عطوان: نِتنياهو يُريد إنقاذ سُلطة رام الله من الانهِيار.. إنّها من أكبرِ سخريات هذا الزمن.. لماذا نُحذّر “حماس” و”الجهاد” مرّةً أُخرى من المُشاركة في اجتِماع القاهرة منعًا لإجهاض انتِصار جنين التاريخي؟ هل نُذكّركم بخطيئة مُؤتمر بيروت المُماثلة؟ ألَا تتعلّمون..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
بقلم/ عبد الباري عطوان
لو كانت هُنا ذرّة من الحياء في وجه كِبار المسؤولين في السّلطة الفِلسطينيّة، لأعلنوا فورًا حلّها، وتقديم استِقالتهم، وتسليم القِيادة إلى كتائب عرين الأسود والنّمور والفُهود، والعودة إلى بُيوتهم احتجاجًا على العُدوان الإسرائيلي على مخيّم جنين، وبعد طرد ثوّار المخيّم لمُمثّليها، الذين هرَعوا للمُشاركة في جنازات الشّهداء، ولكنّهم لم، ولن يفعلوا، حِفاظًا على امتِيازاتهم، ولأنّهم ما زالوا يعتقدون أنهم في الفاكهاني (مقرّ المُقاومة في لبنان) ويحتلّون العناوين الرئيسيّة بسبب عمليّات مُقاومتهم البُطوليّة ضدّ الاحتِلال الإسرائيلي في ذلك الحين.
فقوّات من السّلطة التي يزيد تِعدادها عن 60 ألفًا، لم تكتفِ بمُواصلة التّنسيق الأمني مع الاحتلِال في ذروة العُدوان، وحماية مُستوطنيه، والوقوف موقف المُتفرّج المُتواطئ، بل أقدمت على اعتِقال العديد من قوّات الأمن الشّرفاء والمُجاهدين من كافّة الكتائب، وخاصّةً “عرين الأسود” وكتائب شُهداء الأقصى (فتحاويّة) والقسّام وسرايا القدس وبعض كوادر الأجهزة الأمنيّة الذين كانوا في طريقهم للدّفاع عن المُخيّم.
المسيرة التي نظّمتها كتائب شُهداء الأقصى في المخيّم بعد هزيمة هُجوم مدرّعات الاحتِلال ومُسيّراته ومروحيّاته والآلاف من قوّاته، وإقدام هذه الكوادر لاحقًا على منع مُمثّلي السّلطة من المُشاركة في تشييع الشّهداء، تؤكّد مدى انهِيارها وشعبيّتها في أوساط الشّعب الفِلسطيني، وتنظيم حركة “فتح” خاصّةً ووصولها إلى ما تحت الحضيض، وتضاعف حجم السّخط ضدّ قِيادة هذه السّلطة من القمّة وحتّى القاع.
الصّفعة القاتلة جاءت عندما أصدر اجتماع المجلس الوزاري الإسرائيلي المُصغّر بزعامة بنيامين نِتنياهو يوم أمس الأحد بيانًا أكّد فيه العمل على عدم انهِيار السّلطة وإنقاذها، وتقديم الأموال اللّازمة، والمُغريات الماديّة السطحيّة الأُخرى مِثل زِيادة عدد بِطاقات VIP، وبعض المشاريع الاقتصاديّة التي تخدم تكريس الاحتِلال وليس تخفيف مُعاناة الشّعب الفِلسطيني، مُقابل العديد من الشّروط المُهينة، وأبرزها العودة للتجسّس على المُقاتلين، واعتِقالهم، بل تصفيتهم إذا لزم الأمر، وتعديل المناهج الدراسيّة، ووقف التّحريض المشروع ضدّ الاحتِلال، وكُل المُلاحقات القضائيّة أمام المحاكم الدوليّة.
السيّد حسين الشيخ الوريث “غير المُتوّج” للرئيس عبّاس في زعامة السّلطة، مهّد لحملة الإنقاذ الإسرائيليّة هذه عندما أعلن أنّ السّلطة على حافّة الإفلاس المالي و(السّياسي) وقال إنها تدرس إعادة مفاتيح السّلطة وإدارة الضفّة إلى نِتنياهو، ولم يُكذّب الأخير (نِتنياهو) خبرًا، وهرع إلى عقد الاجتِماع الطارئ لحُكومته الأمنيّة المُصغّرة، ولا نستبعد أن كُل التّصريحات التي رفضت شُروط حُزمة الإنقاذ هذه كانت قنابل دُخان لإخفاء الموقف الحقيقيّ للسّلطة، وهو الرّضوخ الكامِل للشّروط الإسرائيليّة، مثلما كان عليه الحال في جميع المرّات السّابقة.
نُناشد فصائل المُقاومة التي تملك أجنحةً عسكريّةً فاعلةً تُقاوم الاحتِلال على الأرض، ونَخُصّ حركتيّ حماس والجِهاد والجبهة الشعبيّة، بعدم التّجاوب للضّغوط المِصريّة للقُبول بدعوةِ الرئيس عبّاس، والمُشاركة بالتّالي في اجتِماع أُمناء الفصائل المُقرّر عقده في القاهرة خلال أيّام، لأنّه يأتي لإضفاء “الشرعيّة” على السّلطة، وتكريس قِيادتها، وتمثيلها، وتلميع صُورتها مجددًا، وإعادة تسويقها إلى الشّعب الفِلسطيني، ومُحاولة محو جميع خطاياها، وأبرزها التّنسيق الأمني الذي لم يتوقّف مُطلقًا عن خدمة الاحتِلال، وحماية مُستوطنيه.
قبل عامين تقريبًا، وجّهنا المُناشدة نفسها إلى قادة الفصائل الفِعليّة، وليس الصّوريّة، بعد تلبية دعوةٍ مُماثلةٍ وجّهها الرئيس الفِلسطيني لعقدِ اجتماعٍ مُماثلٍ في آب (أغسطس) عام 2020 في رام الله، وفي بيروت (عبر فيديو كونفرس)، للتصدّي لـ “صفقة القرن” وإفشال مُخطّطات الضّم، وإنجاز المُصالحة، وكان على رأس الحُضور السيّد إسماعيل هنية وزياد النخالة، ولكن لم تجد هذه المُناشدة أيّ استجابة، وصفّق المُشاركون إعجابًا وتثمينًا لخِطاب الرئيس في رام الله، وقراراته وأبرزها تكثيف أعمال المُقاومة وتشكيل قِيادة جماعيّة ومُوحّدة، وإنهاء التّنسيق، وإعادة بناء مُؤسّسات مُنظّمة التّحرير على أرضيّة المُقاومة، ولم يتم تنفيذ أيّ من هذه القرارات وعادت “دار أبو عبّاس” إلى حالها، وبتعاونٍ أكبر مع الاحتِلال.
خِتامًا نقول إن كتائب المُقاومة التي تصدّت للهُجوم الإسرائيلي على مخيّم جنين حقّقت انتِصارًا كبيرًا بصُمودها وإبداعاتها القِتاليّة التي أذهلت العدوّ وأذلّته، وهذا النّصر لا يجب “تنجيسه” باجتماعاتٍ هُنا وهُناك، ومُشاركة شخصيّات باتَ مُعظمها عُنوانًا للتّواطُؤ مع الاحتِلال ضدّ الشّعب الفِلسطيني ومُقاومته، بأعذارٍ مُتعدّدة، وأبرزها حِماية المشروع الفِلسطيني الوهميّ الكاذب، فهذا المشروعُ مشروعُ مُقاومةٍ، وتحرير، وليس التجسّس للمُحتل.
القوّات الإسرائيليّة لم تستطع احتِلال إلّا بعض أجزاء من مخيّم جنين الذي لا تزيد مِساحته عن نِصف كيلومتر مُربّع، ولأقل من 48 ساعة، وانسحبت هاربةً بعد سُقوط أوّل قتيلٍ في صُفوفها، والآن، وبعد تآكُل الرّدع، أمام تعاظُم قوّة المُقاومة الشابّة، يُريد نِتنياهو أن يستنجد بالسّلطة وقوّاتها، للقِيام بهذه المَهمّة القذرة التي فشل في تحقيقها مُقابل حِفنَةٍ من الشّيكلات المسمومة، والمُلوّثة أيضًا، وعلى كتائب المُقاومة أن تتصدّى وبقُوّةٍ لهذه المُؤامرة الخِيانيّة، ووأدِها بأسرعِ وقتٍ مُمكن، ونحنُ على ثقةٍ أن هذه الكتائب المُقاتلة ستقوم بواجِبها الوطنيّ المُشرّف في هذا المِضمار، والزّمن لن يعود إلى الوراء.. والأيّام بيننا.
المصدر: رأي اليوم