تنامي الدور الصيني في اليمن.. هل تستطيع أن تلعب دور أكبر وتنهي الحرب.. “تقرير“..!
أبين اليوم – تقارير
تقرير/ يحيى محمد الشرفي:
تنامي الدور الصيني في الشرق الأوسط أصبح أمراً يؤرق الغرب بدرجة رئيسية، فالتطورات في الساحة العالمية خاصة في أوروبا وتنامي الصراع بين الشرق والغرب انسحب أيضاً على منطقتنا العربية بما في ذلك اليمن.
دفع هذا التغير العالمي المتمثل بتسارع انحلال هيمنة القطب الواحد (الغربي)، إلى اتجاه بعض الدول المؤثرة في المنطقة العربية نحو الشرق تدريجياً.
فالظروف التي طرأت على علاقة السعودية بإدارة الرئيس الأمريكي الحالي جوزيف بايدن دفعت إلى إتجاه الرياض للانفتاح أكثر نحو روسيا والصين، خاصة بعد أن رأت السعودية كيف أن الغرب تخلى عن أوكرانيا في الحرب مع روسيا وهو الذي بقيادة واشنطن حرّض الأوكرانيين ضد الروس وأوهمهم بأنه سيقف معهم قلباً وقالباً ضد روسيا حتى وإن تطلب الأمر الانخراط بحرب عسكرية مباشرة، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث بالدرجة التي كان الغرب يوهم الأوكرانيين بها.
تطورات الصراع بين روسيا والغرب في أوكرانيا لم تكن بعيدة العهد عما حدث في أفغانستان التي خرجت منها واشنطن تاركة عملاءها (السلطة السابقة) بدون دعم لتتسلم طالبان السيطرة على البلاد وقد شاهد العالم بأسره مآل عملاء واشنطن الذين تخلت عنهم بين عشية وضحاها.
من هنا بدأت القناعات تتغير بشأن التمسك بأمريكا كحليف، وبالنسبة للسعودية مثلاً كان هناك عوامل مساعدة أخرى عززت من هذه القناعات أبرزها وصول بايدن للبيت الأبيض حاملاً معه الخصومة للنظام السعودي بسبب دوره ودعمه لدونالد ترامب في الانتخابات ضد بايدن، الأمر الذي جعل محمد بن سلمان الذي وصفه بايدن في حملته الانتخابية بأنه مجرم وغير طبيعي، يكنّ الخصومة في حدود معينة ضد بايدن شخصياً وليس ضد أمريكا كمنظومة.
جاءت الحرب شرق أوروبا بين روسيا من جهة والغرب ككل من جهة لتدفع بالسعودية إلى الاتجاه شرقاً، نكاية بالديمقراطيين وبايدن في واشنطن، وانسحب ذلك على الصين أيضاً التي وجدت في اتجاه السعودية نحو روسيا والشرق عموماً فرصة ثمينة لتحقيق وتعزيز حضورها في الشرق الأوسط بدرجة كبيرة مستغلة إلى جانب ما سبق، انشغال الغرب بالصراع مع روسيا.
وحين تم الإعلان عن المصالحة السعودية الإيرانية التي رعتها الصين – سراً – وتم التوقيع على الاتفاق بين السعوديين والإيرانيين في بيجين، كان ذلك بمثابة صدمة كبيرة للغرب ولواشنطن بدرجة رئيسية، لما مثله ذلك من انتصار ساحق تحققه الدبلوماسية الصينية مخترقة بذلك واحدة من أهم المناطق في العالم التي ظلت طوال عقود حكراً على النفوذ والهيمنة الأمريكية.
– لماذا كان ذلك خطراً على الغرب؟
في عالم السياسة والاقتصاد، من المعروف أن الغرب ظل يحتكر السيطرة على موارد الطاقة ويحاول فرض سياساته وهيمنته على هذه الموارد بما يتماشى مع مصالحه هو فقط مع ترك هامش للحلفاء أو الخصوم الذين تأتي منهم هذه الموارد.
ومن المعروف أن أهم مصدرين للطاقة في العالم بأكمله هما: روسيا، والمنطقة العربية؛ بالنسبة لروسيا فقد الغرب هيمنته على إمدادات الطاقة القادمة من روسيا بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، ولم يتبق لدى الغرب الآن من مصدر طاقة خاضعة للسياسات الأمريكية سوى المنطقة العربية، ومن هنا نفهم سبب الرعب الغربي من أي تحرك صيني في هذه المنطقة، إذ لم تخفي الصحافة الأمريكية حقيقة الصدمة التي شعر بها المسؤولون الأمريكيون لحظة وبعد الكشف عن الاتفاق السعودي الإيراني الذي هندست له ورعته الصين، حيث تخشى واشنطن وحلفائها في أوروبا من أن ينعكس الحضور الصيني في الشرق الأوسط على ملف الطاقة والذي يصارع الغرب حتى الآن للإبقاء على احتكاره بما يخدم المصالح الاقتصادية لأمريكا وأوروبا أيما احتكار، لكن مع التطورات الأخيرة بما في ذلك ما حدث في اليمن، يبدو أن ذلك أصبح وشيكاً.
– اليمن حالياً ما علاقتها بكل ما سبق وما الدور الذي تلعبه الصين اليوم؟
الصين بدأت بنسج علاقاتها وتشبيكاتها مع منطقة الشرق الأوسط بما في ذلك مع من يفترض أنهم حلفاء وأدوات واشنطن (على رأسهم السعودية) هذا التشبيك لم يقتصر على الملفات التجارية فقط بل وحتى ملف الاستثمارات في مجال الطاقة وهو ملف لطالما ظل بالنسبة للغرب خط أحمر على أي قوة دولية أخرى.
وبالنسبة لليمن، فبالرغم من استمرار حالة عدم الاستقرار إلا أنه – كما تبين مؤخراً – فإن ملف اليمن موجود في الأجندة الصينية ولا يبدو أن الأمر سيقتصر فقط على ملف الاستثمار في مجال الطاقة.
– التعامل بذكاء مع اليمن:
من بعد رعاية بيجين للمصالحة السعودية الإيرانية، تحولت الصين إلى لاعب محوري في الشرق الأوسط، وبالنسبة لليمن تعمل بيجين على تأسيس حضورها في مجال استثمارات الطاقة، واللافت في الأمر أن الصين تضع في اعتبارها خصوصية الوضع في اليمن خلافاً لبقية دول المنطقة وهنا برز الذكاء الصيني في فهم كيفية التعامل مع هذا البلد المنقسمة جغرافيته بين سيطرة حكومة يمنية تدير أغلب المناطق السكانية من العاصمة صنعاء وسيطرة حكومة شبه منفية تخضع لتحالف أجنبي بقيادة السعودية والإمارات ومن خلفهما الولايات المتحدة وبريطانيا.
إذ ذهبت الصين للتعامل مع الطرفين بشكل رسمي، حيث أرسلت مسؤوليها وممثلي شركاتها العاملة بمجال الطاقة للقاء مسؤولي حكومتي عدن وصنعاء للتوقيع على مذكرتي تفاهم بين الحكومة الصينية وشركة سنوبيك من جهة ووزير النفط بالحكومة الموالية للتحالف في عدن سعيد الشماسي، ووفداً رسمياً آخر إلى صنعاء لتوقيع مذكرة تفاهم بين الحكومة الصينية وممثلين عن شركة أنتون أويل من جهة ووزارة النفط بحكومة صنعاء من جهة وذلك للاستثمار في مجال الاستكشافات النفطية وإنتاج الطاقة.
– الدور الصيني في اليمن إلى أين؟:
وتتعاطى الصين بحذر شديد مع ملف الحرب في اليمن، إذ أن الشواهد تؤكد أن الصين ترفض التدخل في الملف السياسي اليمني بما يجعلها محسوبة على طرف من أطراف الصراع ضد الآخر كما هو حال أمريكا وبريطانيا، ولهذا كان من الطبيعي أن تذهب لتوقيع اتفاقيتين مع صنعاء من جهة والحكومة الموالية للتحالف السعودي في عدن من جهة أخرى.
مع ذلك، يرى مراقبون إن الصين وكما لعبت دوراً محورياً في الاتفاق بين السعودية وإيران، فإنه ولضمان إستمرار حضور الصين في المنطقة باستثمارات وعلاقات ندية مرضية للجميع، فإنها يجب أن تضمن ألا تحدث أي تطورات تعكر صفو حالة الاستقرار النسبي في المنطقة، ولعل أبرز الملفات التي لا تزال ساخنة ومتأرجحة، ملف الحرب على اليمن، وهنا يرى مراقبون إن الصين قد تلعب دوراً كبيراً في تحقيق مصالحة بين اليمن والسعودية لوقف الحرب التي تشنها الأخيرة على البلد الأفقر في المنطقة.
لكن ما قد يحول دون تحقيق الصين حضوراً في ملف الأزمة اليمنية بما يدفع نحو اتفاق نهائي لوقف الحرب كما فعلت في ملف الخصومة بين الرياض وطهران، هو الحضور الأمريكي والبريطاني والفرنسي القوي والكبير في اليمن خاصة تغلغل هذه الدول في منظومة السلطة الموالية للتحالف السعودي الإماراتي، وما يعقد الأمر أكثر على الصين هو التمسك الشديد من قبل هذه الدول باستمرار نفوذها في اليمن خاصة في مجال استغلال الطاقة عبر تكرار الاتفاقيات غير المشروعة بين اليمن وشركات هذه الدول العاملة في مجال الطاقة مثل توتال وبريتش بتروليوم وغيرها..
والتي ظلت طوال العقود الماضية تستغل الثروة النفطية والغازية اليمنية لتحقيق أكبر قدر من النهب المنظم لهذه الثروة في ظل وجود سلطة محلية متواطئة مع هذا النهب مقابل عمولات ضئيلة – مقارنة بما نُهب – تذهب لحسابات مسؤولي الأنظمة اليمنية السابقة، ولعل الغضب الشديد الذي أبداه الغرب ضد حكومة صنعاء بعد قرارها وقف استمرار نهب الثروة النفطية اليمنية في سبتمبر العام الماضي دليل على أن هذه الدول اعتبرت هذا الإجراء ضربة لما كانت تحققه من مصالح غير مشروعة في اليمن.
المصدر: المساء برس