ما شكل “القوّة” التي سيُجبر بها المجلس العسكري بالنيجر السفير الفرنسي على المُغادرة ولماذا يتشبّث الأخير بسفارته وماذا تقول اتفاقيّة فيينا عن حصانته وهل تكون الواقعة حجّة فرنسا لاحتلال النيجر كما فعلت في “حادثة المروحة” مع الجزائر قبل 196 عام.. “تقرير“..!
أبين اليوم – تقارير
عمان- “رأي اليوم”- خالد الجيوسي:
تُحبَس الأنفاس، ويزداد الترقّب في النيجر، مع اقتراب انتهاء مُهلة المجلس العسكري للسفير الفرنسي سيلفان إيت، الذي طلبت منه السلطات “الانقلابيّة” مُغادرة البلاد فورًا، ولكن الأخير رفض ذلك، ويُفترض أن تنتهي المُهلة مساء الأحد.
ومع إصرار السفير الفرنسي على عدم المُغادرة، تزداد التكهّنات حول الخطوة التي يُمكن أن يلجأ لها المجلس العسكري في النيجر، حيث هدّد الأخير باستخدام القوّة حال لم يُغادر البلاد فورًا.
المتحدث بإسم المجلس العسكري كان حادًّا بلهجته حين خاطب سفير فرنسا، قائلاً: “من أنت حتى ترفض المُغادرة؟”.
وتبدو تهديدات المجلس العسكري جادّة، وحادّة، حيث نوّه المتحدث باسم المجلس العسكري بأن على الشعب أن يكون مُستعدًّا لعدم النوم في الأيّام المُقبلة، ما يشي بأن طرد السفير الفرنسي سيكون له وقعه.
وفي خطوة لافتة، كان المجلس العسكري في النيجر الذي قاد انقلاباً الشهر الماضي، قد أمهل السفير الفرنسي 48 ساعة لمُغادرة نيامي، فيما أساساً ترفض باريس الانقلاب، ما يزيد من حدّة التوتّر، وحتى تسريع التدخّل العسكري الغربي في النيجر.
وتستند باريس في رفضها مُغادرة سفيرها، إلى كون أن الانقلابين كما تقول غير شرعيين، ولا يملكون أهليّة لتقديم طلب كهذا، في المُقابل يُؤكّد المجلس العسكري الحاكم في النيجر، موقفه من طرد السفير الفرنسي لدى انيامي، مشددًا على أن اتفاقيّة فيينا واضحة بشأن حقّه السيادي في إلزام السفير الفرنسي بالمُغادرة.
ولكن تبدو السلطات الانقلابيّة ذات شعبيّة كبيرة، بدليل دعم الشعب لخطوات السّلطات الجديدة، حيث تجمّع آلاف من المُتظاهرين أمام أكبر قاعدة عسكريّة فرنسيّة في النيجر بضواحي العاصمة نيامي، وردّدوا شعارات مُناوئة للوجود الفرنسي، كما طالبوا بطرد السفير الفرنسي، وإنهاء التواجد الفرنسي في بلادهم.
ومن غير المعلوم كيف ستضمن فرنسا سلامة سفيرها الرافض للمُغادرة، حيث أكّد المجلس العسكري بأن سلامة حياة السفير الفرنسي لن تكون مضمونة، حال عدم مُغادرته، فيما نشرت السلطات النيجريّة تعزيزات أمنيّة مُشدّدة بمُحيط السفارة الفرنسيّة في نيامي.
ويرى البعض بأن واقعة رفض السفير الفرنسي مُغادرة النيجر، هي فخ سيكون لإعلان التدخّل العسكري، خاصّةً إذا تعرّضت حياة السفير للخطر.
الصحافة الجزائريّة (الموقف الرسمي الجزائري يرفض التدخّل العسكري ورفض فتح أجوائه للفرنسيين) أعادت من جهتها للأذهان “الذريعة” التي اتخذها الفرنسيون لاحتلال الجزائر، وقصّة “حادثة المروحة”، فقبل 196 عامًا، جاء القنصل الفرنسي إلى قصر الداي حسين، وهناك طالبه الداي بدفع الديون المقدرة بـ20 مليون فرنك فرنسي الخاصة بمساعدة الجزائر لفرنسا، بعدما أعلن حصاراً عليها اعتراضًا على قيام الثورة الفرنسية.
فرد القنصل على الداي بطريقة غير لائقة بمكانة “حاكم الجزائر”، إضافة إلى أنّه صاحب حق فرد الداي حسين بطرده وتلويحه بالمروحة فبعث “شارل العاشر” بجيشه بحجّة استرجاع مكانة فرنسا، فكانت هذه ذريعة لاحتلال الجزائر 130 سنة.
والنيجر الغنيّة بالذهب واليورانيوم، هي إحدى أفقر دول العالم للمُفارقة، وبطبيعة الحال لا تستطيع فرنسا التسليم بحُكم المجلس العسكري، كون الأخير كما يقول يُريد استرجاع خيرات بلاده المنهوبة، وهو ما يُفسّر الحرص الفرنسي على شرعيّة الرئيس محمد بازوم، الذي يراه شعبه مُؤتمرًا بأوامر “الإليزيه”.
ويُطالب المجلس العسكري باريس بعدم التدخّل في سياساته الداخليّة، ويتّهم حُكومة الرئيس المعزول محمد بازوم بأنها تابعة سياسيّاً للإرادة الفرنسيّة التي تُمثّل القوّة الاستعماريّة السّابقة في النيجر.
وبحسب قناة “فرانس 24” التي تتّخذ خطّاً تحريريّاً فيما يبدو ضد المجلس الانقلابي في النيجر وضُيوفها، فإن سعي المجلس العسكري لإغلاق السفارة الفرنسيّة يعود لاعتقاد “الانقلابيين” أن هُناك تدابير من داخل سفارة فرنسا وأن القوات الفرنسيّة قد تقوم بعمليّة عسكريّة أو استخباراتيّة، لذلك يُشدّدون الرقابة عليها والبعثة الدبلوماسيّة، وحتى لقاءاتها وعلاقاتها مع الدبلوماسيين الآخرين هي تحت الرقابة المُشدّدة.
الإعلام الأمريكي هو الآخر، روّج لقرار طرد السفير الفرنسي من النيجر، كونه دلالة على رفض المجلس العسكري لأي حُلول تفاوضيّة.
ويتعزّر موقف النيجر وانقلابها على الرئيس بازوم، بأن التكاتف بينها وبين بوركينافاسو. ومالي، يزيد من قوّة موقفها أمام فرنسا الرافضة للانقلاب، وفي بيان ثلاثي للنيجر ومالي وبوركينا فاسو، قالت نيامي إنها سمحت للقوات المسلحة في باماكو وواغادوغو بالتدخّل على أراضيها في حالة وقوع هُجوم.
وتضاربت الأنباء حول طرد سُفراء دول غربيّة من النيجر، ووثيقة مُتداولة، ولكن انحصر المشهد في نهاية الأمر بالطلب من السفير الفرنسي مُغادرة البلاد، وجاء ذلك وفق المجلس العسكري لرفضه الاستجابة لدعوتها الى إجراء مُقابلة الجمعة، وتصرّفات أخرى من الحكومة الفرنسيّة تتعارض مع مصالح النيجر.
وفي مشهدٍ داعم للمجلس العسكري، امتلأ ملعب سيني كونتشي، الأكبر في النيجر ويتّسع لثلاثين ألف بثُلثيه، ويُخيّم عليه ضوضاء الفوفوزيلا، وهو بوق بلاستيكي طويل، وانتشرت بشكلٍ لافت أعلام النيجر والجزائر وروسيا في المدرّجات.
ووفقاً لما تنص عليه اتفاقيّة فيينا الذي يستند إليها المجلس العسكري في مُطالبته مُغادرة السفير الفرنسي، يجوز للدولة المُضيفة في أيّ وقتٍ ودون ذكر الأسباب أن تبلغ الدولة المرسلة أن رئيس أو أي عضو من فريق بعثتها الدبلوماسي أصبح شخصًا غير مرغوب به، وعلى الدولة المُرسلة استدعاء هذا الشخص في غُضون فترة زمنيّة معقولة، وإلا فقد يخسر حصانته القنصليّة، وهو ما لم تفعله فرنسا مع سفيرها، وهو بحُكم الاتفاقيّة فاقد لحصانته مع رفضه المُغادرة، وبحُكم الضيف غير المرغوب فيه، و”يا ضيفنا لو زُرتنا لوجدّتنا نحن الضيوف وأنت ربّ المنزل”!
المصدر: رأي اليوم