يقول الخبر الأوّل أن الأسير الفلسطيني مجد بربر (45 عاماً) خرج من سجون الاحتلال الإسرائيلي يوم الاثنين في 29 آذار/ مارس 2021، بعد 20 عاماً قضاها وراء القضبان، بعيداً عن أهله وأسرته. عمّت الاحتفالات الجميلة حي راس العامود في القدس المحتلّة، حيث منزل بربر، واجتمع الرجل أخيراً بعائلته، وهو الذي كان قد ترك ابنته عن 15 يوماً فقط حين فارقها إلى محبسه، وعاد ليجدها ابنة عشرين.
الزغاريد والورود والأثواب الفلسطينية، ومعها الأَعلام ووسائل الإعلام أيضاً… كلهم حضروا في عرسٍ شعبي كبير، انتشرت صورٌ ومقاطع فيديو منه سريعاً على المواقع ووسائل التواصل الاجتماعي، لتنشر شيئاً من فرحٍ ندر إيجاده في هذه الأيام الموحشة…
بالتزامن، كان في حيفا شاب فلسطيني مصابٌ باضطراب نفسي، خرج إلى الشارع في نوبة حادة، فلمّا طلبتْ أمه الشرطة لنقله إلى المستشفى حتّى لا يؤذيه أحد ولا يؤذي أحداً، كان أن اختارت الشرطة الإسرائيلية قتله مجاناً بخمس رصاصاتٍ في الظهر! هيَ السهولة في إلغاء حياة إنسان – فلسطيني طبعاً – برمّتها والدوسِ على مشاعر الناس. فقط لأنهم يستطيعون وفقط لأنه فلسطيني…
يقول الخبر الثاني أنّ مجد بربر نفسه قد أُعيدَ اعتقاله مساء يوم الثلاثاء في 30 آذار/مارس 2021، من قبل الجنود الإسرائيليين! أي بعد نحو 24 ساعة من الإفراج عنه فقط، عقب اقتحام منزله في حي راس العامود، مع ما رافق الاقتحام من اعتداء على أهالي الحي والعائلة بالضرب والدفع، وسط إطلاق قنابل الصوت في المكان، وبعد أن كانت قوات الاحتلال قد منعت عائلة الأسير المحرر من تنظيم حفل استقبال له.
ولم ينتهِ النبأ هنا..
فالخبر الثالث يقول أنهم أعادوا الإفراج عنه يوم الأربعاء، بعد مرور ساعات على اعتقاله ثانية. فماذا يُفهَم من تصرفات الاحتلال هذه؟ تنغيص فرحة؟ ترهيب؟ زعزعة النفوس؟ رغبة متجددة بالعقوبة والتشفي وإظهار الغل؟ هي كل ما سبق…
جزءٌ من الإجابة كما يقول الأهالي: قتل الفرحة والتنغيص على العائلة.
لكن جزءاً أساسياً آخر يتعلق بمحاولتها الحثيثة قتل أي وجود سياسي جمعيّ في المدينة. الاحتفال بالأسير يعني الاحتفاء بفعله وطريقه وتاريخه النضالي، الأغاني والهتافات والزغاريد ليست مجرد “فرحة” عادية، هي موقف سياسي يعكس تبنياً لقيم ومفاهيم لا تريد لها “إسرائيل” أن تبقى في “عاصمتها الموحدة”، ولا تريد لها أن تتعمم على الناس فيزيد في نفوسهم تقديرها وإعلاؤها، وبالطبع لا تريد لصورة الأسير كمناضل أن تتعزز في أذهان الفتية الذين كثّفت أدواتها مؤخراً لتغييب وعيهم، ولا تريد للمجتمع أن يبقى ملتفاً حول هذه القيم. لذلك تضايقها الاحتفالات، كما تضايقها المظاهرات والفعاليات التي لا تجري تحت إذنها. تلك الاحتفالات تكسر كل محاولات “إسرائيل”، وتُعيد قضية الأسير إلى مركز الاهتمام، لا باعتبارها قضية شخصية تخصّه هو وعائلته فقط، بل باعتبارها قضية سياسية نضالية تخصّنا جميعاً.
فطوبى للاحتفالات التي تخرج خارج حدود السّور وتغلق الشوارع.