هل مشروع “الماء مُقابل الكهرباء” الثلاثي الأردني الإماراتي الإسرائيلي هو الخطوة الأولى لتطبيق “صفقة القرن” ومُهندسها كوشنر؟
بقلم/ عبد الباري عطوان
الاتّفاق الذي وقّعه الأردن وإسرائيل على هامش حُضور وزيريّ المياه والطّاقة في البلدين في معرض “إكسبو” في دبي، تحت عُنوان الطّاقة مُقابل الماء يأتي في إطار مشروع سياسي تطبيعي بالدّرجة الأُولى، عُنوانه الأبرز عودة الضفّة الغربيّة إلى الأردن، وقِطاع غزّة إلى مِصر، وإغلاق مِلف القضيّة الفِلسطينيّة إلى الأبد، وكُلّ التّطبيقات والتحرّكات والاتّفاقات الرّاهنة والمُتسارعة على الأرض تَصُبّ في هذه المُحصّلة النهائيّة، ومن يقول غير ذلك يُغالط الحقائق.
بمعنى آخر، هذا المشروع الذي تدعمه ماليًّا دولة الإمارات العربيّة المتحدة “وكيلة” “سلام أبراهام” في المنطقة، وسياسيًّا الولايات المتحدة، هو تطبيقٌ حرفيٌّ للخطط التي طرحها جاريد كوشنر، مُستشار الرئيس دونالد ترامب وصهره في مُؤتمر المنامة في حزيران (يونيو) عام 2019، وحضره الأردن و”إسرائيل” ومُعظم الدّول الخليجيّة، ولم يكن من قبيل الصّدفة أنّ تكاليف هذا المشروع المالية 7.5 مِليار دولار وهو الرّقم الذي حدّده صِهر الرئيس الأمريكي في المنامة في إطار ما سُمّي في حينها بـ”صفقة القرن”.
صحيح أنّ الاتّفاق الثّلاثي الأردني الإسرائيلي الإماراتي جرى توقيعه بالأحرف الأُولى، وتوصيفه بأنّه “إعلان نوايا”، وليس مُعاهدة أو اتّفاق تعاون، وينص على أن يعمل الأردن على توليد الكهرباء من الطّاقة الشمسيّة لصالح “إسرائيل”، مُقابل تحلية الأخيرة للمياه لصالح الأردن، ولكن، ومن خِلال خبرتنا ومُتابعاتنا، جميع اتّفاقات إعلان النّوايا المُوقّعة بالأحرف الأُولى جرى تطبيقها عمليًّا على الأرض، وأبرزها صفقة الغاز الفِلسطيني “الإسرائيلي” المسروق إلى الأردن، وكيف يكون الاتّفاق مُجرّد إعلان نوايا، بعد أن اشترت الإمارات 4800 دونم لتكون الأرض التي سيُقام عليها المشروع في الأردن؟
مجنون يحكي وعاقل يسمع.. متى كانت إسرائيل بحاجةٍ إلى كهرباء مُصنّعة من الطّاقة الشمسيّة في الأردن، وهي التي اخترعت تكنولوجيا توليد الطّاقة وحماماتها وصدّرتها إلى الكثير من دول العالم؟
وهل “إسرائيل” هي الدّولة الوحيدة في العالم التي تملك تكنولوجيا تحلية المياه؟ فأكبر كميّة للطّاقة الشمسيّة في العالم موجودة في صحراء النقب المُحتل المُحاذية للجنوب الأردني، وأكبر محطّات تحلية في العالم موجودة في السعوديّة ودول الخليج، سواءً بتحلية مياه الخليج أو مِياه البحر الأحمر، وجميع هذه المحطّات أُقيمت قبل أربعين عامًا على الأقل وبإشراف شركات أوروبيّة ليس لإسرائيل سهمًا أو مُهندسًا واحدًا فيها، نرجوكم احتِرام عُقولنا، فإذا كان الأردن يعيش أزمة مياه فلماذا لا يذهب إلى سوريا، أو العِراق، أو حتّى السعوديّة، وليس إلى “إسرائيل” ومِياهها المسروقة؟
هذه الصّفقة “مُزوّرة” وملغومة، ومُحاولة ساذجة للتّغطية على الهدف السّياسي المرجوّ منها، وهو ربط الأردن بدولة الاحتِلال الإسرائيلي وأمنها، وتكريسها كشريك استراتيجي، وإحكام هيمنتها على الأردن سياسيًّا واقتصاديًّا.
العرّاب الأمريكي هو الدّاعي لهذه الصّفقة ويقف خلف تطبيقها، ومُمثّله جون كيري كان “شاهد زور” على عمليّة التّوقيع بين وزيرة الطّاقة الإسرائيليّة كارين الحرار ووزير المياه والرّي الأردني محمد النجار، والذّريعة التغلّب على أزمة المناخ، ولا نعرف ما عُلاقة الأردن بهذه الأزمة، وكأنّه دولة عُظمى تملك أضخم المصانع والمفاعل النوويّة التي لعبت دورًا كبيرًا في تلوّث ثُقب الأوزون.
أمريكا وإسرائيل ومعهما دولة الإمارات يجرّون الأردن إلى هاويةٍ سحيقة من الاضطرابات الداخليّة، عبر تضخيم حالة الاحتِقان المُتفاقمة حاليًّا بسبب الفقر والجُوع والبِطالة والارتِفاع الفاحِش في الأسعار.
الشّارع الأردني يعيش حاليًّا حالةً من الغليان غير مسبوقة، وبُركان الغضب يقترب من ذروة انفِجاره، وأجواء الحِراك الشّعبي وغُيومها المُلبّدة بالمخاطر تعود بشَكلٍ مُتسارع، وإذا انطلق هذا الحِراك فمن الصّعب توقّفه هذه المرّة، وكُلّ المُؤشّرات المُتوفّرة لنا تؤكّد أنّه قادم.
يجب أن يفهم أصحاب القرار في الأردن أن الشعب الأردني، بكُلّ أطيافه العشائريّة ومنابته وأعراقه بات مُوحَّدًا في مُعظمه خلف هدفٍ واحد وهو مُعارضته التّطبيع مع دولة الاحتِلال، ورفض صفقة القرن، وتصفية القضيّة الفِلسطينيّة على حِساب الأردن ووحدته واستِقراره، لأنّ المُستفيد الأكبر من جميع هذه المشاريع التطبيعيّة هي “إسرائيل”، والخاسِر الأكبر هو الأردن، والضحيّة في الحالين هُما الشّعبان الأردني والفلسطيني.
نُزول حركة الإخوان المسلمين إلى الشّارع غدًا الجمعة في مُظاهرة احتِجاج أمام مسجد الحسين، في قلب العاصمة، ولأوّل مرّة مُنذ سنوات، واحتجاج أكثر من 75 نائبًا على الاتّفاق الثّلاثي المذكور آنفًا، وازدحام وسائل التواصل الاجتماعي بالتّغريدات الغاضبة المُعارضة لكُلّ أشكال التّطبيع..
وتصاعد المخاوف من مُؤامرة الوطن البديل، كُلّها رسائل وإنذارات يجب أن تُؤخذ بعين الاعتِبار من صانع القرار في الأردن فكُلّ الحجج والذّرائع مهما تعاظمت ستُعطي نتائج عكسيّة، فالمنطقة تتغيّر بسُرعةٍ، ومُعادلات القُوّة تتغيّر أيضًا، و”إسرائيل” تعيش أزمة أمن واستِقرار، ولم تعد القُوّة التي تهزم الأنظمة وجُيوشها في ساعاتٍ معدودة، وأيّ إنقاذ أمريكي لها لا يجب أن يكون على حساب الأردن، وبِما يُؤدِّي إلى زعزعة أمنِه واستِقراره.. والأيّام بيننا.