في حركة الملاحة وممرّاتها الاستراتيجية، دفع شركات التأمين والشحن الدولية الكبرى إلى تعليق رحلاتها ربطاً بأمن الملاحة.

ومع دخول الولايات المتحدة على الخط عبر إسقاط إحدى مدمراتها نحو 14 مسيّرة متجهة لمدينة أمّ الرشراش “إيلات”، وتعزيز قطعها البحرية في البحر الأحمر، وسعي وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن خلال زيارته المنطقة لتوسيع “قوة المهام المشتركة 153” ومقر قيادتها في البحرين التي تضم 39 دولة ومهمتها الأصلية مكافحة تهريب السلاح إلى الحوثيين، ارتفعت وتيرة إتساع، ليس المدى الإقليمي للعدوان على غزّة، بل المدى الدولي لهذه الحرب رغم ضبابية موقفي روسيا والصين التي تمتلك قاعدة في جيبوتي مقابل باب المندب.

ولعلّ اللافت فيما كشفه موقف الحوثيين “الفلسطيني”، هو ما عرضه موقع “واللا” عن تدشين “جسر بري” لنقل البضائع من دبي إلى إسرائيل مرورًا بالسعودية والأردن بديلًا عن قناة السويس، وفقًا لاتفاق يقضي بإنشاء “الجسر” لتجاوز صواريخ الحوثيين. ونشر الموقع تفاصيل “الجسر البري” الذي نجحت تجربته الأولى في انتقال عشرة شاحنات، بكلفة مالية وزمنية أقل من تحويل سفن الشحن لمساراتها البحرية عبر رأس الرجاء الصالح إلى حيفا.

المتفحّص الهادئ لهذا “الجسر” يكتشف بأنّه “التطبيق الحرفي” للجزء الخليجي من “الممرّ الاقتصادي”.

وتبلغ مسافة الرحلة البرية من دبي 2550 كلم خلال أربعة أيام، أمّا مسافتها من البحرين فمدتها يومان وسبع ساعات وطولها 1700 كلم. ويبلغ سعر النقل نحو 1.2 دولار لكل كيلومتر، وهو أغلى بقليل من الشحن البحري في الظروف العادية، لكنه مع إرتفاع تكاليف التأمين على السفن بعد هجمات “الحوثيين” بات أرخص.

وبيّن “واللا” أنّ “إدارة النشاط ستتم بواسطة تطبيق Traknet للنقل الاسرائيلي والذي يربط بين أصحاب الشاحنات والعملاء الذين يحتاجون وسائل النقل. كما كشف عن توقيع اتفاقية تعاون مع شركة الخدمات اللوجستية الاماراتية Puretrans FZCO، ومشغّل شركة موانئ دبي DP WORLD، لنقل البضائع من الخليج إلى “إسرائيل” والعودة.

صحيح أنّ “الجسر البري” بين دبي وكيان الإحتلال، فرضته الإجراءات الحوثية ضد إسرائيل في البحرين الأحمر والعربي، لكن المتفحّص الهادئ لهذا “الجسر” يكتشف بأنّه “التطبيق الحرفي” للجزء الخليجي من “الممرّ الاقتصادي” لصاحبه جو بايدن والمنطلق عبر موانئ بحرية وسكك حديدية من الهند إلى الإمارات فالسعودية وإسرائيل بإتجاه أوروبا، والذي سبق وأعلن عنه خلال قمة الـ20 في نيودلهي وسط معارضة تركية ناطقة ومصرية صامتة.

ما يشي بأنّ المشاريع الغربية المُسقطة على المنطقة وكأنها تستهدف مصر عبر تدمير غزّة تمهيدًا لتهجير أهلها إلى سيناء والذي عزّزه قصف “إسرائيل” للحدود مع رفح في استفزاز إضافي للقاهرة التي تعتبر حدودها خطًا أحمر.

استفزاز جحّظه أكثر وزير الدفاع الاسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان الذي دعا، في سياق رسمه هيكلية المؤسّسة الدفاعية بعد الحرب التي تشنّها إسرائيل على غزّة، إلى “الاستعداد للحرب مع مصر”.

وإذا كان غاريد كوشنير صهر ومستشار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، مهندس اتفاقات “السلام الإبراهيمي” التي أُبرمت بين كيان الإحتلال والإمارات والبحرين والسودان قبل انفجاره، فإنّ جيك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي هو مهندس “الممرّ الاقتصادي”.

والمتفحّص لاتفاقات “ابراهام” التطبيعية و”الممرّ الاقتصادي” يكتشف ببساطة أنّهما قراءة مزدوجة لمشروع واحد جوهره شطب القضية الفلسطينية وتصفيتها وفقًا لخريطة بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة.

إسرائيل بالنسبة للمتصهينين الغربيين عبارة عن “بارجة ثابتة” هدفها تمزيق الوطن العربي: 

بهذا المعنى ينبغي النظر إلى زيارة سوليفان الأخيرة إلى تل أبيب والمنطقة، ترجمةً لاستراتيجية بايدن التي حمّلها كثيرون أكثر ممّا تتحمّل فوصفوها بـ”الانعطافة”. فما قاله بايدن لا يشكل مطلق انعطافة، إذ إنّ علاقته بنتياهو معروفة بالرفض والنفور من قبل “طوفان الأقصى”، ولهذا ميّز بايدن المعتدّ بصهيونيته بين “حكومة نتنياهو المتطرّفة” وبين “إسرائيل” التي قال إنه يجب اختراعها لو لم تكن موجودة.

فإسرائيل بالنسبة للمتصهينين الغربيين عبارة عن “بارجة ثابتة” هدفها تمزيق الوطن العربي وإضعافه بهدف تأمين وحماية مصالح رعاتها ومستنبتيها وفارضيها على العالم بالقوّة لأنّ لا وجود أصيلًا لها فوق ثرى فلسطين.

بعد تدمير نحو 80% من البنية التحتية لقطاع غزّة، استفاق بايدن على ضرورة تغيير حكومة نتنياهو وتخفيف كثافة التدمير والنار، وقد تجلّى ذلك بالفيتو ضد وقف إطلاق النار، وتبيّن من خلال شروحات سولفيان لنتنياهو وحكومته، دفعُ إسرائيل لاعتماد الحرب الذكية الفعّالة من خلال استهداف قيادات “كتائب القسّام” والمقاومة الفلسطينية..

وسرعان ما ترجم جيش الإحتلال شروحات سوليفان “الذكية” باستهداف الدفاع المدني والصحفيين في “مدرسة تفّاحة” بخانيونس ما أدّى لاستشهاد مصوّر قناة “الجزيرة” سامر أبو دقة وآخرين، وإصابة مراسلها وائل الدحدوح الذي أكد أنّ زيارتهم للمدرسة كانت منسّقة مع الاحتلال بهدف إجلاء عائلات محتجزة، ما يعني أنّ العملية تستهدف عن سابق تصميم اغتيال الدحدوح الذي لم تنفع كل محاولات إخضاعه عبر إغتيال بعض عائلته لإخراجه من التغطية الاعلاميّة، لأنّ اسرائيل تريد قتل الشهود على جرائمها.

بعد نحو 80 يومًا من العدوان على غزّة يتكشّف انفضاح عجز جيش الإحتلال عن تسجيل مطلق انجاز، كما تتجلّى بطولة وبسالة المقاومة الفلسطينية، التي أخذت تحوّل غزّة إلى مقبرة للغزاة كما حصل في ملحمة “جحر الديك”، فضلًا عن فضيحة الاحتلال المجلجلة بقتله ثلاثة “محتجزين إسرائيليين” استغاثوه بالعبرية فقوبلوا بالرصاص الذي فجّر غضب أهالي المحتجزين ومظاهراتهم أمام وزارة دفاع الاحتلال التي تناوب وزيرها غالانت ورئيس أركانه فضلًا عن نتنياهو على ذرف الدموع وإعلانهم تحمّل مسؤولية مقتل أسراهم في غزّة، خصوصًا بعد وضع المقاومة الفلسطينية وقف إطلاق النار “شرطًا استباقيًا” لأيّ صفقة تبادل محتملة.

مصر مطوّقة بأحزمة النار، وتبدو في عين العاصفة أكثر من أي وقت مضى:

ما تقدّم أفصح عن انكشاف عسكري إسرائيلي فاضح، من شأنه تعريض المصالح الأمريكية للخطر، ما دفع الولايات المتحدة لتعزيز أساطيلها وتهديدها بالتعامل مع تهديدات الحوثيين وحلفائهم الصوماليين الذين انخرطوا في اختطاف السفن وقابله انخراط الهند وبحريّتها ضد “القراصنة”.

أمّا ارتدادات الانكشاف الاسرائيلي فستحفر عميقًا لدى الشعوب العربية التي استيقظت على إجهاز “الطوفان” على أوهام أسطورة الجيش الذي لا يُقهر.

تبقى العين على مصر المطوّقة بأحزمة النار، والتي تبدو في عين العاصفة أكثر من أي وقت مضى، سيّما بعد تخرّصات ليبرمان بالاستعداد للحرب عليها.

المصدر: “عروبة 22”

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com