أمريكا تتّخذ قرارًا “صادمًا” بسحب منظوماتها الدفاعيّة “فجأةً” من السعوديّة والعِراق ودول خليجيّة والأردن.. ما الجديد؟ ولماذا الآن؟ وما هِي البدائل؟

1٬284

بقلم/ عبد الباري عطوان

فجأةً، وفي وقتٍ تتعاظم فيه القوّة الصاروخيّة لإيران وحُلفائها من الحركات والأذرع العسكريّة في منطقة الشّرق الأوسط، والخليج تحديدًا، تكشف صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكيّة أنّ وزارة الدفاع (البنتاغون) بدأت في تخفيض أعداد أنظمتها الدفاعيّة في المنطقة، وخاصّةً في المملكة العربيّة السعوديّة، والعِراق، والأردن، والكويت، اعتبارًا من أوّل شهر حزيران (يونيو) الحالي، وأكّدت وزارة الدّفاع الأمريكيّة هذا الخبر، وبرّرته بأنّه يأتي في إطار الصّيانة، وهذا كَذِبٌ صريح، فقد جرت العادة أن يذهب المُهندسون والخُبراء إلى أماكن تواجد هذه المنظومات لهذا الغرض وليس العكس.

ولأنّ المملكة العربيّة السعوديّة التي تُواجِه هجمات صاروخيّة مُتواصلة وفاعلة بقصفها من قِبَل حُكومة صنعاء، بادر لويد أوستن، وزير الدّفاع الأمريكي، بالاتّصال هاتفيًّا بالأمير محمد بن سلمان، وليّ العهد السّعودي، والحاكِم الفِعلي، لإبلاغه بهذا القرار “الصّادم”، ولم يَصدُر أيّ رد فِعل سَعودي “علني” على هذه الخطوة المُفاجئة، من قبل إدارة ديمقراطيّة لا تكنّ الكثير من الوِد للرّياض التي وضعت كُل بيضها في سلّة الرئيس الجُمهوري المهزوم دونالد ترامب وصِهره اليهودي جاريد كوشنر.

أمريكا أرسلت بطاريّات صواريخ “الباتريوت” الحديثة، ومنظومة  “ثاد” الصاروخيّة الأكثر تَطَوُّرًا في زمن إدارة الرئيس ترامب لحِماية المملكة من الصّواريخ اليمنيّة الحوثيّة التي ضربت عصَب الصّناعة النفطيّة السعوديّة في بقيق وخريص، وقبلها مُنشآت أرامكو في ميناء جدة، وجيزان، وخطّ أنابيبها المُمتَد من الخليج إلى ميناء ينبع، والتّصدّي إلى أيّ هُجوم صاروخي إيراني في حالِ تَصاعُد التّوتّر، وتحوّل إلى حربٍ مُباشرةٍ لتهدئة مخاوف الأُسرة الحاكمة.

اللّافت أنّ قرار سحب هذه المنظومات الصاروخيّة يأتي بعد فشل منظومة القبب الحديديّة الإسرائيليّة، التي تُشَكِّل نُسخةً أكثر حداثةً من منظومات الباتريوت الأمريكيّة، أثناء حرب غزّة الأخيرة، وإعلان الرئيس بايدن سحب جميع القوّات الأمريكيّة من أفغانستان، ومن جانبٍ واحد في أيلول (سبتمبر) المُقبل.

أمريكا، وباختصارٍ شديد، وبمِثل هذا القرار المُفاجئ، تُؤكِّد أربع حقائق رئيسيّة لا بُدَّ من التّوقّف عندها:

الأولى: اعتِرافها “عمليًّا” بالهزيمة، وفشل جميع حُروبها بالتّالي، في العِراق وسوريا والخليج، وأفغانستان واليمن، وقرّرت تقليص الخسائر، وحفظ ما تبقّى من هيبة لزعامتها وأسلحتها، وإنقاذ نفسها وترليوناتها من حُروبٍ عبثيّةٍ لا طائِل منها.

الثّانية: تحويل اهتِمامها إلى منطقة شرق آسيا، والصين تحديدًا، التي باتت تُشَكِّل الخطر الوجودي الأكبر على مصالح الولايات المتحدة ونُفوذها في هذه المنطقة الحسّاسة، وحُلفائها الأبرز، ونحن نتحدّث هُنا عن اليابان وكوريا الجنوبيّة، والفلبين، وتايوان، وأستراليا والقائمة تطول.

الثّالثة: أمريكا لا يُمكِن الاعتِماد عليها كحَليفٍ قويّ، وتتخلّى عن “أصدقائها” وتَغسِل يديها منهم عندما تتعرّض مصالحها لأيّ تهديد، أو عندما تُغيّر أولويّاتها واستراتيجيّاتها الدفاعيّة ومصالحها الاقتصاديّة.

الرابعة: الحُروب القادمة حُروب سيبرانيّة، ومن خِلال الطّائرات المُسيّرة أيضًا، ممّا يعني أنّ المنظومات الدفاعيّة التقليديّة باتت قديمةً وغير مُلائمة، ولا بُدَّ من الاستِغناء عنها، واستِبدالها بما يتلائم مع هذا التّطوّر الجديد والمُتسارِع.

الرئيس الأمريكي جو بايدن، وباختِصارٍ شديد، قرّر الانسِحاب كُلِّيًّا من منطقة الشّرق الأوسط، وترك حُلفاء بلاده من عرب وإسرائيليين خِيار وحيد وهو “أن يقلعوا أشواكهم بأيديهم” وبأقل مُساعدة مُمكنة من بلاده، وأن يُقَدِّمهم على “طبقٍ من ذهب” إلى ايران ومحورها، القُوّة الصّاعدة بشَكلٍ مُتسارع في المِنطقة، استِسلامًا، تمامًا مثلما فعلت إدارة الرئيس جورج بوش الابن بغَزوِها للعِراق وبدَعمٍ عربيٍّ أيضًا.

إيران انتخبت مؤخراً رئيسًا مُتَشَدِّدًا (إبراهيم رئيسي)، ووحّدت كُلّ المُؤسّسات في الدّولة تحت راية المُرشد المُتَشَدِّد السيّد علي خامنئي، (البرلمان، السّلطة القضائيّة، الحرس الثوري، والآن السّلطة التنفيذيّة)، أمّا حُلفاء أمريكا العرب، فأصبحوا “أيتامًا” بعد أن تبخّرت مُعظم ثرواتهم، وتركتهم أمّهم غير الحنون لأقدارهم، وطارت الطّيور بأرزاقها، وليس أمامهم غير النّحيب على أحوالهم البائسة، حيث ضاع النّفط وترليوناته، وربّما الماء في الطّريق.. وهذه قِصّةٌ أُخرى.. واللُه أعلم.

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com