عطوان: أمريكا أعطت الضّوء الأخضر للتّطهير العِرقي وحرب الإبادة في القِطاع.. فهل ستَجُرّها إسرائيل إلى الحرب الإقليميّة؟ ولماذا تراجع “اليهودي” بلينكن فجأةً عن خطّته الإسرائيليّة لتهجير أبناء القِطاع؟ وهل بدأت مِصر مُراجعة علاقاتها مع واشنطن وتل أبيب والعودة لدورها القِيادي للمِنطقة..!

5٬900

أبين اليوم – مقالات وتحليلات 

بقلم/ عبد الباري عطوان:

بعد سبعة أيّامٍ من الانتِصار “الإعجازي” الكبير الذي حقّقته فصائل المُقاومة في قِطاع غزّة بتحريرها الخاطِف لمُعظم الجنوب الفِلسطيني، وسيطرتها على أكثر من 35 مُستوطنة، انقلب السّحر على السّاحر، وفشلت دولة الاحتِلال في تحقيقَ أيّ إنجازٍ عسكريٍّ أو سياسيّ، بل مُنيت بمُسَلسَلٍ من الهزائم، وباتت وقِيادتها، تقف على حافّة الانهِيار الكامِل، إن لم يكن في عُمقه.

“إسرائيل” فشلت في تهجير أكثر من مِليونيّ فِلسطيني يُقيمون في القِطاع، وإقامة وطنٍ بديل في سيناء، وآخَر لاحِق في مرحلةٍ قادمةٍ في الأردن، وخرجت حركة “حماس” التي تُريد تدميرها أكثر قُوّةً وصلابةً، وازدادت شعبيّتها، وفشلت مُعظم مُحاولات الشّيطنة لها، وتحشيد العالم ضدّها، وكُل الحملات الإعلاميّة التضليليّة التي جرى توظيفها في هذا الصّدد، وخاصّةً مُحاولة تشبيهها بـ”داعش” من قبل بنيامين نِتنياهو ورهطه (قال سنقضي على حماس مثلما قضينا على داعش)، وترويج أخبار وصُور كاذبة عن إعدامها لأطفالٍ إسرائيليين وقطع رُؤوسهم، وتوريط الرئيس الأمريكي جو بايدن في ترديدها، فجاءت النّتائج كارثيّة على “المصداقيّة” الإعلاميّة الإسرائيليّة رُغم هشاشتها في العالم بأسْرِه.

فعندما يتراجع وزير الخارجيّة الأمريكي أنتوني بلينكن المُتباهي بيهوديّته وصُهيونيّته في ذروة فرحته بانتِصارٍ إسرائيليٍّ وشيكٍ عن تأييده الحماسي لتهجير أبناء القِطاع إلى سيناء، بعد فشل جولته الترويجيّة في عدّة عواصمٍ عربيّة لحشد التّأييد لها، ويُعلن فجأةً أن أمريكا ترفض دعوات التّهجير هذه، ويُكرّر رئيسه بايدن دعوته لإسرائيل باحترامِ قوانين الحرب (متَى التزمت بلاده بها)، فإن هذا يعني أن الهجمة الأمريكيّة الدّاعمة لتل أبيب، والمُدعّمة بحاملة طائرات في طريقها إلى فشلٍ كبير وإعطاء نتائج عكسيّة، وبداية مُسَلسَل الاعتِراف بالهزيمة الكامِلة ونتائجها.

إخلاء غزّة من سُكّانها بالقوّة أبشع أنواع التّطهير العِرقي، المدعوم بحملاتِ إبادةٍ جماعيّةٍ بقصفٍ جوّي وحشي، وبضُوءٍ أخضر من الدّولة الأمريكيّة التي نصّبت نفسها “كعبة” حُقوق الإنسان، وأقدمت على خَوضِ حُروبٍ وتنظيمِ انقلاباتٍ دمويّة، من أجل نشر الديمقراطيّة المزعومة وقيم الليبراليّة في العالم.

دولة الاحتِلال تُريد جرّ واشنطن إلى حربٍ إقليميّةٍ في المِنطقة مع إيران وأذرعها العسكريّة، في وقتٍ تخسر حربها الإقليميّة الأُخرى في أوكرانيا، وتقف على حافّة ثالثة مع الصين في تايوان، الأمر الذي يُجسّد المثَل البريطاني الذي يقول “مع وجود مِثل هؤلاء الأصدقاء من يُريد أعداء”.

حرب المُقاومة في غزّة ستُؤدّي حتمًا إلى تغييرِ مُعادلات القُوّة وقواعد الاشتِباك في مِنطقة الشّرق الأوسط، وستُعيد رسم خريطة المِنطقة جذريًّا رُغم أيّامها القليلة المعدودة، وهي خريطةٌ قد لا يُوجد فيها كيانٌ اسمُهُ إسرائيل في المُستقبل المنظور.

أوّل ملامح التغيير في المِنطقة بفضْلِ النّصر الفِلسطيني، يتمثّل في المُظاهرات المِليونيّة التي عمّت مُعظم العواصم العربيّة، وكانت بمثابة الاستِفتاء ضدّ التطبيع والسّياسات الحُكوميّة الرسميّة للدّول سواءً المُوقّعة لاتّفاق “سلام أبراهام”، أو التي سبقتها من دُول المُواجهة سابقًا، مِثل مِصر والأردن ومنظّمة التحرير.

هذه المُظاهرات المليونيّة تعكس انقلابًا في المزاج العربيّ العام يُعيد المِنطقة وشُعوبها إلى ينابيعها المُقاومة الأولى، مثلما يُعيد دولة الاحتِلال إلى مكانها الأسبَق كعَدُوٍّ للأمّة والعقيدة، ومصدر الحُروب والمجازر وعدم الاستِقرار.

من كان يتصوّر على سبيل المِثال لا الحصر أنّ العِراق الذي خاضت الولايات المتحدة حربًا كُلفتها وحُلفاؤها العرب، مِئات المِليارات لتدجينه، وإعادته للحظيرة الأمريكيّة، يستعيد عُروبته ومكانته كدولةِ مُواجهة لإسرائيل وأمريكا ويتوحّد بكُلّ طوائفه وأعراقه حول دعم المُقاومة الفِلسطينيّة وضدّ حرب الإبادة في قِطاع غزّة؟

ومن يَحلُم بأنّ أكثر من مليونيّ أردني سيتدفّقون باتّجاه الحُدود مع فِلسطين المُحتلّة، ويهتفون بسُقوط الاحتِلال وداعِمته أمريكا الدّولة الأكثر دعمًا ماليًّا للأردن (1.3 مِليار دولار سنويًّا)، وتُقيم 16 قاعدة عسكريّة على أرضه، والشّيء نفسه يُقال بطريقةٍ أو بأُخرى، عن مُظاهرات اليمن والجزائر ولبنان وتونس والمغرب والبحرين والعِراق والقائمة طويلة.

السعوديّة جمّدت التّطبيع وأدانت الجرائم الإسرائيليّة والتّطهير العِرقي الإسرائيلي في قِطاع غزّة، وحملت إسرائيل مسؤوليّة الحرب ونتائجها، ومِصر تصدّت لخطط التّطهير وأغلقت حُدودها، وفتحت مطار العريش لاستِقبال المُساعدات الإنسانيّة لأبناء القِطاع في تَحَدٍّ لأمريكا ودولة الاحتِلال معًا، ورفضت، حسب أحدث الأخبار عشَرات المِليارات من الإدارة الأمريكيّة لحَلّ أزمتها الاقتصاديّة، مُقابل توطين أبناء القِطاع في سيناء، ونأمَل أن تكون هذه المواقف المُبشّرة جديّة، وتجري ترجمتها دعمًا ملموسًا على الأرض.

في البَدء كانت المُقاومة، والشّعب الفِلسطيني بقِيادتها لن يسمح بنكبةٍ ثانية، ويُفضّل الشّهادة على تُراب أرضه على العيش في مُخيّمات اللّجوء مرّةً أُخرى، وصدَقات الأُمم المتحدة، ووكالة غوثها.

مُسَلسَل الهزائم لدولة الاحتِلال يتسارع ويتناسل، والغزو البرّي لقِطاع غزّة إذا بدأ سيطول، وسيكون مُكلفًا جدًّا، فما شاهدناه يوم 7 تشرين الأوّل (أكتوبر) هو قمّة جبل المُقاومة فقط.. والأيّام بيننا.

 

المصدر: رأي اليوم

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com