لقاء ثُلاثي عسكري روسي أمريكي إسرائيلي لرسم مُستقبل سوريا وإيران؟ هل باتت تل أبيب دولةً عُظمى تُقَرِّر مصير الشرق الأوسط؟ وكيف تقبل روسيا بهذه الإهانة؟ وما هي الرّسالة التي نتمنّى عليها توجيهها لضيفها بينيت؟
بقلم/ عبد الباري عطوان
يَصعُب علينا أن نفهم هذا الإلحاح الروسي والأمريكي على “حشر” إسرائيل في أيّ مُحادثات تتعلّق بمُستقبل سوريا أو الملف النووي الإيراني، وتطوّرات الأحداث في منطقة الشرق الأوسط بشَكلٍ عام، وكأنّها دولة عُظمى، وصاحبة القرار المُؤثِّر في شُؤونها.
نقول هذا الكلام بمُناسبة ما كشف عنه ألكسندر بن تسفي السفير الإسرائيلي في موسكو أمس “من أنّ بلاده اتّفقت مع روسيا والولايات المتحدة، على عقد لقاء بين مُستشاري الأمن القومي في الدّول الثلاث (روسيا وأمريكا وإسرائيل) لمُناقشة الأوضاع في سوريا وإيران.
صحيح أنّ السفير المذكور اعترف في لقاءٍ مع وكالة أنباء “سبوتنيك” الروسيّة أنّه لم يتم بعد تحديد الموعد أو المكان لهذا اللقاء، ولكنّه توقّع أن يكون مطروحًا بقُوّةٍ على جدول أعمال زيارة نفتالي بينيت رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى روسيا يوم الجمعة المُقبل (22 تشرين الثاني) وقمّته المُقرّرة مع الرئيس فلاديمير بوتين.
مُستَقبل سوريا لا تُقرّره إسرائيل ولا الولايات المتحدة الأمريكيّة، وإنّما الشعب والقيادة السوريّة والحُلفاء، ولو كانت هاتان الدّولتان، أيّ إسرائيل وأمريكا، تستطيعان ذلك، لما فشلتا على مُدّى 10 سنوات، وإنفاق أكثر من مئتي مِليار دولار (مُعظمها من دول الخليج)، وتحشيد حواليّ 70 دولة، في مُحاولاتهما الدّئوبة لتغيير النظام.
نستغرب قُبول موسكو، إذا تأكّد، بمِثل هذه المُقترحات التي تُشَكِّل “استِفزازَا” لسوريا وإيران وجميع دول محور المُقاومة الأخرى، ليس لأنّها تُعطي دولة الاحتلال الإسرائيلي أهميّة أكبر من حجمها، وإنّما أيضًا لأنّها لن تعد تلك الدولة القويّة التي تَحسِم الأوضاع في المنطقة، وتُرهِب حُكوماتها، وشُعوبها، ببضعة طائرات أمريكيّة مُتطوّرة مثلما كان عليه الحال في السّنوات الأربعين الماضية، فقد يأتي يوم قريب بأنّ هذه الطائرات إذا أغارت على دولة مِثل إيران، لن تَجِد مطارات تعود إليها مثلما قال الجِنرال الإيراني علي شمخاني.
إسرائيل نفّذت أكثر من 350 غارةً جويّةً أو صاروخيّة لضربِ أهداف عسكريّةٍ ومدنيّة، سُوريّة وإيرانيّة، في العُمُق السوري على مدى خمس سنوات على الأقل، ولم تُسْقِط النظام، أو حتّى تُضعِفه، ولم تمنع وصول الصّواريخ الدّقيقة وتكنولوجيا تصنيعها إلى “حزب الله”، والأهم من كُلّ ذلك أنّها لم تُخْرِج مُستشارًا إيرانيًّا واحِدًا من الأراضي السوريّة.
هذه الاعتِداءات الإسرائيليّة الفاشلة التي لا نستبعد أن يأتي الرّد عليها بقُوّةٍ في الأيّام القليلة القادمة استِنادًا إلى تهديد غُرفة عمليّات محور المُقاومة في أعقاب هُجوم تدمر قبل أيّام، يجب، من وجهة نظرنا كمُراقبين، أن تتصدّر جدول أعمال المُباحثات التي ستُجرَى في لقاء القمّة بين المُضيف بوتين وضيفه بينيت الجمعة المُقبل في مُنتجع سوتشي، لأنّها، أيّ الاعتِداءات، بات استِمرارها يُسِيء لموسكو أكثر ما يُسِيء لسورية، وتَهُز صُورتها في أذهان مُعظم، إن لم يكن كُل، شُعوب المنطقة.
لا نُجادِل مُطلقًا حول أهميّة الدّور الحاسِم الذي لعبه الرئيس بوتين في إفشال المُؤامرة الأمريكيّة لتفتيت الدولة السوريّة، وإسقاط النّظام السّياسي في قمّتها، ونعترف مِثل الملايين من العرب والمُسلمين، أنّه لولا هذا التدخّل الروسي العَسكري والسّياسي، وما ترتّب عليه من تضحيات بشريّة، جنبًا إلى جنبٍ مع صُمود الجيش العربي السوري، لجاءت النّتائج مُرعبة وصادمة ومُختلفة على الأرض.
نتَمنّى على الرئيس أن يُبَلّغ ضيفه الإسرائيلي في اجتماع سوتشي المُقبل بأنّ هذه الاعتِداءات الإسرائيليّة على سورية، يجب أن تتوَقّف فَورًا، وإلا فإنّ حُكومته ستُزوّد الدّفاعات الجويّة السوريّة بالصّواريخ والمنظومات الدفاعيّة المُتطوّرة واللّازمة ليس لتدمير صواريخها، وإنّما إسقاط أيّ طائرة إسرائيليّة تُطلِقها لضرب العُمُق السوري مُجَدَّدًا، ليس في الأجواء اللبنانيّة، أو الأردنيّة، وإنّما في أجواء دولة المنشأ، أيّ فلسطين المُحتلّة أيضًا.
نُدرِك جيّدًا أن روسيا دولة عُظمى لها مصالحها، ومشاريعها الاستراتيجيّة، ولا تقبل من أيّ أحد أن يُملِي عليها ما يجب أن تفعل، أو لا تفعل، ولكن من حقّنا كأبناء لسورية ومنطقة الشرق الأوسط أن نعتب، وأن نُجاهِر بحجم الآلام التي نُعاني منها من جرّاء هذا العُدوان الوَقِح والمُتكرّر على دولة عربيّة كُبرى مِثل سورية، وفي وَقتٍ تنشغل فيه بلملمة جِراحها العميقة من جرّاء المُؤامرة الأمريكيّة العربيّة.
نُؤكّد هُنا، وللمَرّة الألف، أنّ إسرائيل التي هزمتها صواريخ معركة “سيف القدس” الغزّاويّة، وفرضت عليها حِصارًا جَوّيًّا لأكثر من 11 يومًا، وأرسلت ستّة ملايين من مُستوطنيها إلى الملاجئ، تعيش حاليًّا في الوقت الضّائع، وأنّ إيران التي تُريد مُناقشة شُؤونها ومُستقبلها على قدمٍ وساق مع دولتين عُظميين، باتت تمتلك وحُلفاؤها، وأذرع محورها الضّاربة، القوّة الصاروخيّة القادرة على الرّد على أيّ عُدوان إسرائيلي، فالذي يُسْقِط طائرة “غلوبال هوك” الأمريكيّة المُسيّرة التي اخترقت بضعة أمتار من أجوائها، وانتصرت في حرب السّفن، ومرمغت كبرياء الحِصار الأمريكي على سورية ولبنان في تُراب ميناء بانياس السوري، يستطيع أن يفعل ما هو أكثر من ذلك، وفي الوقت المُناسب.
خِتامًا نقول من يُريد أن يُناقِش الشّؤون السوريّة والإيرانيّة عليه أن يذهب إلى دِمشق وطِهران وليس إلى الوجهة الخطأ، والمهزومة، أيّ تل أبيب وواشنطن، فالزّمن تغيّر، وسيتغيّر أكثر، بعد الإعلان الوشيك عن امتِلاك طِهران لمُكوّنات القنبلة النوويّة الأُولى.. والأيّام بيننا.