عطوان: في ظِل تهديدات نِتنياهو الفاشيّة: كلمةٌ صريحةٌ إلى الدّولة العميقة الأردنيّة.. المُواجهة قادمة حتمًا.. فاستعدّوا لها..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
بقلم/ عبد الباري عطوان
مع بدء العام الميلادي الجديد يقف الأردن على أعتابِ تهديداتٍ “وجوديّةٍ” خطيرةٍ جدًّا، فعلى الصّعيد الداخلي تتفاقم مُعدّلات التذمّر الشّعبي، مصحوبة باحتجاجات في الأطراف، ومُرشّحة للانتِقال إلى المركز في أيّ وقت، بسبب ارتفاع مُتسارع لغلاء المعيشة، ومُعدّلات البِطالة بين الشباب، وغياب الإصلاحات الجديّة، واتّساع دائرة الفساد، وفُقدان الثّقة بالعمليّة السياسيّة ومُؤسّساتها، واقتِراب الدّين العام من حاجِز الخمسين مِليار دولار، مع تراجع المُساعدات الخليجيّة إلى حُدودها الدّنيا، إن لم تكن شِبه مَعدومة.
أمّا على الصّعيد الخارجيّ فإنّ دور الأردن يتراجع، عربيًّا وإقليميًّا، بعد أن همّشته، وتجاوزته، اتّفاقات “سلام أبراهام”، وانهِيار حلّ الدّولتين، وتفاقم حالة الاحتِقان في الضفّة الغربيّة، وتزايد أعمال المُقاومة من قِبَل حركات شبابيّة مِثل “عرين الأسود” و”كتائب جنين” و”كتائب بلاطة”، وإعادة إحياء كتائب شُهداء الأقصى الفتحاويّة بصُورةٍ أكثر فاعليّة وتنظيميّة من أيّ وَقتٍ مضى، وهذه الظّاهرة الجديدة، في الجانب الغربيّ من نهر الأردن، بدأت تنعكس “تثويرًا” وتضامنًا، وتعاطفًا من الجانب الشّرقيّ منه، في ظِلّ تلاحمٍ غير مسبوق بين المُكوّنين الشّرق أردني والفِلسطيني على أرضيّة المُقاومة الحتميّة للاحتِلال، وفُقدان الأمل بالحُلول السلميّة، وفُرص التّعايش مع دولة الاحتِلال، واتّضاح تفاصيل المُؤامرة الأمريكيّة الإسرائيليّة لتفتيت الأُمّة وأراضيها، وبصُورةٍ أبشع من اتّفاقات سايكس بيكو.
العاهل الأردني عبد الله الثاني، وفي حديثه “المُرتّب” مع محطّة الـ سي إن إن” عكس حالةً من القلق من جرّاء عودة بنيامين نِتنياهو للمرّة السّادسة إلى السّلطة على رأس ائتلافٍ حُكوميٍّ مُتطرّف في فاشيّته وعُنصريّته، من أبرز أولويّاته التوسّع الاستِيطاني، وتسْفير (طرد) مُعظم مُواطني الضفّة الغربيّة إلى الأردن، بعد إعلان ضمّها دون إعلان تدريجيًّا، والتوغّل في قتْل العرب بتَكوينِ ميليشياتٍ مُسلّحةٍ من المُستوطنين (800 الف مُستوطن في الضفّة الغربيّة والقدس المُحتلّة).
حُكومة نِتنياهو لن تعترف بالوصاية الهاشميّة على الأماكن المُقدّسة، مسيحيّةً كانت أو إسلاميّة، وستُطلق رصاصة الرّحمة على السّلطة الفِلسطينيّة، وكُلّ أشكال التّعاون معها بِما في ذلك التّنسيق الأمنيّ، ومُحاولة توسيع دائرة التّطبيع بحيث تشمل حُكومات عربيّة جديدة لأنّها تكره العرب، ولا تُريديهم، حتّى العُملاء منهم.
الملك عبد الله الثاني، أعرب في هذه المُقابلة عن استِعداد بلاده “للمُواجهة” العسكريّة مع الاحتِلال الإسرائيلي إذا أرادها، وحاول استِفزاز الأردن وإلحاق الضّرر بأمنِه، واستِقراره، ومصالحه، ووصايته الهاشميّة، ولكنّه لم يُهيّئ الرّأي العام الأردني ويُشرِكْهُ في هذه المُواجهة حتّى الآن، وكانت رسالته تحذيريّةً لدولة الاحتِلال، وتنطوي على حِرصٍ على مصالحها، وأمْنها، واستِقرارها.
الأردن قَويٌّ جدًّا، ويجب أن لا يخاف من حُكومة نِتنياهو، بل يجب أن يحدث العكس، أيّ أن يخاف نِتنياهو من الأردن، لأنّه يملك أوراق ضغط وتهديد يُمكن أن تُركّع دولة الاحتِلال وتفاقم أزماتها الأمنيّة والاقتصاديّة، ومُظاهرة احتِجاج واحدة في عمّان ضدّ الاحتِلال ومجازره وتضامنًا مع “عرين الأسود” ستجعل نِتنياهو يرتجف رُعبًا، ناهِيك عن فتْح الحُدود لتهريب الأسلحة وغضّ نظر الحُكومة الأردنيّة، على غِرار ما حدث على حُدود قِطاع غزّة البريّة والبحريّة، وفي الفَمِ ماء.
البديل لأيّ مُخطّط إسرائيلي لإضعاف الأردن، وزعزعة أمنه واستِقراره، وتجويعه هو “الفوضى المُسلّحة”، الأمر الذي يعني انتِقالها إلى الضفّة الغربيّة، وتحويلها إلى غابةِ سِلاح، وإلحاق خسائر بشريّة ضخمة في أوساط المُستوطنين، فالشّعب الفِلسطيني في كُلّ الأراضي المُحتلّة، وبعد 30 عامًا من وهم أُكذوبَة السّلام، باتَ يُفضّل الشّهادة على العيش تحت احتِلالٍ مُهين ومُذل، وسُلطة فاسدة مُستَسلِمَة راكعة.
السّلاح الاستراتيجي الذي يملكه الأردن ويتفوّق على جميع الأسلحة الإسرائيليّة الاستراتيجيّة المُتطوّرة، وحتّى النوويّة، هو الحُدود المُشتركة مع فِلسطين المُحتلّة التي يَبْلُغ طُولها أكثر من 600 كيلومتر، وهي الحُدود التي تمتّعت بحِمايةٍ “مجّانيّةٍ” ونُكرانِ جميل، لأكثر من 74 عامًا، وقد آنَ الأوان لاستِخدامه والاستِعداد لإشهاره لـ”تأديب” نِتنياهو وحُلفائه من العُنصريين الفاشيّين، فهذه هي اللّغة الوحيدة التي يفهمونها، ولَكُم قُدوة بما حدث وسيَحدُث قريبًا في قِطاع غزّة وجنوب لبنان.
ما لا تُدركه “الدّولة الأردنيّة العميقة” التي تُؤمِن بنظريّة “خِيار الصّفر” أيّ الحِفاظ على الأوضاع كما هي، ودُونَ التقدّم أو التأخّر أو التّغيير، أن الأردن الذي يُعتَبر “سُرّة” المِنطقة وله حُدود مع خمس دُوَل، هو عُنصر الأمان والاستِقرار، وأيّ انفِجار أو فوضى داخليّة يعني تفجير المِنطقة المُحتَقنة أساسًا، وتنتظر عود الثّقاب.
مُعضلة الدّولة الأردنيّة العميقة أنها ترفض الاعتِراف بجميع التغيّرات الداخليّة على ضُوء التغيّرات الخارجيّة الدوليّة التي تتبلور على أرضيّة مُعطيات حرب أوكرانيا، وتآكُل الهيمنة الأمريكيّة في العالم، لمصلحة النظام العالمي الجديد مُتعدّد الأقطاب الذي يقوده التّحالف الصيني الروسي، ولهذا ما زالت تُراهن على الولايات المتحدة وتضع كُل بيض الأردن في سلّتها، وتتمسّك بمُسلّماتٍ أردنيّةٍ قديمةٍ انقرضت، وأبرزها التّفرقة بين المُواطن الشّرق أردني وشقيقه الفِلسطيني، وكأنّنا ما زِلنا في عهد الجِنرال غلوب باشا.
الوحدة والتّلاحم بين المُكوّنين الشّرقي والغربي (الفِلسطيني) الأردني في ذروة عزّها وقُوّتها هذه الأيّام، والفوارق التي زرعها وضخّمها عهد “أبو حنيك” تآكلت واختفت، وبات الأشقّاء الشّرق أردنيين أكثر وطنيّةً وتطرّفًا من نُظرائهم من الأُصول الفِلسطينيّة رُغم مُحاولات أنصار الدّولة العميقة التّرويج والإيحاء بنقيض ذلك.
دولة الاحتِلال “مرعوبة” من غابة الصّواريخ المُحيطة بها من الجِهات الثلاث (الرّابعة البحر وهي قادمة إليها)، ويبحث “حُكماؤها” شِراء، أو استِئجار جُزُر يونانيّة مهجورة للّجوء إليها في أيّ حربٍ وشيكة، والدّولة الأردنيّة العميقة “مرعوبة” من بنيامين نِتنياهو الذي استجدى طُوب الأرض لوقف معركة “سيف القدس” في أيّار (مايو) قبل الماضي، وسُقوط صواريخها على تل أبيب، وأسدود والقدس المُحتلّة، ولإعادة فتْح المطارين اليتيمين في اللّد والنّقب، اللّذين تم إغلاقهما لأوّل مرّة في تاريخ الدّولة العبريّة مُنذ تأسيسها.
فإذا كانت السعوديّة أكثر الدّول تحالفًا مع الولايات المتحدة الأمريكيّة، وخُضوعًا لإملاءاتها لأكثر من 80 عامًا أدارت ظهرها لواشنطن، وأقامت للرئيس الصيني احتفالًا سياسيًّا غير مسبوق في الرياض، و”تُثَوّر” سِلاح النفط مع روسيا وتستخدمه ضدّ الغرب بتوصّلها لاتّفاقِ “أوبك بلس” مع فلاديمير بوتين، وتجعل الغرب يَصرُخ ويُوَلوِل ويرتجف بردًا، واقتِصاده يترنّح، ودولاره مُهَدّد بفُقدان عرشه، بينما الدّولة الأردنيّة العميقة ما زالت تتمسّك بأمريكا، التي قدّمت 100 مِليار دولار في عشرة أشهر لأوكرانيا، ولم تُقدّم للأردن إلا بضعة مِليارات على مدى مِئة عام من تأسيسه، ورُغم مُشاركته بفاعليّةٍ في جميع حُروبها، ناهِيك عن خدماته الجليلة الأُخرى.
إيران باتت قُوّةً إقليميّةً عُظمى، تبيع المُسيّرات والصّواريخ الباليستيّة، الأسرع من الصّوت لروسيا وتُغيّر بهذه المُسيّرات والصّواريخ مُعادلات الحرب وقواعد الاشتِباك في أوكرانيا، والدّولة الأردنيّة العميقة ترفض حتّى إرسال وزير الخارجيّة الأردني إلى طِهران، مُجاملةً للسعوديّة، رُغم أن الأخيرة عقدت خمس جولات من الحِوار معها في بغداد، وعانق وزير خارجيّتها نظيره الإيراني حسين أمير عبد اللهيان في قمّة بغداد الثانية التي انعقدت قبل عشرة أيّام في عمّان، ثمّ هل السيّاح الإيرانيّون الذين تُغلِق حُكومة الأردن المزارات الشيعيّة في وجههم، ويُمكن أن يدرّوا مِليار دولار سنويًّا لخزينة الدّولة، يُشكّلون خطرًا أكبر من نُظرائهم الإسرائيليين الذين يَسرِقون الشّراشف والمعالق من الفنادق الأردنيّة هذا إذا نامُوا فيها أصلًا؟
نسأل مرّةً أُخرى عن أسباب هذا “الفُتور” الأردني تُجاه سوريا، وعدم تقديم أيّ مُساعدة إنسانيّة لشعبها، وهي التي وقفت دائمًا إلى جانب الأردن، وأروت عطشه بسدّ احتِياجاته وشعبه من ماءِ نهر اليرموك ومجّانًا دُونَ مُقابل، وكانت حُدودها مفتوحةً على مِصرعيْها للأردنيين ورجال أعمالهم، حتّى أوقفهم مُلحَقٌ صغير في السّفارة الأمريكيّة في عمّان.
أمريكا تتفاوض مع الإيرانيين مُنذ عامين في فيينا للتوصّل إلى اتّفاقٍ نوويّ، وها هو الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان يستجدي لقاءً مع الرئيس بشار الأسد في موسكو لإنقاذِ حُكمه، ويَعرِض تنازلات مُغرية جدًّا، والأردن لا يتفاوض مع إيران، ولا يُقيم علاقات معها، ويُحاصِر السّفارة السوريّة في عمّان وكأنّها مُصابةٌ بالجَرَبْ.
خِتامًا نقول: يا جلالة الملك عبد الله أنت قويٌّ بشعبك، والتِفافه حولك، وليس بأمريكا، ولا باتّفاقات التّطبيع مع دولة الاحتِلال، وأوراق القُوّة التي تملكها أكبر بكثير ممّا تتصوّر، وأمريكا هي الأكثر حاجةً لك وللأُردن، وإذا قرّرت المُواجهة ستَخرُج مُنتَصِرًا مِنها، لأنّ الشّعبان الفِلسطيني قبل الأردني سيقفان أمامك طالبين الشّهادة وليسَ خلفك، فليس هُناك ما يُمكن ما تخسره مع حُكومة إسرائيليّة فاشيّة تُريد إقامة الوطن البديل على أنقاضِ حُكمك، فتَوكّل على الله، ولا تنحني لعاصفةِ الفاشيّة، وكُنْ أنتَ العاصفة الشّريفة الحامِية للمُقدّسات والحُقوق العربيّة والإسلاميّة.
نُدرك جيّدًا أنّ كلامنا هذا لن يَهبِط بردًا وسلامًا على قُلوب الكثيرين، خاصَّةً في الدّولة الأردنيّة العميقة وأجهزتها، ولكنّنا سنقوله دُونَ تردّد، لأنّنا نُحب هذا البلد وننتمي لشعبه بروابط الدّم والعُروبة والعقيدة والوطنيّة، ونحترم قِيادته وإرثه، ووقفنا وسنقف في خندقه في مُواجهة الأخطار التي تُهَدّده خاصَّةً هذه الأيّام.. والحياة وقفة عز.
المصدر: رأي اليوم