كيف غيّرت صواريخ “الكورنت” التي كشَف السيّد نصر الله أسرار وصولها إلى قِطاع غزّة قواعد الاشتِباك في الصّراع العربي الإسرائيلي..!

212

بقلم/ عبدالباري عطوان

المُناورة العسكريّة “الدفاعيّة” الفريدة من نوعها التي أجرتها مجموعة من فصائل المُقاومة الفِلسطينيّة في قِطاع غزّة هي الرّسالة الأقوى، ليس لدولة الإحتلال الإسرائيلي فقط، وإنّما أيضًا للرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن.

فإذا كانت السّلطة في رام الله تُراهِن على بايدن، وتأمَل أن يكون الحل للقضيّة الفِلسطينيّة على يديه لتبرير خُنوعها وتنسيقها الأمني، فإنّها تُواصِل ارتِكاب الخطايا نفسها، ولا تتعلّم من دُروس خيبتها التي استمرّت على مدى 27 عامًا من المُفاوضات المُهينة والمُذلّة..

ولم يَجنِ الشّعب الفِلسطيني منها غير تراجع قضيّته إلى أدنى سُلّم الاهتمامات العربيّة والعالميّة، وضياع هيبته، ومُعظم أراضيه، وتقديم المُبرّر، والضّوء الأخضر، لاتّفاقات التّطبيع العربيّة المُتسارعة.

صاحب الحق لا يتَسوّل الحُلول، ولا يُراهِن على المُفاوضات، ولا ينظر إلى موازين القوى ورجحانها لصالح المُحتل، بل يُراهن على إرادته، وصُموده، وتَضحِياتِه وقُدراته الذاتيّة القادرة على هزيمة الاحتِلال تمامًا مثلما فعلت جميع الشّعوب التي تحرّرت من الاستِعمار، والتّحالف من الشّرفاء الذين يُؤمنون بقضيّته وعدالتها، ويَقِفُون في خندقه، ويُقدّمون له كُل الدّعم العسكريّ قبل المادّي.

ما كشفه السيّد حسن نصرالله، أمين عام حزب الله”، في لقائه الأخير مع قناة “الميادين” من أنّ اللواء قاسم سليماني، “شهيد القدس” مثلما وصفه السيّد إسماعيل هنية رئيس حركة “حماس، هو الذي كان وراء إيصال صواريخ “الكورنت” الروسيّة الصّنع إلى قِطاع غزّة، وأنّ القِيادة السوريّة التي دفعت ثمن هذه الصّواريخ من ميزانيّتها لم تُعارض مُطلقًا وصولها إلى المُقاومة في القِطاع..

وتسامت على خِلافاتها، هذا الكشف كان يجب أن يأتي أوّلًا من فصائل المُقاومة، مرفوقًا بالعُرفان بالجميل، لحزب الله الذي كانت مخازنه هي المَصدر، ولسوريا التي غامرت بعُلاقاتها مع روسيا دولة المَنشأ، وللحاجّ سليماني الذي كان صاحب المُبادرة.

الشّعب الفِلسطيني في غالبيّته السّاحقة لم يَكُن طائفيًّا، وفي فِلسطين لا يُمكِن التّفريق بين المُقاتل الفِلسطيني المُسلم ونظيره المَسيحي، حيث تتعانق دِماء الشّهداء في ميادين المُواجهة، وما نَستغرِبه هذه الأيّام ونُدينه بُروز توجّهات طائفيّة لدى البعض في قِطاع غزّة، ضدّ إيران ومحور المُقاومة الذي كان مَصدر جميع هذه الصّواريخ والطّائرات المُسيّرة التي غيّرت موازين القِوى، وحقّقت حائِط الرّدع الاستراتيجي مع دولة الاحتِلال.

القضيّة الفِلسطينيّة كانت دائمًا، وستظَل، عابرةً للطّوائف، وكُل التوجّهات العُنصريّة، ولهذا كانت قِبلَة الشّرفاء من مُختلف أنحاء العالم، واستشهد على أرضها وفي معاركها ضدّ الاحتِلال اليابانيّون والأمريكيّون والإيرلنديّون والعرب والمُسلمون من مُختلف الطّوائف، والأشقّاء الشّيعة على وجه الخُصوص، الذين احتضنوا جنبًا إلى جنبٍ مع أهلنا السنّة والمسيحيين الآخَرين المُقاومة الفِلسطينيّة في لبنان، وانخَرطوا في صُفوفها بالآلاف.

صواريخ “الكورنت” التي جاءت إلى غزّة من مخازن “حزب الله” في جنوب لبنان هي التي أذلّت دبّابة “الميركافا” فخر الصّناعة الإسرائيليّة، وهي التي منعت قوّات جيش الاحتِلال الإسرائيلي من اقتِحام حُدود القِطاع، كما أنّ تكنولوجيا الصّواريخ والطّائرات المُسيّرة القادمة من إيران هي التي شلّت الحياة في “إسرائيل” ودفعت الملايين من الإسرائيليين للّجوء إلى المَلاجِئ طلبًا للسّلامة.

حُروب الجيش الإسرائيلي على قِطاع غزّة لم تَدُم إلا بضعة أيّام في الجولات الأخيرة، بسبب هذه الصّواريخ التي تزداد دقّةً في إصابة أهدافها، وتفشل القبب الحديديّة في اعتِراضها، وهرولة بنيامين نِتنياهو إلى القاهرة طالبًا وِساطَتها للتوصّل إلى وقفٍ لإطلاق الصّواريخ وليس النّار فقط تَجَنُّبًا للخسائر.

الحُكومات العربيّة، أو مُعظمها على وجهٍ أدقّ، ظلّت وما زالت، تُشارك في حِصار قِطاع غزّة وتَجويع أبنائه بالتّواطؤ مع دولة الاحتِلال، والأكثر من ذلك شنّت حملات إلكترونيّة شَرِسَة لتشويه صُورة الشّعب الفِلسطيني وتاريخه النّضالي، واتّهامه ببيع أرضه تنفيذًا لمُخطّطٍ أمريكيّ إسرائيليّ جرى إعداده بعنايةٍ استخباريّةٍ فائقة، انتهى باتّفاقات التّطبيع الحاليّة.

مَرّةً أُخرى نُحَذِّر من هذه النّزعات الطائفيّة التي بدأت تتسلّل إلى بعض فِئات الشّعب الفِلسطيني في الضفّة والقِطاع، وتَنعكِس على شكل مُمارسات هجينة على شعبنا الفِلسطيني وقضيّته، فمكان فِلسطين هو خندق محور المُقاومة، والشّرفاء الذين يَقِفون فيه، ويُواجهون الغارات والقصف والمُقاطعة والحِصار، هؤلاء الذين اختاروا الصّمود في وجه أمريكا ودولة الاحتِلال الإسرائيلي وكم كانَ سَهلًا عليهم أنْ يرفَعوا الرّايات البيضاء ويَقِفون في طوابير المُطبّعين العرب الجُدد طالبين الصّفح والغُفران.

مُجاهَرة حركتيّ “حماس” والجهاد والإسلامي وباقي الفصائل بعُرفان الجميل لإيران وحزب الله وسورية، والانقِلاب الكبير الذي أحدثه وصول صواريخ “الكورنت” إلى القِطاع خطوة تَعكِس أصالة الشّعب الفِلسطيني وقيمه الأخلاقيّة، وتستحقّ الشُّكر.. فمَن لا يَشكُر النّاس لا يَشكُر الله.

حالة الهوان التي يعيش في ظلّها الشّعب الفِلسطيني بسبب الحِصارات الإسرائيليّة والأمريكيّة والعربيّة لن تستمر بإذن الله وصُمود المُقاومة، والمُناورات الدفاعيّة المُشتَركة في قِطاع غزّة التي تزيّنت بصواريخٍ باليستيّة وطائرات مُسيّرة هي مُقدّمة لعمليّة التّغيير وعلى أرضيّة مُقاومة الاحتِلال في العامِ الجديد.. والأيّام بيننا.

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com