المستقبل غامض في اليمن بعد الإعلان عن تشكيل حكومة ال جابر الجديدة في إطار تنفيذ “اتفاق الرياض” بين الحكومة اليمنية المعترف بها من قبل السعودية والمجلس الانتقالي الجنوبي المعترف به من قبل الإمارات . هناك توقعات كبيرة لفشل الحكومة والآثار السلبية التي يمكن أن تتركها على أوضاع البلاد ككل. لعدة أسباب منها بروز الخلل في ميزان القوى القبلية والمناطقية والطائفية ، وظهوره على السطح في أعقاب انتفاضة الشباب 2011.
الإقتتال الإثني في محافظة أبين مقدمة لتشكيل الحكومة الجديدة
بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية وطرد المستعمرين البريطانيين ، لم تشهد اليمن ما نراه الآن من اضطرابات قبلية وطائفية وصراع داخلي . أصبحت هذه الصراعات المحلية مسرحًا للمنافسات الإقليمية بين الرياض وأبو ظبي . إن تنقل الاقتتال من مكان إلى آخر في الجنوب بين الشرعية والمجلس الانتقالي ، الذي بدأ عمليًا في أغسطس 2019 ، و من نتائجه “اتفاق الرياض” ، ليس أكثر من تعبير عن تلك الصراعات . الصراع العرقي في محافظة أبين هدفه تقاسم السلطة بين الشرعية و الانتقالي . القتال في أغسطس 2019 ليس وليد اللحظة ، إذ تمتد جذوره إلى عام 1986 ، قد اثارتها من جديد قوات العدوان السعودي الإماراتي ، واستخدمتها بشكل فظيع وقذر ضد اليمنيين أثناء وبعد عدوانهم عام 2015 . نوضح ذلك . (تم استخدام مادة التقرير الخاص لـ – وكالة أنباء عدن) ، في التاريخ القريب ، في يناير 1986 ، استعان الضالعيون (مديرية الضالع) بإخوانهم الشماليين المقيمين في مدينة عدن لفرض سيطرتهم على القرار الجنوبي . في ذلك الوقت كانت منطقة الضالع وأهلها حاضنة شعبية لأهل الشمال في الجنوب وبوابة لحروب المناطق الوسطى في الشمال. الشهيد علي عنتر كان من أكثر المتحمسين للوحدة مع الشمال ، ولم يخفِ جذوره الشمالية وطموحه إلى دمج الجنوب بالشمال في كيان موحد . الضالع هي في الأصل امتداد لمحافظة إب الشمالية واسمها مشتق من ” الضوالع ” المنتشرة في إب حيث توجد ضوالع النادرة و ضوالع المخادر و ضوالع المقاطن . ثقافيًا ، لا تختلف الضالع كثيرًا عن جارتها الشمالية ، بينهما الكثير من القواسم المشتركة من العادات والتقاليد واللهجات . تتكون محافظة الضالع من مديريات جُبن و دمت و قعطبة و الحشا و الضالع و الحصين و جحاف و الأزارق و الشعيب . تقع محافظة الضالع في المحيط الجغرافي الشمالي وفق اتفاقية تقسيم اليمن بين البريطانيين والعثمانيين عام 1920. واستمر الوضع على ما هو عليه حتى عام 1934 عندما احتل البريطانيون المنطقة وأخذوها من حكومة الامام يحيى . من جهة أخرى ، تنازل البريطانيون عن محافظة البيضاء الجنوبية لتصبح شمالية بدلاً من الضالع . هدف البريطانيين من احتلال الضالع هو إنشاء مناطق عازلة بين الشمال والجنوب ، ومنع تمدد المقاومة الوطنية من الشمال الى الجنوب ، و جعل مشائخ الضالع و أعيانها حراس على البوابة الشمالية للجنوب المحتل . و كان يفترض أن ينتهي الانتداب البريطاني على الضالع عام 1974 ، أي بعد أربعين عاما من توقيع الاتفاقية مع الإمام يحيى عام 1934 ، لكن الاستقلال تحقق عام 1967. يشهد التاريخ ان أهل الضالع لعبوا دور مهم في المقاومة الشعبية ضد المستعمر و تحقيق استقلال الجنوب. من محافظة الضالع الشمالية ، كان قحطان الشعبي أول رئيس للجنوب من أصل شمالي ، قبل عبد الفتاح إسماعيل. والآن ، تتكون غالبية القيادة الحالية للمجلس الانتقالي من الضوالع الشمالية ، بقيادة عيدروس الزبيدي ، وشلال شايع ، وفضل الجعدي ، ومعظم القادة العسكريين لألوية الدعم و الاسناد المحسوبة على أبوظبي . أما عداء الرئيس صالح للعسكريين من ابناء الضالع الشرفاء فكان بسبب دعمهم للجبهة الوطنية في المنطقة الوسطى . من أبناء هذه المنطقة وغيرهم من الشماليين وبعض القيادات الجنوبية ، تشكل ما يسمى بـ ” الطغمة ” في يناير 1986 ، الذي اعيد تسميتهم في عام 2017 بالمجلس الانتقالي الجنوبي . لمواجهة ما يسمى ” الزمرة ” المعروفة الآن باسم “الشرعية”.
عندما تم توحيد اليمن في عام 1990 ، أرتمت الطغمة (الآباء المؤسسون للمجلس الانتقالي ) في أحضان عفاش ، حليف الإمارات . كان شرطهم الوحيد مع عفاش حتى تحقيق الوحدة في عام 1990 هو طرد (الزمرة / الشرعية حاليا ) ، ومعظمهم من أبين وشبوة وحضرموت وأنصارهم من الجنوبيين الآخرين. كما طالبوا عفاش بمنعهم من المشاركة في السلطة ، وكذلك منعهم من العودة إلى عدن والجنوب والبقاء مدى الحياة كلاجئين في الشمال . مر الوقت وهرب قادة وأعضاء الطغمة إلى عدن هاربين من ظلم وقمع عفاش . في عام 1994 اعلنوا انفصالهم وفي نفس الوقت لم يتصلوا بإخوانهم من الزمرة لدعمهم . رفضوا انضمام الزمرة (الشرعية) معهم في المقاومة وتشكيل الحكومة الانفصالية. في 1994 هاجمهم الرئيس صالح وهزمهم . في ذلك الوقت ، كان أمام الزمرة خياران احلاهم مر ، إما البقاء في الشمال ، لاجئين طول العمر ، إذا انفصل الجنوب عن الشمال ، أو الانضمام إلى صالح في حرب 1994 والعودة مع صالح إلى ديارهم في الجنوب منتصرين . دخلت الزمرة عدن ولم تنتقم من أحد .
بعد حرب صيف 1994 ، وضعت دول مجلس التعاون الخليجي مبادئ توجيهية لبدء التفكيك التدريجي لوحدة اليمن ، الأمر الذي أثار قلق المجتمع الدولي ، حيث اعتقد صناع القرار أن هذا التفكك سيحول اليمن إلى “دولة فاشلة” و سيسمح للإرهابيين العابرين للحدود بالإستقرار في اليمن وتقويض الأمن في الممرات المائية الدولية في مضيق باب المندب وبحر العرب . مارست دول مجلس التعاون الخليجي كافة الأساليب التخريبية في اليمن ، و اصبح اليمن يعيش في حالة أزمة منذ التسعينيات ، بالإضافة إلى استمرار المنافسة بين السلطة المركزية والعشائر المختلفة على السلطة والموارد المادية ، فضلاً عن الصراع مع الحركات الارهابية والانفصالية حتى انتفاضة 2011 الشعبية التي أدت إلى استقالته صالح . لمنع تحول الصراع إلى ثورة ، وضعت دول الخليج خطة للانتقال سلمي للسلطة. وهو في الواقع اتفاق بين النخب السياسية القبلية المحلية والإقليمية في الخليج. ووافقت النخبة على تشكيل حكومة انتقالية بقيادة هادي للقيام بمهام محددة. ولم يتمكن هادي من تحقيقها وفر إلى السعودية ، وبعد ذلك بدأ العدوان السعودي الإماراتي 2015 بتحقيق أهدافه عسكريًا وفشل .
الآن ، التحالف السعودي الإماراتي في موقف لا يحسد عليه ، ويواجه الموت الزؤام و البطئ (في مستنقع اليمن) مع تغيير الإدارة الأمريكية و ما ينتظر التحالف من قرارات قد تصدر عن المحاكم الدولية و محكمة الجنايات الدولية على ما ارتكبه التحالف من الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي التي ترقى الى جرائم الحرب . منها الهجمات على المناطق السكنية والأسواق والمستشفيات والمدارس ، والتي راح ضحيتها آلاف المدنيين ، معظمهم من النساء والأطفال.
الآن وبخطوات سريعة تشكلت حكومة ال جبر ، وهي تكرار للأخطاء التي ارتكبها الخليجيون عند تشكيل دولة الرئيس هادي عام 2012 ، والتي لم تعط أهمية لتوازن القوى القبلية والمناطقية و المكونات السياسية في اليمن ، و لذا لم يحصل هادي على دعم شرعيته إلا من حزب الإصلاح . رأي الأستاذ صلاح السقلدي صحيح عندما قال إن الآمال المعلقة على الحكومة ” متدنية للغاية ” … بسبب تعقيدات الأزمة اليمنية وعمق الخلافات السياسية والاجتماعية والفكرية بين الأطراف اليمنية ، و تغول الولاء و ارتهان جميع القوى و النخب السياسية للخارج . يعلم الجميع أن الشرعية و الانتقالي لا تأتمر الا بأوامر الجهات التي تدعمهما وتمولهما . وتتمثل مهمتها في تلقي الأوامر وتنفيذها وتحصيل الرسوم . إذا كان الانتقالي صادقا ويسعى لاستقلال الجنوب ، فعندئذ بدلا من أن يكون رهينة للأجانب ، عليه أن يشكل لجنة تمثل كل اليمنيين على الا يقتصر التمثيل على اثنية معينة . و ان لا يتم ذلك على المقاس الاماراتي 2017 ، عندما اسست الامارات المجلس الانتقال من خلال الدولار وما يسمى بمسيرة المليونية . عادة يتم تحديد شرعية التمثيل من خلال صناديق الاقتراع أو الاستفتاء وتحت الإشراف الدولي . هناك عدة مسيرات مليونية انطلقت في اليمن ، بعضها دعم الحراك الجنوبي أو حركة باعوم ، وآخرها دعم هادي والمجلس الانتقالي .. إلخ. التمثيل هنا مسؤولية لها قواعدها ومبادئها ، اسأل المكاتب القانونية الدولية .
لا يحق للمجلس الانتقالي الجنوبي تمثيل الجنوب (إذا أخذنا مقاس الإنتقالي ان هناك مسألة جنوبية بالمقابل هناك مسألة شمالية ). نجد اغلب قيادات المجلس الانتقالي هي شمالية و منهم رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي و هو من الضالع و هي جزء من المحافظات الوسطى الشمالية . التركيبة الاجتماعية للانتقالي لا تختلف عن تركيبة شرعية هادي و حزب التجمع للاصلاح و المؤتمر الشعبي و انصار الله و قبلهم الجبهة القومية .. الخ . إذا دغدغة المشاعر المناطقية ، لا يأتي منها أي خير سوى الحروب و الكوارث التي تدمر الانسان و الحجر و الشجر . اضف الى ذلك لم نسمع ذات يوم أن كبار قادة الثورة اليمنية مثل علي عنتر وقحطان الشعبي وعبد الفتاح إسماعيل وعلي شايع وسالمين وعلي ناصر محمد وغيرهم طالبوا بالانفصال. نعم ، لقد اختلفوا فقط في شكل الوحدة : إندماجية أو الفيدرالية أو الكونفدرالية.
من هي الحكومة الجديدة الموالية للاستعمار السعودي الإماراتي؟
هذه النزاعات القبلية الإقليمية و الطائفية التي جابت المحافظات الجنوبية واستخدمها التحالف بشكل فضيع وقذر ضد اليمنيين في أعقاب عدوان 2015. تحت وصف كاذب ، أن الصراع في اليمن بين الشيعة الشماليين والسنة الجنوبيين وضد التمدد الإيراني كان ذلك في محاولة لإخفاء الأسباب الحقيقية وراء التدخل السعودي الإماراتي والسعي لتحقيق أهدافهما الجيوسياسية. تعتبر المنافسة على البحر الأحمر وبحر العرب من أهم استراتيجيات السياسة الخارجية للسعودية والإمارات وعلاقاتهما مع الجهات الفاعلة الدولية . ومن أهم القضايا التي تحتاج إلى معالجة قضية القواعد العسكرية والممرات وخطوط التجارة الدولية المهمة التي يمكن للدول الكبرى والإقليمية الحصول عليها في الأراضي والمياه اليمنية. التوسع الإيراني ليس أكثر من شماعة ناجحة يعلق عليها زعماء الخليج العربي عدوانهم الفاشل .
تأليف الحكومة الجديدة خطوة سعودية ـ إماراتية للسيطرة رسمياً على الجنوب ، و على الجزر والموانئ اليمنية من خلال وكلائها الشرعية و الانتقالي . نتذكر أنه في عام 2008 تم توقيع اتفاقية تأجير ميناء عدن لشركة موانئ دبي بين الإمارات وعفاش ، والتي بموجبها تتنازل صنعاء عن نشاط ميناء عدن المهم بالنسبة لليمن لصالح ميناء جبل علي الذي أصبح محطة مهمة في الخطوط التجارية الدولية . وأيضاً من بين أهداف الإمارات توسيع نفوذها الإقليمي على خطوط إمداد الطاقة عبر سقطرى وبحر العرب ومضيق باب المندب والبحر الأحمر . مع تشكيل الحكومة الجديدة ، حققت الامارات ما عجزت عن تحقيقه خلال الحرب من خلال حصة الانتقالي من الحقائب الوزارية ، منها وزارتي النقل وصيد الأسماك ، وهي مهمة لابوظبي ، من خلالها تتم السيطرة على المنافذ البحرية والجوية و الموانئ ، وكذلك الصيد والسواحل ، الذي يعتبر جزء من أهداف التدخل الاماراتي في حرب اليمن . في النهاية ، فرض الاحتلال السعودي الإماراتي سيطرته على المحافظات الجنوبية . لكن نسي التحالف أن هناك العديد من الملفات الشائكة ، أهمها تنامي غضب الرأي العام من تدهور الأوضاع المعيشية ، وتدهور الخدمات ، وتدهور العملة المحلية ، وشرارة ” ثورة الجياع ” . يضاف الى ذلك ملف القوى المناهضة لـ “التحالف” المتمثلة في القوى السياسية الحقيقية التي تمثل ابناء المحافظات الجنوبية.