بعد فوز أردوغان.. مَنْ له المصلحة في المصالحة ومَنْ يبتدأها.. الغرب أم تركيا..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
بقلم/ السفير الدكتور جواد الهنداوي
أهمية السؤال، موضوع المقال، لا تكمنُ فقط في جوابه، وإنّما في دلالات الجواب، او في عِبَرهِ.
لم تكْ بين الغرب ( امريكا واوروبا )، و تركيا قطيعة في التواصل والعلاقات، وإنّما فتور وخصومة وتصريحات متبادلة غير ودّية، وتبنّي غربي علني لجهود ساعية لفشل اردوغان في الانتخابات.
سعى وأرادَ الغرب خسارة اردوغان ولكنه يسعى ويريد الغرب الفوز بتركيا، ولا يمكنه التفريط مطلقاً بتركيا، ولأسباب سياسية وعسكرية وجغرافية ذات بُعد استراتيجي، ووضوحها يغنينا عن ذكرها او تفصيلها.
تعاملَ الغرب مع أردوغان أكثر من عقديّن من الزمن، و وَجَدَ فيه صفات لا تلائمُ مصالح الغرب، او مبعثُ شك وريبة، و لا تدعو للاطمئنان، فما هذه الصفات؟
عِنادهِ، ورفضه لسياسة الاملاءات؛ ورغبته بمسكه زمام إدارة العلاقات التركية الغربية. شهدنا الخلاف التركي الامريكي والخلاف التركي الاطلسي بشأن تسلّح تركيا بسلاح روسي، وشهدنا خلافات تركية امريكية واوروبية بشأن العلاقات التركية الايرانية والتركية الكرديّة.
ادركَ الغرب، الآن وبعد فوز اردوغان، أنْ لا مفّرَ من التعامل معه وكما هو وبصفاته، اي ستكون العلاقات التركية الاوروبية، وكما يراها ويريدها اردوغان، وليس كما تراها وتُريدها اوروبا (باستثناء الانضمام الى الاتحاد الاوروبي)، وسيتعامل اردوغان مع امريكا كما يرى ويريد اردوغان وليس كما ترى و تُريد امريكا.
مصلحة الغرب السياسيّة مع تركيا ليس العلاقات التركية الاسرائيلية، والتي هي راسخة وثابتة ولا خوف عليها، ولا العلاقة التركية الكردية، والقابلة للمساومة وللتنازل عنها غربياً، ان اقتضت الحاجة، وانما العلاقات التركية الروسيّة والعلاقات التركية الايرانية، هذه هي العلاقات التي تقلق الغرب وتثير مخاوفه.
لذلك بادر الغرب، ومن اوائلهم الرئيس الامريكي والرئيس الفرنسي، بتهنئة الرئيس اردوغان بفوزه، والايحاء ببدء عصر جديد، لعله (واقصد العصر الجديد مع اردوغان) يكون اقل ضرراً لمصالح الغرب في آسيا وفي المنطقة.
معيار علاقة الغرب (امريكا واوروبا) مع العرب هو مصلحة اسرائيل والنفط او الطاقة، بينما معيار علاقة الغرب مع تركيا هو استقلال القرار التركي والتقارب التركي الروسي الايراني، دون اهمال طبعاً الدور التركي في الحلف الاطلسي والموقع السياسي الجغرافي والاقتصادي لتركيا في المنطقة وآسيا.
ما هي العِبرْ والدروس التي نستخلصها من قدرة الغرب على السرعة في الاستدارة من مسار مُضاد للرئيس اردوغان، والمبادرة الى مصالحته؟
الدرس الأول المُستخلص والمعروف هو انَّ المصالح هي التي تتحكم بالمسارات السياسية والعلاقات بين الدول، وتتفاوت الدول فيما بينها في ترجيح المصالح على القيم والمبادئ، وقد تكون امريكا خير مثال على الدول التي ترجّحُ مصالحها ومصالح اسرائيل على المبادئ والقيم والقوانين الدولية.
وللدقّة، عند الحديث عن المبادئ والمصالح في السياسة، ينبغي القول بأن لا تناقض بينهما عندما تكون المبادئ نبيلة والمصالح مشروعة، بعبارة اخرى، يحصل التناقض عندما تكون السياسة بدون مبادئ نبيلة وانسانية والمصالح بدون مشروعية.
الدرس الثاني المُستخلص مِنْ مبادرة الغرب للمصالحة وللتعامل مع الرئيس اردوغان هو حتميّة الحوار والتعامل مع المنتصر، سواء كان الانتصار على الصعيد السياسي، كما هو حال الرئيس اردوغان او كان الانتصار على الصعيد العسكري. لم يتردّد الغرب من مُباركة المنتصر المضي في العمل معه واسقاط كّلَ ما قيل عنه سلباً وسوءاً.
كاتب عراقي
المصدر: رأي اليوم