عطوان: الإنحياز الأعمى لحرب التطهير العرقي الإسرائيلية في غزة يفجر حالة تمرد في الإدارة الأمريكية.. هل إنفضحت عصابة نتنياهو واختراقها لدائرة صنع القرار الأمريكي؟ وهل سيكون بلينكن اول ضحايا عملية التطهير الوشيكة؟ وأين اختفى منذ أسابيع..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
بقلم/ عبد الباري عطوان:
سيطرة مجموعة من الصهاينة المتطرفين في ولائهم لدولة الاحتلال الإسرائيلي ودعمهم لحروب الإبادة والتطهير العرقي التي تمارسها حالياً في قطاع غزة والضفة الغربية، أدت إلى تدمير ما تبقى من هيبة أمريكا، واظهرتها كدولة نازية التوجهات، تدعم قتل الأطفال والرضع والنساء، وتنحاز لكل ما يدمر الشرعية الدولية ويفقدها من قيمها ومواثيقها، وبما يزعزع الأمن والاستقرار في العالم وجره الى حرب عالمية ثالثة، علاوة على تقويض نفوذ أمريكا، واستقرارها الداخلي، ووحدتها الوطنية الترابية والبشرية.
عصابة صهيونية يقودها بنيامين نتنياهو وتضم عدداً من اليهود الصهاينة بزعامة انتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي الحالي استغلت ضعف الرئيس جو بايدن وتقدمه في العمر، وحاجته الماسة لأصوات اليهود الأمريكيين ونفوذهم لتوظيف الإدارة الامريكية في خدمة السياسات الفاشية للحكومة الإسرائيلية الحالية، ودعم حروبها الدموية في قطاع غزة والضفة الغربية، وبما قد يؤدي إلى تقويض السياسة الخارجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، والعالم الإسلامي، ووضع حلفاء أمريكا التقليديين في المملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج، علاوة عن مصر والأردن والعراق في مأزق شديد الخطورة، وبما يهدد مصالح أمريكا ونفوذها في هذه المنطقة التي تعتبر الأغنى في العالم.
الولايات المتحدة، وبفضل دعمها للحرب الإسرائيلية “الجبانة” في قطاع غزة، واعدام أكثر من 12 ألف من المدنيين العزل ثلثهم من الأطفال الرضع وثلثهم الثاني من النساء، وإصابة 35 ألفا حتى الآن، وتشريد أكثر من مليون ونصف المليون، باتت شريكة مباشرة في هذه المجازر التي ترتقي إلى جرائم حرب وضد الإنسانية.
إدارة بايدن لم تكتف بمعارضة أي وقف لإطلاق النار، وتبني السياسات الاجرامية الإسرائيلية، في تشجيع مباشر لعمليات القتل والعقوبات الجماعية، وتوفير الغطاء لها في الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، بل ذهبت الى ما هو أبعد من ذلك بإرسال آلاف الأطنان من الذخائر والمعدات العسكرية، ورصد دعم مالي بأكثر من 14 مليار دولار لتمويل حرب الإبادة الإسرائيلية.
الولايات المتحدة، وبفضل هذا الخطف الصهيوني لقرارها السيادي، باتت تواجه احتمالات حرب أهلية، وانقساماً داخلياً بيروقراطياً وشعبياً، بما يهدد نظامها السياسي واستقراره، والعنصر المفجر حالة التمرد التي تعيشها وزارة الخارجية حاليا ضد وزيرها انتوني بلينكن الذي كان ولا يزال تلميذاً تابعاً لنتنياهو، يرضخ لإملاءاته، ويؤيد حروبه.
فعندما يوقع أكثر من 400 من كبار الموظفين والخبراء، يمثلون 40 وكالة حكومية على رسالة إلى الرئيس بايدن أمس الثلاثاء إحتجاجاً على دعمه لإسرائيل وحربها الفاشية الهمجية في قطاع غزة فإن هذه ثورة غير مسبوقة في السياسة الأمريكية منذ حرب فيتنام، وستكون لها تبعاتها وانعكاساتها في المستقبل المنظور.
لا يمكن أن ننسى في هذه العجالة المذكرات الثلاث الداخلية التي وقعها وتقدم بها عشرات الكوادر في وزارة الخارجية إلى رئيسهم بلينكن، بالإضافة إلى 1000 موظف في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية إحتجاجاً على السياسة الخارجية الأمريكية المنحازة بالكامل لحرب الإبادة الإسرائيلية في قطاع غزة، فدماء الشهداء في قطاع غزة لن تغير أمريكا، وتفكك المشروع الصهيوني وقبل إكماله الثمانين من عمره، وإنما الشرق الأوسط أيضاً، وربما أجزاء كثيرة من العالم، وما تصاعد إقدام دول عديدة في أمريكا الجنوبية وأفريقيا على قطع العلاقات مع دولة الإرهاب الإسرائيلية إلا أول الغيث.
انتوني بلينكن أحد أبرز زعماء هذه العصابة الصهيونية الذي خططت ودعمت الحرب على قطاع غزة، وعارض بقوة أي وقف لاطلاق النار حتى تحقق الحرب أهدافها الدموية كافة، وتنبى خطة نتنياهو بتهجير أهالي القطاع الى مدينة خيام في سيناء بات في رأينا يلفظ أنفاسه الأخيرة، واصبحت أيامه معدودة كوزير خارجية للولايات المتحدة لتقديمه لولائه لإسرائيل بحكم صهيونيته وسياساته وتبعيته لها على أي ولاء آخر، وبما في ذلك لامريكا وطنه المفترض.
الإدارة الامريكية تحاول ان تتبرأ من حرب التطهير العرقي الاسرائيلية واقتحام المستشفيات والزج بمرضاها الى الشارع، وخنق الرضع الخدّج، وحملات التهجير النازية، ولكن هذه البراءة جاءت متأخرة، أي بعد 40 يوما من بدء الحرب، وكل ما يترتب عليها من قتل وذبح ودمار وتشريد، وما زالت محصورة في إطار التصريحات فقط.
لن تستطيع إدارة بايدن تقليص الأضرار الكارثية، او معظمها لمواقفها الناجمة عن دعم هذه الحرب، ناهيك عن ازالتها كليا، الا اذا كفّرت عن ذنبها بوقف هذه الحرب فورا، وتغيير جذري لكل سياستها الداعمة للكيان الصهيوني وجرائمه، وإعطاء الشعب الفلسطيني كل حقوقه في إقامة دولته على الأراضي الفلسطينية دون أي نقصان، ولا نعتقد انها ستفعل ذلك للأسف.
إسرائيل، وقادتها، وحروبها، ومجازرها، الحقت اضرارا تدميرية بالولايات المتحدة، وكل العالم الغربي عبر عملائها المتغلغلين في دائرة صنع القرار فيها (أي أمريكا)، واذا لم يتم وضع حد لهيمنة هؤلاء على المفاصل الرئيسية في هذه الدائرة، ومؤسساتها فان النتائج ستكون كارثية.. والأيام بيننا.
المصدر: رأي اليوم