تاريخ المطامع السعودية في حضرموت ودور بريطانيا.. “الحلقة الثانية“.. “تقرير“..!
أبين اليوم – تقارير
من كتاب تقسيم اليمن بصمات بريطانية..
للباحث عبدالله بن عامر..
الفصل السادس-فصل حضرموت
احتجاج صنعاء ورفض الأهالي:
الى جانب رفض الأهالي كان هناك عائق أكبر بالنسبة للبريطانيين والسعوديين على حد سواء وهو موقف الإمام يحيى الذي سارع الى الإعتراض فور وصول المعلومات اليه التي تتحدث عن زيارة فيلبي الى حضرموت ونجران ومأرب وشبوة وأكد في 21 أكتوبر 1936م ان تلك الزيارة سببت عدم ارتياح في سائر اليمن وأشار الى ان فيلبي زعم أنه ممثل الحكومة البريطانية وحاول نشر دعاية تؤكد أن مأرب والجوف تحت حماية الملك السعودي (1)..
ولم يكتف الإمام بذلك، بل سارع الى بعث الرسائل الى الملكة البريطانية والى الملك السعودي وفيها تفاصيل كاملة عن اهداف وأسباب رحلة فيلبي من ضمنها معلومات وصلت الى الإمام تفيد بأن فيلبي كان يحرض الناس على ان يكونوا تابعين للسعودية وقد رافقه في تلك الرحلة 25 سعودياً وسرعان ما رد الملك عبدالعزيز على الامام يحيى مؤكداً ان فيلبي ومرافقيه ليسوا إلا مسافرين (2) الأمر الذي دفع الإمام الى التهدئة بعد أن كان يحمل البريطانيين وبن سعود المسؤولية عما يجري (3).
بعد رحلة فيلبي بعامين فقط تقدمت القوات اليمنية الى شبوة وحررتها الأمر الذي دفع بريطانيا الى إنذار الإمام يحيى إلا انه لم يستجب فنشبت المواجهات العسكرية بين الجانبين حتى انسحبت القوات اليمنية في نوفمبر 1938م غير أن الامام لم يقبل بالأمر الواقع فقد احتج على الاحتلال البريطاني لشبوة ما دفع الجانب البريطاني الى وعد الإمام يحيى بالتوصل الى تسوية (4) ولعل اكتشاف النفط بكميات كبيرة في ثمود بيحان وراء تفاقم الخلاف حول شبوة غير أن منطقة شبوة ظلت محل صراع فقد كانت بريطانيا تدعم اتباعها بالسلاح وبدورهم كانوا يدعمون قبائل في مأرب للوقوف ضد الإمام أحمد الذي سبق وان ارسل حملة عسكرية تمكنت من الاستيلاء على السلاح المقدم من البريطانيين (5).
الموقف البريطاني:
لم يكن ليتحرك المستشار فيلبي وهو ضابط في الاستخبارات البريطانية ومعروف لدى القيادة البريطانية دون أن يكون ذلك التحرك بضوء أخضر من بريطانيا غير أن تعدد الجهات المتخصصة في شؤون المنطقة لدى البريطانيين دفع القيادة في عدن إلى الإشارة الى عدم رغبتها في تسليم أي منطقة لأي حكومة أجنبية (6).
وما عزز هذا الموقف هو رفض الأهالي الاستجابة لفيلبي وإضافة الى ذلك فإن أحد أسباب تغير الموقف البريطاني من الصمت وانتظار النتائج الى التحفظ ومن ثم الاعتراض هو موقف الإمام يحيى الذي اتهم بريطانيا والسعودية بالتفاهم حول تقرير مصير مستقبل حضرموت، وعلى ما يبدو ان المقيم السياسي البريطاني شعر بأن تحركات فيلبي لا تخدم السياسة البريطانية فطلب منه مغادرة حضرموت وسحب مجموعته المسلحة السعودية (7).
وهناك من يؤكد أن السياسة البريطانية تغيرت بعد ذلك خاصة بعد أن أصبحت السعودية ضمن النفوذ الأمريكي حيث أرادت أن تبقي على جنوب اليمن كإمارات صغيرة تحت السيطرة البريطانية (8)..
ولعل السبب الرئيسي في إفشال مشروع ضم حضرموت الى السعودية موقف الإمام يحيى فقد ظن البعض أنه قد يتغاضى عن تلك التحركات نظراً لتوقف حرب 1934م مع الأجانب السعودي وتوقيع اتفاقية الطائف ولعل الخطورة لدى القيادة البريطانية تكمن في إتحاد الموقف بين أهالي حضرموت وبين الإمام يحيى مما قد يهيئ الظروف لإشعال ثورة قد تكون نتائجها انضمام حضرموت الى صنعاء او اليمن المستقل بتلك الفترة.
موقف أبناء حضرموت:
تحدث فيلبي عن رحلته الى حضرموت وأكد انه كان يضرب مثلاً بالأمن الذي حققه ابن سعود في نجران بعد ضمها اليه وان اليمن يعيش حالة من الفوضى (9) ويضيف: اليمنيون ليست لديهم رغبة في ان يتسلط عليهم الأجانب فالاختراق الأجنبي بالنسبة لهم مرادف للاستغلال والاجنبي يأتي ليتجسس على ارضهم لصالح من بالخارج ولضمها ان كانت جديرة باهتمامه وكنت انا في نظرهم سوى رسول من بن سعود ليعرض عليهم الامن والسلام ولا يوجد غيره يستطيع ان يحققه لهم.
حديث فيلبي عن الشخصية اليمنية ورفضها للأجنبي يؤكده ما أشار إليه من تفاصيل بشأن لقائه بمشايخ ورؤساء مدينة المكلا منهم قاضي المدينة محمد باجنيد الذي ابدى انزعاجه من دعوة فيلبي لضم حضرموت الى السعودية وأكد أن حضرموت جزء من اليمن (10)..
وعلى ما يبدو ان فيلبي كان متوقعاً أن يسمع بمثل هذا الكلام ولهذا كان مستعداً للرد بالقول ان حضرموت ليست جزء من اليمن واذا قبلنا بذلك فذلك يعني ان فلسطين يهودية واسبانيا عربية وكان من خلال هذا الكلام يحاول الإشارة الى ان اليمن دولة وحضرموت دولة أخرى فيعمل على اثارة نزعة الاستقلال من خلال التركيز على وجود هوية حضرمية..
وحاول فيلبي في رحلته توظيف أية القضية لصالح التدخل السعودي في تلك المناطق فلم ينس الإشارة الى انه لاحظ وجود اسم عبدالعزيز لدى عائلة من الاشراف في مأرب ولاحظ كذلك انتشار إسم فيصل وكأن ذلك دليل على العلاقة بين أبناء تلك المناطق والدول السعودية الأولى والثانية والثالثة (11).
وبشأن حضرموت اتجهت بريطانيا نحو الاهتمام بها أكثر وشهدت الأعوام السابقة والتالية لرحلة فيلبي تحركات بريطانية بهدف اخضاع القبائل الحضرمية وإعادة تقسيمها إضافة الى النشاط المتعلق بدراسة المجتمع الحضرمي بما في ذلك المهاجرين في السعودية والذي كان قد بلغ عددهم وقتها خمسة آلاف معظمهم كانوا يعملون في التجارة (12) وكان لذلك النشاط أهمية كبيرة في بناء الاقتصاد السعودي.
العبر:
كان فيلبي قد مر على منطقة العبر وعرف أهميتها الاستراتيجية وحينها تفجر الموقف بين اليمن بقيادة الإمام يحيى والبريطانيين في عدن والسعوديين كذلك حول تبعية تلك المنطقة فالبريطانيون كانوا اكثر إصراراً على عدم التخلي عن العبر لأسباب على رأسها انها منطقة بترولية (13) إضافة الى ان لها ميزة استراتيجية كمدخل لحضرموت فمنها يمكن للإمام يحيى الوصول بقواته بسهولة الى حضرموت اذا كان يسيطر على العبر وذلك ما دفع البريطانيين الى استحداث ما عرف بخط الفوليت (14).
وعن موقف الإمام يحيى فإن ولينكسون وثق ذلك بالقول أن الإمام في 1935- 1936م وهي مرحلة النزاع على العبر لم يكن خائفاً من ان يواجه القوة بالقوة فقد سبق وان قاوم محاولات احتلال العبر وشبوة من قبل البريطانيين وكان يرفض بشدة الاعتراف بأي حدود وأصر على الحقوق التاريخية والطبيعية لليمن (15).
وفي خمسينيات القرن الماضي بدأ الجانب السعودي يتطلع في الزحف الهادئ نحو مناطق الشرورة والوديعة وصولاً الى العبر وكانت القبائل اليمنية ترصد بعض تلك التحركات منها ما تحدث به الشيخ سنان أبو لحوم مؤكداً أن بعض البدو بحثوا عن إبل ضاله لهم وتفاجأوا بوجود خيام في منطقة الرملة والشرورة الأمر الذي دفع قبائل الجدعان وآل هضبان إلى ابلاغ ولي العهد في تلك الفترة البدر بن الامام احمد (16) وعلى ما يبدو ان تلك الخيام كانت تابعة لشركة أرامكو التي أصبحت بتلك الفترة عملاقاً نفطياً عالمياً وكان لها قوات أمنية خاصة وكان التوسع السعودي بتلك المرحلة يجري عبرها.
إحتلال حضرموت والمهرة:
في 1886م وضعت المهرة وسقطرى تحت الحماية البريطانية (17) أما حضرموت فقد خضعت للحماية قبل ذلك وكانت بريطانيا تستخدم سياسة فرق تسد من أجل تحقيق أهدافها. ففي1881م دعمت بريطانيا امارة القعيطي ضد خصومها الكسادي ونزح الكسادي الى عدن لقاء مبلغ مالي وتولى السلطان الجديد توقيع معاهدة مع البريطانيين والتدخل لحسم الخلافات حول الحدود (18) بين المحميتين.
وبعد تحقيق الاستقلال شهدت حضرموت تحولات عدة حيث كانت تتأثر بالصراع في عدن لاسيما خلال السنوات الأولى للجمهورية وكانت حضرموت محسوبة على التيار الاشتراكي المتشدد لدرجة أنها في احداث الصراع بين تيارات السلطة في عهد الرئيس قحطان أعلنت قطع العلاقات مع عدن “بسبب ان عدن أصبحت تابعة للإمبريالية الامريكية” (19).
ومما يقال أن حضرموت حاولات الانفصال بقيادة فيصل النعيري اثناء ازمة 1968م (20) ويبدو ان ذلك كان بتدخل سعودي ودعم بريطاني حيث بدأت السعودية تعمل على التدخل في الشطر الجنوبي إلا أنها كانت تفشل فلجأت الى من قررت استيعابهم من السلاطين والمشايخ وشكلت لهم قوات وقامت بتسليحها إضافة الى محاولاتها اثارة الصراع في الداخل وذلك في مايو 1968م (21).
وفي مارس 1969م شن السلاطين هجمات من السعودية على الشطر الجنوبي وفي 1972م اشعلت السعودية الحرب بين الشطرين الشمالي والجنوبي وكان ذلك ضمن مخطط اشغال الشطرين بالحرب مقابل التقدم واحتلال حضرموت والمهرة وفصل المحافظتين عن اليمن وهذا ما كان قد أشار اليه اليمن الجنوبي ففي 15 ديسمبر 1972م أعلن اليمن الجنوبي رسمياً عن وجود مؤامرة أمريكية سعودية إيرانية عُمانية وأن من وضع خطتها وكالة المخابرات الأمريكية..
وجاء في تصريح على لسان رئيس الوزراء وزير الدفاع علي ناصر محمد أن هذه المؤامرة تقوم على إحتلال حضرموت والمهرة لتحقيق عدة أهداف منها: قطع خطوط الإمداد على ثوار ظفار وتأمين منافذ بحرية مباشرة للسعودية على بحر العرب ومن ثم الوجود الأمريكي إضافة الى الاحتمالات العالية لوجود النفط في هاتين المحافظتين. (22)
وقد ظلت حضرموت تحافظ على هويتها ضمن الهوية اليمنية الجامعة رافضة الانسلاخ عن الجسد اليمني الواحد وقدمت للبلاد أبرز كوادرها في السياسة والاقتصاد والإدارة والثقافة والعلم ورغم المحاولات منذ عقود في دفع أبناء حضرموت الى اتخاذ مواقف إنفصالية عن اليمن الا ان تلك المحاولات تبوء بالفشل ومما يجدر الإشارة اليه هنا موقف الرئيس علي سالم البيض من الوحدة وأسباب اندفاعه الى خيار الوحدة الاندماجية وليس الفيدرالية حيث تتمثل تلك الأسباب في حضرموت نفسها ولهذا يقول أن أسباب الوحدة ثلاثة
– إنهيار الإتحاد السوفيتي..
– إقتطاع السعودية أجزاء كبيرة من أراضي جنوب اليمن..
– إكتشاف أن حضرموت تقوم على بحيرة نفط.
وكان المسؤول الوحيد الذي يعرف بهذه المعلومة من جهات أجنبية ولو ان المكتب السياسي للإشتراكي عرف بهذه المعلومة لوقف ضد الوحدة (23).
واذا تحدثنا عن المهرة فقد بدأت المحاولات السعودية بالتزامن مع محاولات ضم حضرموت كون احتلال حضرموت سيؤدي حتماً الى احتلال المهرة التي كان لها حضور في الاجندة البريطانية والسعودية ويمكن ان نشير هنا الى مرحلة ما بعد 1990م حيث انتهجت السعودية سياسة تجنيس أبناء المهرة باعداد كبيرة وتقديم امتيازات لهم ودفعهم الى اتخاذ مواقف ضد بلدهم إلا انهم ابلغوا صنعاء وقتها، بل كانوا يلومون السلطة في صنعاء على تقاعسها في الحفاظ على المهرة ومواجهة المخطط السعودي (وثائق عبارة عن تقارير للسلطات الأمنية والمدنية في المهرة 1990- 1991م).
بل إن وطنية أبناء المهرة جعلتهم يناشدون السلطة بصنعاء الى ارسال طواقم تلفزيونية لتصوير المحافظة وتوثيق تراثها حتى يتأكد الجميع انها يمنية في وقت كانت عروض السعوديين لهم مغرية، وهاهم اليوم يجددون مواقفهم الوطنية التاريخية.
الهوامش والمراجع:
1- في البداية حاول فيلبي القول أن مناطق الجوف ومارب مستقلة ذاتياً وعلاقتها واهية مع صنعاء هاري سانت جون فيلبي ترجمة د. يوسف مختار الأمين بنات سبأ رحلة في جنوب الجزيرة العربية ص 463
2- حسن ساتي قصة عبدالله فيلبي من وثائق المخابرات ص 65
3- هاري سانت جون فيلبي ترجمة د. يوسف مختار الأمين بنات سبأ رحلة في جنوب الجزيرة العربية ص 492
4- إيل ماكرو اليمن والغرب ص 128
5- سنان ابولحوم اليمن حقائق ووثائق عشتها ج1 ص 101
6- حسن ساتي قصة عبدالله فيلبي من وثائق المخابرات ص 66
7- هاري سانت جون فيلبي ترجمة د. يوسف مختار الأمين بنات سبأ رحلة في جنوب الجزيرة العربية ص 290
8- جان جاك بيري جزيرة العرب ص 217
9- هاري سانت جون فيلبي ترجمة د. يوسف مختار الأمين بنات سبأ رحلة في جنوب الجزيرة العربية ص 303
10- هاري سانت جون فيلبي ترجمة د. يوسف مختار الأمين بنات سبأ رحلة في جنوب الجزيرة العربية ص 322
11- هاري سانت جون فيلبي ترجمة د. يوسف مختار الأمين بنات سبأ رحلة في جنوب الجزيرة العربية ص 472
12- انجرامز حضرموت تقرير الحالة ص 181
13- ثبت ذلك بعد عدة سنوات ان تلك المنطقة بالفعل جزء مما يسمى بحيرة النفط حسب عدة تقارير منها تقارير أمريكية كشفتها قناة روسيا اليوم الناطقة بالإنجليزية وكذلك الرئيس الأمريكي ترامب اثناء حملته الانتخابية في 2016م
14- ولينكسون حدود الجزيرة العربية الدور البريطاني ص 258
15- المصدر السابق ص277
16- سنان ابولحوم جزء اول ص 80
17- محمد عمر الحبشي اليمن الجنوبي سياسياً واقتصادياً ص 17
18- علي الصراف اليمن الجنوبي الحياة السياسية من الاستقلال الى الوحدة ص 35
19- المصدر السابق ص226
20- فيصل جلول اليمن الثورتان الجمهوريتان الوحدة ص 183
21- علي الصراف اليمن الجنوبي الحياة السياسية من الاستعمار الى الوحدة ص 227
22- عفيفي مشكلات الحدود السياسية في شبه الجزيرة ص 293
23- فيصل جلول اليمن الثورتان الجمهوريتان الوحدة ص 202