عطوان: شريطٌ عسكريٌّ “ملغومٌ” لحزب الله سيَحرِم الجِنرالات الإسرائيليّين من النّوم؟ وكيف عجز الجيش الذي لا يُقهَر عن اقتِلاعِ خيمةٍ واحدةٍ للمُقاومة في مزارع شبعا؟ وهل كسبت المُقاومة الحرب النفسيّة دُون إطلاقِ صاروخٍ واحد؟ وما هي رسالة السيّد نصر الله لدولة الاحتِلال..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
بقلم/ عبد الباري عطوان
فُوجئت مساء الأحد، وأثناء مُشاركتي على الهواء مُباشرةً في برنامج “بين قوسين” الأسبوعي على قناة “المنار” للحديث عن التوتّرات المُتصاعدة على الحُدود اللبنانيّة مع فِلسطين المُحتلّة، ببث فيديو مُدّته 6 دقائق قبل بدء الحِوار، أعدّه الإعلام الحربي لحزب الله تحت عُنوان “لا غالب لكم” عن مراحل اقتِحام لموقعٍ إسرائيليّ، وتدميره بالكامِل، ورفع راية حزب الله على أنقاضه، وإسقاط علم “فرقة جولاني” الخاصّة التي تُعتبر الأقوى في جيش الاحتِلال.
المُفاجأة كانت سارّة بالنّسبة لي، لأنها جاءت على درجةٍ عاليةٍ من الإتقان والدقّة، وتعكس وجود خطّة جديدة للمُقاومة اللبنانيّة، تُعزّز الرّدع أوّلًا، وتكشف عن خطط المعركة القادمة، وأبرزها الانتِقال من الدّفاع إلى الهُجوم، وارتِفاع منسوب الجاهزيّة، وأخذ زِمام المُبادرة، وعدم انتِظار إقدام العدوّ على إطلاق الرّصاصة الأولى.
ّإنها رسالةٌ صادمةٌ مُوجّهةٌ إلى جِنرالات العدو الإسرائيليّ تقول مُفرداتها المدعومة بالصّور والمحسوبة بعنايةٍ فائقةٍ، بوجود عُقولٍ جبّارة تقود الحرب النفسيّة، وأخرى تملك الخُبرات العسكريّة المُتطوّرة تقول إن الحرب القادمة ستكون فِعلاً وليس ردّ الفِعل، وهدفها ليس إطلاق صواريخ فقط، وإنّما التوغّل البرّي، وتحرير الجليل، وقتل وأسْر أكبر عددٍ من الجُنود الإسرائيليين، وربّما الوصول إلى قلب تل أبيب.
هُجومٌ برّي عبر أنفاقٍ سريّة، مدعوم جوًّا بعشرات، وربّما مِئات الآلاف من الصّواريخ والمُسيّرات، أيّ فوق الأرض وتحتها، في إطارِ حربٍ خاطفةٍ قد تطول، وربّما تكون الأخيرة، فقرار الحرب أو السّلام لم يعد في يد دولة الاحتِلال مثلما كانت عليه الحال في مُعظم الحُروب السّابقة، وإنّما في يدِ حِلف المُقاومة وأذرعه المُتعدّدة، ووحدة ساحاته، وهذه نقلةٌ نوعيّةٌ عسكريّةٌ فريدةٌ ستُرعِب جِنرالات الاحتِلال وقِيادتهم السياسيّة وتَحرِمهُم من النّوم.
اللّافت أن المُقاومة هي التي تتحرّش هذه الأيّام بالعدوّ الإسرائيليّ، وليس العكس، وهو الذي يُطَطِئ الرّأس، ويبلع الإهانات، ويُحجم عن الرّد، ولتأكيد ما نقول نَسرُد المُؤشّرات التالية:
أوّلًا: إقامة “حزب الله” خيمتين في مزارع شبعا، أحدها في الجُزء المُحتل، في تَحَدٍّ سافرٍ للجيش الإسرائيلي على الجهة المُقابلة من الحُدود، ورفض كُل المطالب حتّى من الحُكومة اللبنانيّة لتفكيكهما طلبًا للتّهدئة، وتَجَنُّبًا للتّصعيد، وتنفيذًا لأوامرٍ أمريكيّة.
ثانيًا: إقدام مجموعة من المُجاهدين على اختِراق الحُدود في وضحِ النّهار قُرب بوّابة فاطمة، وتسلّق أبراج المُراقبة الإسرائيليّة، وتفكيك الكاميرات العالية الدقّة المُجهّزة بها، وتحت مرأى ومسمع القوّات الإسرائيليّة التي لا تنام ولا تَغمَض لها عين، ومرّةً أُخرى يُدار الوجه إلى الجهةِ الأُخرى ولا تجرؤ على الرّد.
ثالثًا: قيام مجموعة من الإعلاميين كانوا يزورون المِنطقة باقتِحام الحُدود قُرب مزارع شبعا، وفي استِفزازٍ واضحٍ، ومُتعمّدٍ، للقوّات الإسرائيليّة التي لم تُطلق رصاصةً واحدةً عليهم، واكتَفت بقنابلِ الدّخان فقط على غير عادَتها.
الارتِياح اللّافت للسيّد نصر الله في خِطابه الأخير احتِفالًا بالذّكرى الـ17 للانتِصار في حرب تمّوز (يوليو) المجيدة، كان منبعه الشّعور بالثّقة، والاطمِئنان على جاهزيّة قوّاته، وصلابة حِلف المُقاومة، وتعاظُم فائِض القوّة لديه، والأهم من ذلك ضعف دولة الاحتِلال غير المسبوق، والانقِسامات الداخليّة التي تسودها، وتعاظُم المُقاومة الفِلسطينيّة وعمليّاتها داخِل الضفّة الغربيّة، وفي العُمُق الإسرائيلي، وبُرودة عُلاقاتها مع حُلفائها، وخاصّةً الولايات المتحدة الأمريكيّة التي تُغيّر سُلّم أولويّاتها، بسبب غرقها، ومن ثمّ فشَلها، في الحرب الأوكرانيّة، فالاقتِصاد الإسرائيلي ينكمش، والعُملة المحليّة (الشّيكل) في انهيارٍ مُتسارع، وشركات التّكنولوجيا تهرب بالعشَرات إلى الخارج بحثًا عن الأمان، والاستِثمارات الخارجيّة تتآكل، وطيّارو احتِياط سِلاح الجو الذي يُشكّل العمود الفِقري للمُؤسّسة العسكريّة، ويقف خلف جميع انتِصاراتها، أعلنوا تمرّدهم، وعدم رغبتهم في الخدمة، شكّل سابقةً تُعتَبر الأخطر في تاريخ الاحتِلال، والقادمُ أعظم.
المُقاومة الإسلاميّة اللبنانيّة تكسب الحرب بشقّيها الميدانيّ والعسكريّ، والمعنويّ النفسيّ، ودُون أن تُطلِق صاروخًا واحدًا، وتُعزّز قُدراتها واستِعدادها للمُواجهة الكُبرى، واستِعدادها، ليس لتحرير 11 نُقطة احتلّتها قوّات الاحتِلال في الجانِب الآخَر من الحُدود اللبنانيّة، وإنّما لتحرير الجليل الفِلسطيني المُحتَلّ أيضًا.
القوّات الإسرائيليّة التي تردّ فورًا وبالصّواريخ والغارات الجويّة إذا اخترق عُصفورٌ لبنانيٌّ الحُدود، تقف ذليلةً أمام خيمة المُقاومة “المُتحدّية” في مزارع شبعا المُحتلّة، ولا تُحرّك ساكنًا، لسببٍ بسيط لأنّها تُدرك، وبعد كشف السيّد نصر الله بأنّه أعطى تعليماته لمُقاتليه بالرّد الفوريّ، في حالِ اقتِراب قوّات العدوّ منها، إن هذا الاعتِداء سيكون مُكلفًا جدًّا لها، وقد يكون الصّاعق لتفجير الحرب الإقليميّة المُوسّعة التي تَرتَعِدُ خوفًا من انفِجارها.
نختم هذه المقالة بتوجيهِ سُؤالٍ إلى البعض الكارِه لمحور المُقاومة، وهلكنا بأسئلته عن عدم ردّ محور المُقاومة على الاعتِداءات الإسرائيليّة على سورية، نسأله سُؤالًا مُحَدَّدًا، لماذا لا تردّ “إسرائيل” على هذه الإهانات والاستِفزازات في مزارع شبعا، وبلدة الغجر، وبوّابة فاطمة؟
هذا الشّريط لكتائب الرضوان (نسبةً إلى الشّهيد عماد مغنية) يأتي تحذيرًا للإسرائيليين تقول مُفرداته إنهم سيترحّمون على هزيمة تمّوز عام 2006 بالمُقارنة مع الهزيمة المُتوقّعة في الحرب القادمة، وربّما الوشيكة.. والأيّام بيننا.
المصدر: رأي اليوم