عطوان: هل ستستضيف أبو ظبي اللّقاء السياسيّ الثلاثيّ الأوّل الذي سيُمهّد لقمّة الأسد أردوغان ويَطوِي الفصل الأخير من فُصولِ “الربيع العربي”؟ وهل ستُؤرّخ “لتبريد” اتّفاقات “سلام أبراهام” بعد “المُتغيّرات” العربيّة والدوليّة؟ وهل ستكون المُعارضة السوريّة السياسيّة والمُسلّحة “كبْشَ الفِداء” وكيف..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
بقلم/ عبد الباري عطوان
أكّد الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان أمس الخميس عقد اجتماع ثُلاثي “وشيك” لوزراء خارجيّة بلاده وسوريا وروسيا لأوّل مرّة “من أجلِ تعزيز التّواصل” بعد المُحادثات التي انعقدت في موسكو بين وزراء دفاع الدّول وقادة الأجهزة الأمنيّة في الدّول الثلاث الأُسبوع الماضي.
الرئيس أردوغان لم يكشف عن موعدِ أو مكان انعِقاد مُؤتمر وزراء الخارجيّة المذكور آنفًا، لكنّ زيارة الشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجيّة الإماراتي المُفاجئة إلى دِمشق ولقاءه مع الرئيس السوري بشار الأسد أمس رجّحت استِضافة أبو ظبي لهذا اللّقاء في الأيّام القليلة المُقبلة، وما يُعزّز هذا الافتِراض أن السيّد مولود جاويش أوغلو أجرى مساء الثلاثاء اتّصالًا هاتفيًّا مع نظيره الإماراتي قبل توجّه الأخير إلى العاصمة السوريّة، ربّما أبدى فيه مُوافقته على انعِقاد هذا اللقاء الثلاثي في العاصمة الإماراتيّة التي تربطها علاقات قويّة بالدّول الثلاث.
دولة الإمارات مهّدت لهذا اللّقاء عندما أدانت، وطالبت مع الصين، بنيامين نِتنياهو بالالتِزام بتعهّداته بالحِفاظ على الوضع القائم في الأماكن المُقدّسة بعد اقتِحام الوزير إيتمار بن غفير باحات المسجد الأقصى، وطالب الجانبان الإماراتي والصيني بعقدِ جلسةٍ علنيّةٍ رسميّةٍ لمجلس الأمن الدولي لمُناقشة هذا الاقتِحام وإدانته.
من الواضح أن دولة الإمارات باتت تَشعُر بأنّ اتّفاق التّطبيع “سلام أبراهام” مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي لم يُؤدّ إلى توقّف الانتِهاكات والاعتِداءات الإسرائيليّة، ولم يُحقّق طلباتها في الحُصول على أسلحةٍ أمريكيّةٍ مُتطوّرةٍ خاصّةً طائرات “إف 35” الأمريكيّة، بل أعطى نتائج عكسيّة تمامًا، خاصّةً أن 88٪ من مُواطني دولة الإمارات وحسب استِطلاع رأي أمريكي يُعارضون هذا التّطبيع ويرفضونه بشدّة، وانخِفاض عدد الزوّار الإماراتيين لدولة الاحتِلال إلى أقل من 1500 زائِر طِوال العام الماضي، ولا نستغرب بعض التّسريبات الإخباريّة غير المُؤكّدة التي تحدّثت عن رفض الشيخ محمد بن زايد تلقّي مُكالمة هاتفيّة من نِتنياهو قبل يومين، وتأجيل، وربّما إلغاء، زيارة الأخير للإمارات، وهذا ما نتَمنّاه، والمَلايين مِثلنا.
الرئيس أردوغان يستعجل انعِقاد هذا اللقاء الثلاثي لوزراء الخارجيّة، مثلما اتّضح بعد اتّصاله أمس الخميس مع نظيره الروسي بوتين، لأنّه يُدرك جيّدًا أن هذا اللّقاء سيكون تمهيدًا للِقاء القمّة المُنتَظر بينه وبين الرئيس السوري بشار الأسد في موسكو لإحياء “اتّفاق أضنة” عام 1998 الذي يحمي البلدين من أيّ أعمالٍ إرهابيّةٍ، حيث أشار في هذه المُكالمة “على ضرورة اتّخاذ خطوات ملموسة لتطهير المناطق الحُدوديّة السوريّة وفي مُقدّمتها منبج وتل رفعت، من وحدات حِماية الشعب الكُرديّة، والعودة الآمنة للّاجئين السوريين طَوعًا إلى مُدُنهم وقُراهم”.
الرئيس أردوغان أدرك أن البوّابة الوحيدة التي يُمكن أن تُبقيه وحِزبه في الحُكم لولايةٍ أخيرة، والفوز في الانتِخابات المُقبلة، هي البوّابة السوريّة، واللّقاء مع نظيره السوري بشار الأسد، وفي إطارِ تأييدٍ روسيّ إيرانيّ في هذا المِضمار، لأنّ تفجيرًا واحِدًا على غِرار ذلك الذي حدث في ميدان تقسيم في قلب إسطنبول قبل شهرين، وعدم إيجاد حُلول لمُشكلة اللّاجئين السوريين (3.6 مليون) التي باتت من أقوى الأوراق التي تستخدمها المُعارضة بنجاحٍ ضدّه في حمَلاتها الانتخابيّة، كُلّها كفيلة بإسقاط حزبه الحاكم، وفتْح ملفّات الفساد التي تطال بعض أفراد عائلته والمُقرّبين منه.
لا نعتقد أن الرئيس التركي يُقيم وَزْنًا لحُلفائه في المُعارضة السوريّة الذين دعم مشروعهم الأمريكي لإسقاط النظام السوري على مدى السّنوات العشْر الماضية، ولعلّ المُظاهرات التي نظّمتها بعض فصائل المُعارضة ضدّ تقاربه مع الرئيس الأسد، ووصف أبو محمد الجولاني قائد تنظيم “أحرار الشّام” اللّقاء الثّلاثي على مُستوى وزراء الدّفاع الذي انعقد في موسكو بأنّه “انحِرافٌ خطير” هذه الاحتِجاجات لن تُؤثّر بموقفه، وتُؤدّي إلى تراجعه بل قد تُعطي نتائج عكسيّة، وتزيد من غضبه (أيّ أردوغان)، وهو الذي حرص أكثر من مَرّةٍ على القول إن المصالح التركيّة هي التي تُحَدّد مسار سِياسات حُكومته ومواقفها.
الرئيس أردوغان أعاد علاقاته مع المملكة العربيّة السعوديّة، وسلّمها مِلف اغتِيال الصحافي جمال خاشقجي، واستقبل الأمير محمد بن سلمان في أنقرة وفرش له السجّاد الأحمر، وعانَقَ الرئيس المِصري عبد الفتاح السيسي أثناء لقائهما على هامِش مونديال الدوحة، وأغلق جميع محطّات تلفزة المُعارضة المِصريّة في إسطنبول وشرّد صحافييها، وأعاد العُلاقات مع دولة الإمارات العربيّة المتحدة، وأبْعَدَ الكثير من قِيادات “حماس”، ولَجَمَ أنشطة الحركة تَجَنُّبًا لإغضاب دولة الاحتِلال الإسرائيلي، ولذلك لن يكون مُفاجِئًا أو مُسْتَغْرَبًا بالنّسبة إلينا ولغيرنا إذا ما ضحّى بالمُعارضة السوريّة، سِياسيّةً كانت أو مُسلّحةً، وإجبار اللّاجئين السوريين بالعودة إلى بلادهم في أسرعِ وقتٍ مُمكن بكُلّ الطّرق والوسائل للبقاء في السّلطة، وهذا طُموحُ جميع السّياسيين من أمثاله.
لا نعرف ما إذا كانت استِضافة دولة الإمارات للقاء الثّلاثي المذكور في عاصِمتها في حالِ تأكّده هو بداية حركة دبلوماسيّة جديدة تقودها في المِنطقة، وإدانتها للاقتِحام الإسرائيلي للمسجد الأقصى، وتبنّيها لخطوة انعِقاد مجلس الأمن الدّولي لمُناقشة هذا الانتِهاك الخطير بالتّعاون مع الصين، هو بداية تراجع تدريجي عن إثمِ اتّفاق التّطبيع مع دولة الاحتِلال؟ ولكن ما نعرفه أن انفِتاحها المُتسارع على سوريا وتركيا إقليميًّا، وروسيا والصين دوليًّا، هو خطوة محسوبة بعنايةٍ، تتماشى مع المُتغيّرات الإقليميّة والدوليّة، السّائدة حاليًّا، وتُؤشّر إلى صُعود نظام عالمي جديد مُتعدّد الأقطاب برئاسةٍ ثُنائيّة روسيّة صينيّة، وعودة القضيّة الفِلسطينيّة إلى ينابيعها القتاليّة الأُولى، وتآكُل التفوّق العسكري الإسرائيلي بفِعل تعاظم قُوّة محور المُقاومة وصواريخه ومُسيّراته، وانهِيار اتّفاقات أوسلو التي كانت السُّلَّم والذّريعة لكُل اتّفاقات “سلام أبراهام”، المفروضة أمريكيًّا والمرفوضة شعبيًّا.
اللّقاءات الثلاثيّة السوريّة التركيّة الروسيّة سواءً كانت على مُستوى وزراء الخارجيّة أو الدّفاع التي قد تُتوّج بقمّة ثُلاثيّة على مُستوى الرّؤساء في غُضون أسابيع ستُؤرّخ لنهاية مرحلة وبداية أُخرى في المشرق العربي، وعودة قويّة لسوريا ومِحورها، وبداية إزالة كُل مظاهر المُؤامرة والعُدوان عليها، وأوّل فصل في هذه البِداية هو استِعادة سِيادتها على جميع أراضيها، وعودة لاجئيها مُكرّمين مُعزّزين إلى رُبوعِ وطنهم، وانطِلاق عمليّة إعادة الإعمار، وإنهاء آخِر فُصول المُؤامرة الأمريكيّة.
سوريا عائدة لدورها القياديّ في المِنطقة، والقضيّة الفِلسطينيّة تستعيد زخمها بفضلِ مُقاومةٍ شبابيّةٍ مُستقلّةٍ ذاتيّة الاعتِماد، والكيان الإسرائيلي في هُبوطٍ مُتسارعٍ إلى الانهِيار.. والأيّام بيننا.
المصدر: رأي اليوم