بنيامين نتنياهو.. مسيرة من الفساد والإجرام ورعاية الإرهاب..!
أبين اليوم – الأخبار الدولية
لم يكن بنيامين نتنياهو فقط السياسي الذي أمضى أطول فترة على رأس الحكم في الكيان الإسرائيلي، إذ قضى 15 عاماً في رئاسة الحكومة على مرحلتين منفصلتين (بين 1996-1999، و2009-2021)، إلا أنه دمغ الحياة السياسية بأكثر من مفارقة.
ففي حين أنه واحد من أكثر رؤساء الحكومات دموية، مع شنّ ثلاث حروب على غزة خلال فترات حكمه، فهو يتباهى بتمكّنه من إطلاق مسار تطبيع مع عدد من الدول العربية، برعاية ودعم من حليفه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب..
إضافة إلى دفع الأخير لطرح مشروع “صفقة القرن”، الذي يمثّل وصفة لتصفية القضية الفلسطينية. مقابل ذلك، ساهم نتنياهو أكثر من أي سياسي في تاريخ الكيان إلاسرائيلي بضرب استقرار النظام السياسي، من خلال إصراره على التشبث بالحكم على الرغم من توجيه لوائح اتهام ضده في قضايا فساد، ليجرّ الكيان إلاسرائيلي إلى أربع جولات انتخابية في غضون عامين..
قبل أن يطيح به زعيم حزب “يمينا” اليميني نفتالي بينت، بالتعاون مع زعيم المعارضة رئيس حزب “ييش عتيد” يئير لبيد، ويقضيا على أحلام نتنياهو بالبقاء في الحكم. ومع خروج نتنياهو من الحكم، يُتوقع على نطاق واسع أن تتعاظم الدعوات في حزب “الليكود” التي ستطالبه بالتخلي عن زعامة الحزب، كما صارحه بذلك الرجل الثاني في الحزب وزير المالية يسرائيل كاتس.
نتنياهو، المولود في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 1949 في تل أبيب، هو الابن الثاني للمؤرخ بنتسيون نتنياهو، الذي يُعدّ أحد مفكري “الحركة التصحيحية”، التي أسسها زئيف جابوتنسكي احتجاجاً على نهج التيار العام في الصهيونية الذي يعطي اعتباراً للعمل الدبلوماسي؛
وهي الحركة التي أنتجت التنظيمين الإرهابيين “ليحي” و”إتسل”، اللذين اشتهرا بتنفيذ مجازر ضد الفلسطينيين قبل الإعلان عن “دولة إسرائيل”، أبشعها كانت مجزرة دير ياسين في 9 إبريل/ نيسان 1948.
شكّل أعضاء هذين التنظيمين بعد الإعلان عن “إسرائيل” حركة سياسية يمينية أطلقوا عليها اسم “حيروت” (الحرية)، التي مثّلت في ما بعد العمود الفقري لحزب “الليكود”، الذي يرأسه نتنياهو حالياً. تأثر نتنياهو الواضح بوالده ظهر خصوصاً بدفاعه عن رؤيته لإسرائيل بوصفها “دولة يهودية” يجب أن تمتد حدودها من الجهة الشمالية الشرقية وصولاً للأردن، وبوعده بضمّ غور الأردن في الضفة الغربية المحتلة.
عندما تجنّد للجيش، انضم نتنياهو إلى أشهر الوحدات الخاصة المعروفة بـ”سييرت متكال”، التي سبقه إليها شقيقه الأكبر يوناتان، الذي قُتل في 1976 في عملية تحرير طائرة إسرائيلية اختطفت إلى نيروبي، في حين تبعه إلى هذه الوحدة شقيقه الأصغر عيدو، الذي يجمع حالياً بين العمل كطبيب وروائي. بعد انتهاء خدمته في الجيش، توجّه نتنياهو إلى استكمال دراسته الجامعية في الولايات المتحدة والعمل في قطاع الأعمال هناك.
تولى في العام 1984 منصب ممثل الكيان إلاسرائيلي في الأمم المتحدة، والتحق بعد انتهاء مهامه في 1988 بحزب “الليكود”، الذي كان على رأس السلطة في ذلك الوقت.
بعد هزيمة “الليكود” في 1992 وصعود حزب “العمل” برئاسة إسحق رابين، تولّى نتنياهو زعامة “الليكود” خلفاً لإسحاق شامير وبات زعيماً للمعارضة، واشتهر بلعب دور كبير في التحريض على رابين بسبب التوقيع على اتفاقات أوسلو. في الانتخابات التي أجريت صيف 1996، بعد أشهر من اغتيال رابين، فاجأ نتنياهو الجميع عندما حقق فوزاً غير متوقع على زعيم حزب “العمل” شمعون بيريس.
في مطلع حكم نتنياهو، تفجّرت واحدة من أهم حلقات النضال الفلسطيني التي عرفت بـ”هبّة النفق”، والتي اندلعت في 25 سبتمبر/ أيلول 1996 احتجاجاً على قرار حكومة نتنياهو حفر نفق أسفل المسجد الأقصى، وهي الهبّة التي استشهد فيها 63 فلسطينياً وجُرح المئات، في حين قُتل 36 جندياً إسرائيلياً وجُرح عشرات آخرون. وبناء على تعليماته، نفذ جهاز “الموساد”، في 25 سبتمبر/ أيلول 1997، محاولة الاغتيال الفاشلة التي استهدفت رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” خالد مشعل في عمان.
خسر نتنياهو الانتخابات في 1999 لصالح زعيم “العمل” إيهود براك، وترك الحياة السياسية لبعض الوقت، بعدما تولى قيادة “الليكود” بعده أرئيل شارون. بعد تنفيذ خطة فك الارتباط وتفكيك المستوطنات وسحب جيش الاحتلال من قطاع غزة في 2005، اضطر شارون للانشقاق عن “الليكود” الذي عارض الخطة، وتشكيل حزب “كاديما”، وخلفه في رئاسة “الليكود” مجدداً نتنياهو.
في انتخابات 2009 هزم نتنياهو زعيمة حزب “كاديما” تسيبي ليفني وشكّل الحكومة للمرة الثانية في حياته، وبقي على رأس الحكم حتى الآن، معتمداً بالأساس على التحالف مع الأحزاب الدينية الحريدية، التي استرضاها عبر الاستجابة لمطالبها المتعلقة بمؤسساتها والقطاعات السكانية التي تدعمها، وأخذ بعين الاعتبار مواقف هذه الأحزاب عند سنّ القوانين ذات العلاقة بالدين والدولة.
اتسمت فترة حكم نتنياهو الطويلة بتشديد الحصار على قطاع غزة إثر فوز حركة “حماس”، وهو ما جعل حكوماته تشنّ ثلاث حروب على القطاع والعشرات من جولات التصعيد في غضون تسع سنوات.
وتشمل الحروب: 2012 التي استشهد فيها 175 فلسطينياً وجرح المئات، أغلبيتهم الساحقة من المدنيين، وحرب 2014 التي بلغ عدد الشهداء الذين سقطوا فيها 2139 وأكثر من 11 ألف جريح، وحرب غزة الأخيرة في مايو/ أيار الماضي، والتي استشهد فيها 253 فلسطينياً وجُرح مئات آخرون.
سياسياً.. لم ينخرط نتنياهو في محادثات سلام فعلية مع السلطة الفلسطينية، فيما أشرف في المقابل على توسيع المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة.
خارجياً.. تركّزت توجهاته على وضع حد لبرنامج إيران النووي. وفي خطاب ألقاه أمام الكونغرس الأميركي عام 2015، دان المفاوضات النووية التي كانت تجريها إدارة باراك أوباما مع إيران.
وما فشل فيه خلال عهد أوباما، نجح فيه مع وصول حليفه الأبرز دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، إذ دفع إدارة الأخير للخروج من الاتفاق النووي مع إيران، إضافة إلى طرح مشروع “صفقة القرن”. ولعل أهم النجاحات التي يتباهى بها نتنياهو تمكّنه من شق مسار التطبيع مع عدد من الدول العربية، إذ توصلت حكومته إلى أربعة اتفاقات تطبيع، شملت: الإمارات، البحرين، السودان والمغرب.
في المقابل.. هز نتنياهو استقرار النظام السياسي الإسرائيلي من خلال إصراره على التشبث بالحكم بعدما تم توجيه لوائح اتهام ضده في ثلاث قضايا فساد خطيرة، شملت: خيانة الأمانة، تلقي الرشوة، والاحتيال.
وعلى الرغم من أن العُرف السياسي في الكيان الإسرائيلي يلزم رؤساء الوزراء والنواب وكبار موظفي الدولة بالاستقالة فور تقديم لوائح اتهام ضدهم، إلا أن نتنياهو لم يرفض الاستقالة فحسب، بل عمد إلى جر الكيان إلاسرائيلي إلى أربع جولات انتخابية في غضون عامين.
وكان نتنياهو قد نجح بعد الإنتخابات الثالثة في إقناع بني غانتس بتشكيل حكومة يتناوبان على رئاستها، بدأت مهامها في مايو/ أيار 2020، ولكن مع إقتراب مهلة تسلّم غانتس رئاسة الحكومة، وجد نتنياهو فرصة لإفشال ذلك بعدم إقرار ميزانية الدولة، ما جعل الحكومة تنهار، لتتجه “إسرائيل” إلى انتخابات رابعة، فشل نتنياهو بعدها في الحصول على أغلبية لتشكيل حكومة جديدة.
وخلال كل الجولات الأربع، كان نتنياهو مصرّاً على أن توافق الأحزاب التي تشارك في أي ائتلاف يرأسه على تمرير جملة من القوانين التي تعفيه من المحاكمة، وأشهرها ما عُرف بـ”القانون الفرنسي”، الذي يعفي رئيس الوزراء من المحاكمة طالما كان في الحكم. وأدى تكتيك نتنياهو هذا إلى إعلان أحزاب من اليمين رفضها الانضمام إلى حكومة يرأسها، كما فعل حزب “يسرائيل بيتينو” برئاسة أفيغدور ليبرمان، وبعد ذلك حزب “تكفاه حدشاه” بزعامة جدعون ساعر.
كما عرفت فترة حكم نتنياهو بروز دور طاغٍ لزوجته سارة وابنيه أفنير ويائير. فبشكل يتنافى مع أعراف وتقاليد الحكم في الكيان إلاسرائيلي، تدخّلت سارة بشكل فجّ في الشأن العام، لدرجة أن وزراء وجنرالات أقروا بأن نفوذها وصل إلى درجة أنها كانت تجري جلسات استماع لبعض قادة الجيش وموظفي الدولة، الذين يرتبطون بشكل أساس بزوجها، وتصر على حضور الاجتماعات السرية التي تُعقد في المنزل الرسمي، لا سيما تلك التي يبلغ فيها رؤساء “الموساد” زوجها بنتائج العمليات التي ينفذها عملاء الجهاز في الخارج؛ كما أنها أدت دوراً مهماً في تحديد الكادر الوظيفي في ديوان رئيس الحكومة، لا سيما الكادر النسائي.
إحدى السمات الشخصية لنتنياهو، التي يجمع عليها الكثيرون في الكيان إلاسرائيلي، تتمثل بتمتعه بالقدرة على التأثير على أولئك الذين يحتك بهم، لدرجة أنه وُصف كثيراً بـ”الساحر”، وهو ما وظفه بشكل كبير في معركة البقاء. ولكن على ما يبدو فإن “السحر الشخصي” لم يعد كافياً لاحتواء رفض النخب السياسية في اليمين واليسار إستمراره في الحكم في أعقاب إصراره على مواصلة الحكم على الرغم من قضايا الفساد الخطيرة التي يتهم بها.
المصدر: العالم