عطوان: هذا ردّي على بوريل وزير خارجية الإتحاد الأوروبي ودموعه الزائفة على ضحايا غزة.. ولماذا تُشرعن أمريكا حرب الإبادة والتطهير العرقي بمبدأ حق الدفاع عن النفس للمعتدي وليس للضحية؟ وكيف يبحثون عن بدائل لحكم “حماس” وهي التي تزداد قوّة وصلابة..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
بقلم/ عبد الباري عطوان:
تطوران رئيسيان لفتا نظرنا في الأيام القليلة الماضية تتعلقان بالجانب السياسي لحرب الإبادة والتطهير العرقي التي تشنها حاليا قوات الاحتلال في قطاع غزة.
الأول: تصريح جوزيف بوريل مسؤول السياسية الخارجية بالإتحاد الأوروبي ادلى به يوم الأربعاء وقال فيه انه أصيب بـ”الفزع” بعد اطلاعه على العدد الكبير لضحايا القصف الإسرائيلي للمدنيين في قطاع غزة ومخيم جباليا تحديداً، وأعاد التأكيد على حق إسرائيل في الدفاع عن النفس، وحتمية تطبيق قوانين الحرب والإنسانية، وإيصال المساعدات.
الثاني: بث وكالة “بلومبرغ” الأمريكية خبراً يكشف قيام الإدارة الامريكية بالبحث حالياً عن بدائل لحركة “حماس” لحكم قطاع غزة بعد إنتهاء الحرب على إفتراض أنها ستحقق أغراضها الأساسية في القضاء عليها كلياً.
تصريحات بوريل هذه “مقززة” وتعكس موقفاً عنصرياً دموياً يؤيد المجازر الإسرائيلية في القطاع التي أدت حتى الآن الى استشهاد أكثر من تسعة آلاف مدني نصفهم من الأطفال، وبحيث أصبح الجيش الإسرائيلي يحتل المرتبة الأولى على صعيد الخبرة في قتل الأطفال على مستوى العالم بأسره.
مؤسف جداً أن يكرر المستر بوريل أسطوانته المشروخة المتعلقة بحق إسرائيل في الدفاع عن النفس لتشريع مجازرها في القطاع، وهو الحق الذي بات مقترناً بالإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وقصف المستشفيات وتدميرها ومن بداخلها او من إحتمى بها.
نسأل المستر بوريل سؤالاً واضحاً وهو: هل كانت أوروبا تؤمن بحق القوات النازية التي احتلت جيوشها عدداً من الدول الأوروبية في الدفاع عن نفسها وقتل الآلاف من المدنيين كعقاب لحركات المقاومة التي تريد طرد القوات النازية، مثل القوات الفرنسية بقيادة الرئيس الأسبق شارل ديغول.
المستر بوريل الذي عانت قارته من الاحتلال النازي وجرائمه “يحلل” و”يشرعن” قتل الطائرات الإسرائيلية للأطفال والنساء، ويحاول ان يوفر التغطية لهذه المجازر بالحديث في الوقت نفسه بضرورة حماية المدنيين وإيصال المساعدات الإنسانية، هل هناك نفاق وازدواجية في المعايير أكثر من ذلك يا دعاة الديمقراطية والمساواة وقيم حقوق الانسان؟
أما اذا انتقلنا الى التطور الآخر أي بحث الإدارة الأمريكية عن بدائل غير حركة “حماس” لحكم قطاع غزة، فإن هذا إنتهاك للقوانين الدولية، واستيلاء على دور مؤسساتها مثل الأمم المتحدة، وتسرعٌ ينطوي على الكثير من السذاجة وسوء التقدير، والغطرسة في الوقت نفسه.
نشرح أكثر ونقول ان حركة حماس وشركاءها في خوض هذه الحرب المشروعة ضد الاحتلال، ما زالت تحقق إنتصارات كبيرة في الحرب البرية، وتتصدى للقوات الإسرائيلية الغازية بفاعلية مفاجئة، حتى لبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء، ويواف غالانت وزير حربه اللذين اعترفا بوقوع خسائر مؤلمة وفادحة في صفوف قواتهما بعد اقل من يومين من بدء الحرب البرية.
البدائل المطروحة لحكم حماس يمكن ايجازها بثلاثة ظهرت على السطح في الأيام القليلة الماضية وقدمت أوراق إعتمادها للمنصب:
الأول: الرئيس محمود عباس وسلطته في رام الله، التي أبدعت (السلطة) في خدمة الإحتلال وتوظيف 60 ألفاً من قواتها الأمنية لتوفير الأمن والاستقرار والحماية للمستوطنين على مدى 30 عاماً مقابل حفنة من الشيكلات والبقاء في المقاطعة.
الثاني: حركة السيد محمد دحلان وزير الأمن الفلسطيني وعضو اللجنة المركزية السابق التي نشطت سياسياً في الفترة الأخيرة، فالسيد دحلان إبن قطاع غزة، ويحظى بدعم من دولة الإمارات، أبرز حلفاء واشنطن في المنطقة.
الثالث: مجموعة من “الكمبرادور” وفئة رجال أعمال يدّعون الاعتدال، والإيمان بالقيم ونهج الحكم الغربي والأمريكي، ويتزعم هؤلاء الدكتور سلام فياض رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق، المقرب من المؤسسة الامريكية.
الدكتور فياض عاد إلى السطح الفلسطيني قبل أيام بعد عشر سنوات تقريباً، وقدم نفسه كبديل، ليس لحماس فقط، وانما للسلطة الفلسطينية نفسها التي ترأس وزارتها، ونشر مقالا في مجلة “فورن بوليسي” الأمريكية يلخص برنامجه ورؤيته للحكم، عنوانه الأبرز إصلاح السلطة الفلسطينية، ومنظمة التحرير، مثلما إقترح فترة انتقالية لمدة عامين تجري بعدها انتخابات عامة لإنتخاب سلطة جديدة يكون لحركتي حماس والجهاد الإسلامي مكانٌ فيها ومنظمة التحرير بعد تخيلهما عن العمل المقاوم المسلح.
ما لفت نظرنا في مقالة الدكتور فياض، وأفكاره القديمة المتجددة، تبنيه لجميع المطالب الأمريكية المتمثلة في تخلي حركة “حماس” عن الورقة الاستراتيجية الأهم في يدها، أي الاسرى الإسرائيليين، والافراح عنهم دون قيد او شرط؟
ردي على جميع هذه التحركات التي ما زالت تتبنى أفكاراً تضليلية، غربية المنشأ، تريد إعادة القضية الفلسطينية الى مرحلة ما قبل السابع من تشرين أول (أكتوبر)، أي ما قبل الإنتصار الكبير للمقاومة، وحركة “حماس” تحديداً، وبما يودي إلى الحفاظ على “إسرائيل” قوية، وإعادة تعزيز قوتها واحتلالها وإستمرار مجازرها ومخططاتها لتهويد الأقصى المبارك، والأراضي المحتلة، وربما الإنتقال الى مرحلة التهجير الجماعي، ونحن نتحدث هنا تحديداً عن أفكار الدكتور فياض ذات الطبعة الأمريكية.
ربما يفيد تذكير الدكتور فياض انه جيء به الى رئاسة الوزراء، وفرضه على السلطة، لإجراء الإصلاحات وبناء البنى التحتية للدولة الفلسطينية في غضون عامين، وسمعنا الرئيس باراك أوباما يقول لنا انه سيعلن من على منبر الجمعة العامة للأمم المتحدة قيام هذه الدولة رسمياً.
قبل بضعة أيام من كتابة هذا المقال، اتصل بي أحد أبناء أعمامي، وهو سياسي وقائد مسؤول في حركة “فتح”، وقال انه رغم ضخامة أعداد الشهداء، فإن هناك حقيقتين: الأولى: ان أبناء القطاع يرفضون التهجير رفضاً مطلقاً ويفضلون الشهادة في قطاعهم على الإقامة في قصور أمريكا وإسرائيل في سيناء، أما الحقيقة الثانية:
فان الغالبية الساحقة من أبناء القطاع يريدون المقاومة ويدعمونها، ويلتفون حولها، وآمل ان تصل هذه الرسالة لأمريكا وحلفائها العرب، وبدائل “حماس” المقترحة لحكم قطاع غزة.
المصدر: رأي اليوم