عطوان: هل سيتكرّر الهُجوم الغاضِب الذي استهدف سُيّاحًا إسرائيليين في داغستان في عواصمٍ عربيّةٍ مُطبّعةٍ؟ وهل سيرفع مُواطنو هذه الدّول لافتات تقول “لا لقاتِلي الأطفال على أرضنا” قريبًا؟ وكيف ستُسرّع حرب الإبادة والتّطهير العِرقي في غزّة احتِمالات الحرب الدينيّة..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
بقلم/ عبد الباري عطوان:
ما حدث في مطار منطقة داغستان التابعة لروسيا يوم الأحد حيث اقتحم المئات من المُتظاهرين المُسلمين قاعة الاستِقبال رافعين الأعلام الفِلسطينيّة بحثًا عن مُسافرين اسرائيليين، قد يكون أوّل مظاهر الحرب الدينيّة التي بذرَت بُذورها دولة الاحتِلال بدءًا باقتِحام مُستوطنيها المسجد الأقصى وتدنيسه، وانتهاءً بارتكاب جيشها تطهيرًا عرقيًّا، وحرب إبادة في قِطاع غزّة للأسبوعِ الرابع على التّوالي.
مُقتحموا المطار الذين وصلوا إلى مدرجه كانوا يرفعون لافتات مكتوب عليها “لا مكان لقتلة الأطفال على أرض داغستان”، وذهب مُتظاهرون آخرون إلى أبعد من ذلك عندما أقاموا حواجز لتفتيش السيّارات لمُهاجمة الإسرائيليين.
نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي من عربٍ ومُسلمين وأجانب لعبوا دورًا كبيرًا في تحطيم الرّقابة والهيمنة الإسرائيليّة على وسائل الإعلام في الغرب خاصّةً، من خِلال بثّهم فيديوهات حيّة عن ضحايا القصف الجوّي الإسرائيلي الذي أدّى إلى استشهاد أكثر من ثمانية آلاف مُواطن غزّي، بينهم أربعة آلاف طفل، وثلاثة آلاف إمرأة، علاوةً على 20 ألف جريح، وتدمير ما يَقرُب من خمسين ألف عمارة ومنزل، وتشريد أكثر من مِليون إنسان.
في البداية حاولت أدوات الدّعاية الإسرائيليّة والأمريكيّة تزوير الحقائق، وشيطنة كتائب المُقاومة الفِلسطينيّة، وحركة “حماس” على وجه الخُصوص، وتوصيفها بحركة “داعش” أُخرى وأرفقوا عمليّات الشّيطنة هذه بفيديوهات وصُور “مُفبركة”، تُظهر رجال الحركة وهم يقطعون رؤوس الأطفال والرضّع، ومن المُؤسف أن الرئيس الأمريكي جو بايدن شارك في حملة الترويج وتبنّاها، كما وقعت في المِصيدة نفسها محطة “سي إن إن” التلفزيونيّة الأمريكيّة التي تدّعي المهنيّة، واضطرّ الرئيس بايدن للاعتِذار، وفعلت المحطّة الأمريكيّة الشّيء نفسه.
ومن المُفارقة أن حركة حماس شنّت هُجومًا إعلاميًّا ذكيًّا أدّى إلى قلب السّحر على السّاحر، بإفراجها عن أسيرتين مريضتين، أشادَتا في مُؤتمرٍ صحافي بإنسانيّة الحركة، ومُعاملة الحُرّاس الطيّبة لهما، وأكملت هذه الضّربة الإعلاميّة القاضية بإظهار ثلاث أسيرات أُخريات في فيديو يُدين نتنياهو بالفشَل، وهزيمته وجيشه في حرب غزّة، وعدم توفير الحِماية للمُستوطنين في غِلاف غزّة، وطالبت بالإفراج عن جميع الأسرى في سُجون الاحتِلال.
هذه المجازر الجماعيّة الفاشيّة الإسرائيليّة، وخاصّةً فيديوهات قتل الأطفال وتمزيق جُثثهم الطّاهرة بالقصف الجوّي، بدأت تُحدِث تغيّرًا في الرّأي العام في العالم بأسْره، وتُفجّر مُظاهرات صاخبة غاضبة ضدّ دولة الاحتِلال الإسرائيلي الدّموي العُنصري، واقتحم العديد من المُتظاهرين الكونغرس في إدانةٍ لسِياسات إدارة الرئيس بايدن الدّاعمة للاحتِلال الإسرائيلي وحربه ضدّ الأطفال في قِطاع غزّة، وحاصَروا السّفارات الإسرائيليّة في مُعظم العواصِم العالميّة.
الحُكومات العربيّة المُطبّعة التي فتحت مطاراتها للمُستوطنين الإسرائيليين وبالغت في حفاوتها بهم، وشيّدت لهم الكنس، وفتحت لحُكومتهم السّفارات، وسهّلت لهم الصّفقات التجاريّة، ربّما تُواجه الاحتِجاجات نفسها التي انفجرت في داغستان المُسلمة، وربّما أكثر عُنفًا، فمُعظم العمالة الأجنبيّة فيها من المُسلمين، أمّا المُواطنون الأصليّون العرب فيعيشون حالة من الغضب غير مسبوقة وهُم يُشاهدون الطّائرات الحربيّة الأمريكيّة الصّنع تُمزّق أجساد أطفال أشقّائهم في القِطاع المُحاصر والمُجوّع، والمحروم من الماء والكهرباء والغذاء والدواء والنفط لأسابيع.
عندما يتوسّل الكاتب الأمريكي اليهودي توماس فريدمان في عموده الأسبوعي في صحيفة “نيويورك تايمز” إسرائيل ويُناشدها بعدم الضّياع في أنفاق غزة لأنها لن تستطيع الخُروج منها، وستُواجه انهيارًا اقتصاديًّا ومعنويًّا غير مسبوق، فإنّ هذا الموقف من خبيرٍ في شُؤون الشّرق الأوسط، كتب عدّة كُتب عن تجربته كمُراسلٍ فيها، يَرسُم صُورةً قاتمةً لهذا الكيان ومُستقبله، وينعي مسيرة التّطبيع الحاليّة التي أطلقت عليها كتائب القسّام مشكورةً رصاصة الرّحمة.
حرب غزّة التي انتصرت فيها فصائل المُقاومة بدماءِ الشّهداء وأرواحهم تُشكّل “صدمة الصّحوة” للعالمين العربي والإسلامي، بل ولمُعظم شُعوب العالم، وستَدُقّ المِسمار الأخير في نعشِ دولة الاحتِلال، والهيمنة الأمريكيّة على العالم، وستُعيد الأمن والاستِقرار الدّائم إلى مِنطقة الشّرق الأوسط وربّما العالم أيضًا.. والأيّام بيننا.
المصدر: رأي اليوم