هل مُشاركة بوريطة في الاجتِماع التّحضيري للقمّة العربيّة مُؤشّرًا على احتِمال حُضور العاهل المغربي؟ وكيف أجهضت السّلطات الجزائريّة أربع مُحاولات للحيلولة دون انعِقادها بما فيها ذريعة “البوليساريو” والشّروط المِصريّة؟ وكيف خرجت فِلسطين مُنتَصِرَةً في نهاية المطاف؟
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
وصول وزير الخارجيّة المغربي ناصر بوريطة إلى العاصمة الجزائريّة اليوم ومُشاركته في اجتماعِ وزراء الخارجيّة التّحضيري للقمّة العربيّة التي ستبدأ أعمالها غَدٍ الاثنين كان أوّل مُفاجآت هذه القمّة التي تنعقد لأوّل مرّة بعد غِيابٍ استمرّ ثلاث أعوام بسبب جائحة كورونا، وتآكُل العمل العربيّ المُشترك، وتعاظم الانقِسامات والخِلافات البينيّة، وسيطرة حُكومات مُطبّعة على السّاحة العربيّة.
لا نعرف ما إذا كان وصول السيّد بوريطة إلى الجزائر، وفتح السّلطات الجزائريّة أجواءها لطائرته كسْرًا للحظْر، هو مُقدّمة لحُضور العاهل المغربي محمد السادس لهذه القمّة، وبِما يُمَهّد لإعادة العُلاقات بشَكلٍ تدريجيٍّ بين البلدين، على أُسسٍ جديدةٍ وإزالة كُل الأسباب التي أدّت إلى انقِطاعها، أمْ أنّه سيتم الاكتِفاء بهذه الخطوة، فحتّى هذه اللّحظة لم يتم التّأكيد على مُشاركة العديد من القادة العرب بِما في ذلك العاهل المغربيّ.
الأمير محمد بن سلمان وليّ العهد السعودي كانَ أوّل من هاتف الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مُعتَذِرًا عن حُضور القمّة، وقبل عشرة أيّام من انعِقادها، وأرجَعَ ذلك إلى وَعكَةٍ صحيّةٍ، تحول دون ذلك، ولكنْ هُناك من يقول إنّ الاعتذار جاء لأسبابٍ أمنيّةٍ بحتة، ليس لأنّ الجزائر عاجزة عن تأمين سلامته في أراضيها، وهي المعروفة بأجهزتها الأمنيّة القويّة والمُحتَرِفَة، وإنّما لوجود أخطار قد تُهَدِّد رحلته الجويّة التي تمر فوق دُوَلٍ عديدة، ومياه البحر المتوسّط لأكثر من خمس ساعات.
صحيح أن الأمير بن سلمان زار تركيا واليونان وفرنسا، وقبلها قام بجولةٍ شملت جميع العواصم الخليجيّة، ولكن هذه الزّيارات تمّت قبل الخِلاف السّعودي الأمريكي المُتفاقِم على أرضيّة قرار منظومة “أوبك بلس” بتخفيض الإنتاج النّفطي بمُعدّل مِليونيّ برميل يَوميًّا، وما أعقب ذلك من غضبٍ أمريكيٍّ وتهديداتٍ بالانتقام، وأمريكا لا يُمكن أن يأمن المرء جانبها بسبب تاريخها الدّمويّ الحافِل بالاغتِيالات وقلب وتغيير أنظمة الحُكم، سواءً في الشّرق الأوسط أو أمريكا الجنوبيّة والأمثلة كثيرة.
الدولة الجزائريّة واجهت ضُغوطاتٍ وعقباتٍ عديدة لثنيها عن استِضافة هذه القمّة، وجمْع الشّمل العربيّ، وتحشيده خلف القضيّة المركزيّة العربيّة الأولى، أيّ القضيّة الفِلسطينيّة، ولكنّها قاومت، وأصرّت، على ترجمة نواياها في هذا المِضمار عمليًّا، بالإصرار على انعِقادها، وأقدمت على خطواتٍ عديدةٍ لتَذليلِ هذه العقبات يُمكن تلخيصها في النّقاط التّالية:
أوّلًا: تسامت فوق جميع الخِلافات والمَرارات، وأزالت الذّريعة الأولى والأكبر عندما “تطوّعت” القِيادة السوريّة مَشكورةً بإعلان عدم رغبتها في المُشاركة في القمّة لرفع الإحراج عن الدّولة المُضيفة، والقيادة الجزائريّة تحديدًا، وقطْع الطّريق على الدّول التي هدّدت بعدم المُشاركة في حال استعادة سوريا لمقعدها في الجامعة العربيّة، ومُؤسّسة القمّة بالتّالي، ومِن المُؤسِف أنّها الدّول نفسها التي ضخّت مِئات المِليارات لتدمير سورية، وتفتيتها، وإسقاط نِظامها، وباءت بالفشَل.
ثانيًا: أقدمت السّلطات الجزائريّة على توجيهِ دعوةٍ رسميّة للمغرب للمُشاركة في القمّة حمَلها وزير عدلها إلى الرّباط، لإزالة الذّريعة الثّانية التي كانت تقول بضَرورةِ رفع “أيّ فيتو” على مُشاركة أيّ دولة عربيّة باعتِبارها قمّةً للعرب جميعًا، ولا يجوز استِثناء أيّ دولة.
ثالثًا: أكّدت السّلطات الجزائريّة أنّ جبهة “البوليساريو” لن تُشارك في هذه القمّة لأنّها ليست عُضْوًا في الجامعة العربيّة، مُبَدِّدَةً بذلك الذّريعة الثّالثة التي حاولت جُيوش إلكترونيّة “عربيّة” رسميّة توظيفها لتَعكير أجواء القمّة.
رابعًا: إفشال مُحاولة صُهيونيّة لتعكير أجواء العلاقات بين الجزائر والشّقيقة الكُبرى مِصر، بتسريب أنباء “مسمومة” عن استِياء مِصر من استِضافة الجزائر لمُؤتمر المُصالحة الفِلسطينيّة، ورهن مُشاركتها (أيّ مِصر) بالقمّة باتّخاذ السّلطات الجزائريّة مواقف واضحة ضدّ تركيا وتدخّلاتها في الشّؤون العربيّة، حيث نفَى مُتَحدّث رسمي جزائري صحّة هذه الأنباء، أو تقدّم مِصر بمِثل هذه الشّروط.
لا نستغرب مِثل هذه المُؤامرة والتّسريبات التي أرادت، وفشلت، في إجهاضِ انعِقاد القمّة العربيّة في الجزائر، مثلما لا نستغرب أن تقف خلفها أطراف عديدة مُعادية لِلَمّ الشّمل العربيّ على رأسِها دولة الاحتِلال الإسرائيلي، بسبب مواقف الجزائر الصّلبة خلف الشّعب الفِلسطيني ودعمه لاستِعادة حُقوقه المشروعة كامِلَةً بِما في ذلك حقّ تقرير المصير.
الجزائر استضافت الفصائل الفِلسطينيّة في عاصِمتها، ونجحت في تقريب وجهات النّظر فيما بينها، وتحقيق المُصالحة، وإصدار “إعلان الجزائر”، وتشكيل لجنة مُتابعة لتنفيذ جميع قرارات هذا الإعلان التّوافقيّة كما أنها وقفت حائطًا صلبًا في وجْه المُحاولات الإسرائيليّة لاختِراق القارّة الإفريقيّة، وانضِمام دولة الاحتِلال إلى الاتّحاد الإفريقي كعُضْوٍ مُراقب، وحقّقت نجاحًا كبيرًا في هذا الميدان بفضْل تعاون أصدقائها الأفارقة الشُّرفاء، وعلى رأسِهم الأشقّاء في جنوب إفريقيا.
خِتامًا نتمنّى أن يُشارك مُعظم، إن لم يكن جميع القادة العرب في هذه القمّة التي تتصدّر قضيّة فِلسطين قمّة جدول أعمالها، مثلما نتمنّى عودة العمَل العربيّ المُشتَرك إلى أفضلِ صُوره انطِلاقًا منها، وبِما في ذلك عودة سورية الدّولة القائدة إليه في المكان الذي تستحقّ، خاصَّةً أنّ العالم بأسْرِه يقف على حافّةِ حربٍ عالميّة نوويّة، ويشهد مرحلة استِقطابٍ، وتكتّلاتٍ سياسيّةٍ، واقتصاديّةٍ، وعسكريّةٍ، غير مسبوقة.
الجزائر اجتهدت، وبذلك جُهودًا كبيرة، وعضّت على النّواجز، من أجل العُروبة وفِلسطين، وتحمّلت الكثير، وتستحقّ النّجاح في مساعيها هذه، أو هكذا نأمل ونُصَلّي، فالنّظام الرسميّ العربيّ ارتكب العديد من الخطايا في السّنوات الأخيرة، وحانَ وقت التّصحيح، والعودة إلى الثّوابت العربيّة، وفتْح صفحة جديدة، وما علينا إلا التّفاؤل بالخيْر والصّلاة والانتِظار.
عبد الباري عطوان..
المصدر: رأي اليوم..