عطوان: هل استعدّت الجبهة اللبنانيّة لدُخول الحرب لتأكيد وحدة السّاحات؟ وما هو “الصّاعق” الذي أدّى إلى عودة الصّواريخ لقصف مُستوطنات الجليل بكثافة؟ وهل قرّر “السيّد” تفعيل العُنصر الأهم في خطابه الأخير..!

5٬778

أبين اليوم – مقالات وتحليلات 

بقلم/ عبد الباري عطوان:

باتَ واضحًا وفي ظِل تصاعُد منسوب التوتّر والمُواجهات على جبهةِ جنوب لبنان بين فصائل المُقاومة وجيش الإحتلال الإسرائيلي، أنّ “كابوس” توسيع حرب غزّة الذي ترتعد منه الإدارة الأمريكيّة وتخشاه بدأت إرهاصاته تظهر بشَكلٍ مُتسارع، وأنّ خِطاب السيّد حسن نصر الله زعيم المُقاومة الإسلاميّة، أجّل قرار الدّخول في الحرب وإعلانها، ولم يُغلق الباب كُلّيًّا، وأنّ تطوّرات جديدة مُتسارعة ربّما فعّلت هذا الخِيار.

قبل أن نتحدّث عن المُعطيات الجديدة التي حتّمت هذا التّسخين، وتقف خلف هذا التّصعيد، لا بُدَّ من الإشارة إلى بيانٍ لجيش الاحتِلال صدر مساء الثلاثاء يُؤكّد أنّ 20 صاروخًا انطلقت من الأراضي اللبنانيّة وقصفت أهدافًا وقواعد ومُستوطنات في مِنطقة الجليل المُحتل، وجرى الرّد عليها بقصفٍ مدفعيٍّ على أطراف بلدات لبنانيّة منها دير ميماس والقليعة وبرج المُلوك واللبونة والبستان، وكشفت قناة “المنار” التّابعة لحزب الله، أنه تمّ إستهداف مرابض العدوّ في الجُولان السوري المحتل بالصّواريخ، وحاولت منظومة القبب الحديديّة الاعتِراض لها في القِطاع الشّرقي”.

السيّد حسين عبد اللهيان كشف الثلاثاء غاضبًا عن رسالة حملها أنتوني بلينكن وزير الخارجيّة الأمريكي للسيّد محمد شيّاع السوداني رئيس وزراء العِراق إلى طِهران تُؤكّد أنّ الإدارة الأمريكيّة تسعى للتوصّل إلى وقفٍ فوريٍّ لإطلاق النّار في الحرب التي تشنّها “إسرائيل” على غزّة، ولكن أمريكا لم تلتزم بتعهّداتها هذه، وكانت تكذب، وتُحاول استِخدام لعبة كسب الوقت”.

لا نستغرب أن يكون بلينكن الذي لم يتورّع مُطلقًا عن التّباهي بصُهيونيّته، مارس الكذب لتضليل إيران وقِيادتها، بالادّعاء بتجاوبه وحُكومته مع شُروطها بضرورة وقف حرب الإبادة الجماعيّة التي تُمارسها “إسرائيل” في قِطاع غزّة، لمنع أيّ توسيعٍ للحرب، ودُخول “حزب الله” ميدانها، وحاول تغطية أكاذيبه هذه بالذّهاب إلى القدس المُحتلّة من أجل تحقيق هذا الهدف، أيّ وقفِ إطلاق النّار.

هُناك احتِمالان ربّما يُؤكّدان هذه النظريّة بطريقةٍ أو بأُخرى:

الأوّل: أن الإدارة الأمريكيّة كانت تُريد وقفًا لإطلاق النّار لتقليص الخسائر الإسرائيليّة وتجنّب توسيع الحرب، بعد فشل الجيش الإسرائيلي في حسم الحرب لصالحه، وتصاعُد النّقمة العالميّة بسبب ضخامة أعداد ضحايا القصف الجوّي الدّموي من المدنيين والأطفال والنّساء خاصّةً (أكثر من 10 آلاف شهيد و30 ألف جريح)، والتغيّر المُتسارع في الرّأي العام العالمي لغير صالح إسرائيل، ولكنّ نِتنياهو رفض الالتِزام بأيّ وقفٍ لإطلاق النّار لأنّه سيَصُبّ في صالحِ حماس ويقضي على كُلّ آماله باجتِثاثها كُلِّيًّا ودُونَ تحقيق هدفه الثّاني، أيّ الإفراج عن جميع الأسرى.

الثاني: أن بلينكن ربّما كان مُتواطِئًا كُلّيًّا مع نِتنياهو بحُكم يهوديّته، ولم يُمارس أيّ ضُغوط عليه، والأكثر من ذلك تبنّي سياسته في ضرورة مُعارضة أيّ وقف لإطلاق النّار دُونَ تحقيق الهدفين المذكورين آنفًا، أي عودة الأسرى دُونَ شُروط، والقضاء كُلّيًّا على حركة “حماس”.

نحن، ومن خِلال مُتابعتنا لتطوّرات هذه الحرب مُنذ بدايتها، واستِخدامها من قِبَل نِتنياهو لتحويل “إسرائيل” كرهينة، وأداة، لإطالة عُمُر حُكومته الفاشيّة، وتجنّب ذهابه إلى السّجن بتُهم الفساد وسُوء استِخدامه للسّلطة، أصبحنا على قناعةٍ بصوابيّة الاحتِمالين، وأنّ نِتنياهو، وبحُكم اللوبيّات الصهيونيّة المُسيطرة على الإدارة الأمريكيّة، باتَ أقوى من الرئيس الأمريكي جو بايدن، وهذا ما يُفسّر عدم تنفيذه لأي من قراراته، وخاصَّةً وقف إطلاق النّار في حرب غزة، أو حتّى الهُدن الإنسانيّة.

إيهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أكّد في تصريحاتٍ أدلى بها اليوم إلى أن “إسرائيل” لن تكون قادرة على الاستِمرار في عمليّة عسكريّة طويلة الأمد، وأنها إذا لم يُحقّق جيشها أهدافه في أسبوعين أو ثلاثة من بدء الحرب على الأكثر، فإنّ البلاد (إسرائيل) تتّجه إلى احتكاكٍ مُباشرٍ مع الأمريكيين، وقال “صحيح أن أمريكا لا تستطيع أن تُملي على إسرائيل ما يجب أن تفعله، لكن لا يُمكننا أن نتجاهلهم”، وتوقّع أن هزيمة “حماس” تحتاج إلى ما يَقرُب السّنة، والدّعم الغربيّ يَضعُف بسبب مقتل المدنيين في غزة، والمخاوف أن يُؤدّي ذلك إلى حربٍ أكبر وكارثيّة للمِنطقة”.

احتِمالات اندلاع حرب أكبر في المِنطقة باتت كبيرة جدًّا، وربّما يأتي “المُفجّر” أو “الصّاعق” من جنوب لبنان، فحتّى لو وقفت المُقاومة اللبنانيّة على الحِياد، وهذا مُستَبعد كُلّيًّا، فإنّ فصائل المُقاومة الحليفة، مِثل كتائب القسّام الحمساويّة (أطلقت أمس 17 صاروخًا على مُستوطنات في الجليل)، وسرايا القدس التّابعة لحركة الجهاد الإسلامي بات كلاهما في قمّة النشاط على الجبهة اللبنانيّة، وبدَعمٍ مُباشر من حزب الله وجناحه العسكريّ.

أمريكا تخوض حاليًّا حربًا عالميّةً ثالثة في أوكرانيا، وكُل المُؤشّرات تُؤكّد أنها خسرت، وها هي تخوض حربًا أُخرى في الشّرق الأوسط ورّطتها فيها حليفتها الأوثق إسرائيل من خِلال بعض مُزدوجي الجنسيّة والولاء مِثل بلينكن وزير الخارجيّة.

الرئيس فلاديمير بوتين الذي غابت حربه في أوكرانيا عن العناوين الرئيسيّة واهتِمام العالم، يجب أن يكون مُمْتَنًّا لحركة “حماس” وفصائل المُقاومة الأُخرى التي قدّمت له أفضل هديّة، أيّ حرب غزة، في التّوقيت المُناسب، عندما نجحت في جرّ أمريكا ودولة الاحتِلال والدّول الغربيّة الأُخرى إلى أتونها.

نِتنياهو سيرحل حتمًا ومهزومًا في الأيّام القليلة القادمة، بينما ستبقى حركة “حماس”، ضاربة جُذورها في الأرض، مثلما رحلت أمريكا مَهزومةً مُهانةً وبقيت المُقاومة العِراقيّة وحركة طالبان، أمّا إذا توسّعت دائرة حرب غزة بفتح الجبهة اللبنانيّة على مِصراعيها، انتِقامًا من الخديعة الأمريكيّة التي تحدّث عنها السيّد عبد اللهيان، فإنّنا لا نستبعد أن تكون حاملات الطّائرات الأمريكيّة في شرق المُتوسّط أوّل وأكبر ضحاياها، وربّما من المُفيد التّذكير بتدمير مقر جنود المارينز في بيروت  بعمليّةٍ استشهاديّةٍ واحدة عام 1983 و مقتل 284 جنديا، أي قبل أربعين عامًا وقبل بدء عصر الصّواريخ الدّقيقة والمُسيّرات.. والأيّام بيننا.

 

المصدر: رأي اليوم

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com