محاربة الفساد لبُّ أي ثورة ، ويتجلى الفرق بين ادعاء الثورة وبين ان نعيشها فعلاً من خلال آلية جادة لمحاربة الفساد ، أو بالأحرى إنهاء الافساد الممنهج ، والثوار الحقيقيون يعانون أشد المعاناة من المفسدين الذين يعتمدون في الغالب على الدعم الخارجي ، فالدول الداعمة للفساد في منطقتنا العربية والإسلامية هي ذاتها الدول التي كانت تحتلها بشكل مباشر عادت لاحتلالها عن طريق الافساد الممنهج باستخدام من يطلق عليهم زوراً بالنخب الحاكمة فهي مجرد أدوات غير محترمة لدى من يستخدمها وهي أشبه بمشروع موجه له امتداداته داخل معظم الأحزاب والتيارات والجماعات والمنظمات سواء ممن تدعي التقدمية أو القومية أو الوطنية أو الحركات الإسلامية السنية والشيعية الثورية والرجعية !؛ أعلم أن هذا التوصيف قاسياً لكنه توصيف يستند لواقع يعاني الانسان العربي الحر من مراراته !؛ نعم لقد تحول الاستعمار بوجهه الجديد إلى مخالب وقفازات وأدوات متنوعة تنوع يحتاج استيعابه إلى عقول واعية وقدرة على التحليل والتمييز ثاقبة غير متسرعة في إصدار الأحكام أو الاندفاع والاستجابة للتهييج ، لأن التهييج والتثوير يختلفا كلياً عن الثورة الحقيقية القائمة على الإحساس بالمسؤولية والتي تديرها حكمة السعي إلى تحقيق أهداف اجتماعية واقتصادية وثقافية وعسكرية استراتيجية وتكتيكية واضحة ، أي أن الثورة بهذا المعنى مؤسسة غير قابلة للاختراق والضياع وإلا كانت مقولة جيفارا نتيجة حتمية لكل ثورة :(الثورة يصنعها الشرفاء ويرثها ويستغلها الأوغاد) والثورة كما يجب رسالة مستمرة مضمونها تحقيق الأهداف وتطويرها في إطار جهد مؤسسي متواصل فهل بالإمكان أن نؤسسها لتغيير معادلة جيفارا أو على الأقل التقليل من فاعلية الاستسلام المحبط لآثار التفسير الخاطئ لها ؟؟!!؛ في اعتقادي أن الإجابة على مثل هذه التساؤلات مرهونة بمدى الاستفادة من التجارب والحرص المستمر على ترجمة مبادئ الثورات ومقولات قاداتها وما تستقر عليه قرارات الثورة إلى أفعال وممارسات فاعلة واليقظة المستمرة لمواجهة تحركات الأوغاد ومناوراتهم إذ من المستحيل أن تطلب ممن أثبتوا بالتجربة فسادهم وعجزهم الإداري والسياسي الواضح عن القيام بمحاربة الفساد لأنهم أصله وإن لم يظهر فسادهم المالي فالفساد والعجز الإداري والسياسي مصدر الفساد المالي ودليله ، صحيح أن ما يتداوله الناس عن أي شخص لا ينبغي الأخذ به على علاته ، ولكن في نفس الوقت لا يجب تجاهله ، أو كما قال الامام علي كرم الله وجهه في عهده لمالك الأشتر: (كلام الناس أقلام القدرة) وأعتقد أن كلمة السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي قائد الثورة في 20/8/2017 التي دعى فيها إلى خلس جلود الفاسدين أياً كانوا مؤكداً على عدم جواز خلط الأوراق سواءً باسم الشراكة أو باسم أولوية مواجهة العدوان تلك الكلمة فيها إشارة إلى معاناة من يتولى أمر الناس وعنده قدر من الاحساس بالمسؤولية ولا يُعذر إلا ببذل ما باستطاعته في عدم السماح بتعيين الفاسدين وإزاحة من ثبت فساده أو عجزه دون إبطاء واتخاذ ما يملي عليه موقعه الذي يحتله أو وضع فيه أو نذر نفسه له لأن جذور الفساد تتعمق كلما تباطأ الناس في اقتلاعها ، وهذا ما يُنتظر من كل من هم في المواقع الأولى للسلطة وعلى سبيل المثال هذا ما انتظره الناس من الشهيد إبراهيم الحمدي قائد حركة 13/يونيو التصحيحية في 1974 رحمه الله قبل أن تمتد اليه يد الغدر والخيانة خاصة بعد أن تلقى العديد من التحذيرات من قبل المحبين والمخلصين ، ومن أشهر أقواله حول محاربة الفساد: (تجريب المجرب خطأ والتصحيح بالملوثين خطأ مرتين) وكان حجم الفساد حينها ضئيل قياساً بما تراكم منه ليصبح غولاً يُحافظ عليه حيناً باسم الشراكة وأحياناً باسم ظروف العدوان :، وأقوال كثيرة قالها قبل استشهاده في رحلته التي شملت أغلب محافظات اليمن وكانت كلماته النارية الموجهة للفاسدين والمستغلين من الضباط والمسؤولين والمشائخ وكل مراكز القوى المرتبطين بالسعودية وغيرها بمثابة تنبيه لهم ليحيكوا مؤامرتهم الدنيئة وهو ما اعتبره كثير من المراقبين من أخطائه رحمه الله والتي منها إيصال بعض تلك العناصر الى مواقع ليسوا جديرين بها سواءً من حيث الأقدمية أو الكفاءة أو النزاهة ، ما مكنهم من القفز من خلال تلك المواقع الى موقع الرئيس واحداً بعد الآخر بعد المشاركة المباشرة في عملية الاغتيال الجبانة التي قاد تنفيذها الملحق العسكري السعودي سيئ الذكر صالح الهديان وبذلك صار موقع الرئيس محط سخرية واستهتار وقد شارك في العملية بعض التافهين من المحسوبين على اليمن سواء من شارك في الجريمة مباشرة أو من أقيمت المأدبة على شرفه المزعوم أو حضرها وبقي صامتاً طوال هذه المدة !!؛ أخطاء الشهيد إبراهيم الحمدي تغتفر خاصة وقد دفع حياته ثمناً لها على ذلك النحو ولأن إبراهيم لم يكن فاسداً وكانت سنوات حكمه التي لم تبلغ الثلاث عنوان خير وعطاء يشهد بذلك رجال اليمن ونساؤها وأطفالها ، جبالها وسهولها وصحاريها وكل شيء فيها !!؛ التجارب في الشأن العام ملك المجتمع أي أنها كما اكرر دائماً ليست محكومة بمقولة (اذكروا محاسن موتاكم) فدراسة كل تصرفات من يتولى الشأن العام بمعرفة أين أخطأ وأين أصاب والاستفادة من الإيجابيات وعدم تكرار السلبيات حقٌ عام وأخبار الرؤساء والمسؤولين فيما يتصل بمسئولياتهم ليست ملكهم لأن آثارها تتعدى شئونهم الخاصة! اذكروا محاسن أوطانكم واعلموا أنما الحكم ميزانه العقل عبءٌ على كل حاكمْ.