هل يُنَفّذ غانتس تهديداته بتدمير المُنشآت النوويّة الإيرانيّة دُونَ مُساعدة أمريكا وباستِقلالٍ عنها.. ومتى؟ وماذا تقول أحدث النظريّات العسكريّة الغربيّة في هذا الصّدد..!
بقلم/ عبد الباري عطوان
بقلم/ عبد الباري عطوان
أن يَنصُب جيش الاحتِلال الإسرائيلي لافتةً ضخمةً على الحُدود اللبنانيّة تقول “يلّي بيته من زُجاج لا يَرمي النّاس بالحجارة” فهذه قمّة “الصبيانيّة” بكُل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، فمِثل هذا “التّحذير” جائِزٌ قبل مئة عام، لكن أن يأتي في القرن الواحد والعشرين، وفي ذروة ثورة الاتّصال التكنولوجيّة، والأقمار الصناعيّة، و”السوشيال ميديا” فإنّ صاحب هذه “الفكرة” يحتاج إلى فَحصٍ لعقله عند أقرب طبيب نفسي، وبأسرعِ وقتٍ مُمكن.
فإذا كانت هذه “اللّافتة” تستهدف اللبنانيين و”حزب الله” على وجه الخُصوص، فإنّها اختارت الهدف الخطأ، وتعكس نظريّة الإسقاط في علم النفس، أيّ أنّ الإسرائيليين هم الذين بيتهم من زُجاج، ويُعانون من حالة رعب وارتباك “مُتضخّمة”، فاللّبنانيّون لم يعودوا يقذفونهم بالحِجارة وإنّما بصواريخٍ دقيقة جدا قادرة على تدمير بُناهم التحتيّة، المدنيّة والعسكريّة، في ساعاتٍ معدودةٍ، إذا تجرّأوا على شنّ حربٍ على لبنان..
وليس نحن الذين نقول هذا الكلام وإنّما الجِنرال الإسرائيلي المُتقاعد إسحاق بريك الذي قال إن ثلاثة صواريخ لحزب الله قادرة على إغراق إسرائيل في الظّلام لعدّة أشهر، خاصّةً إذا استهدفت محطّات الكهرباء، ناهِيك عن المِياه ومحطّات التّحلية والمطارات.
يبدو أنّ فيروس عدوى التّهديدات “الفارغة” العربي الذي تعافينا منه تقريبًا، انتقل إلى الجِنرالات الإسرائيليين، فقط كان القادة العرب، وحتى هزيمة حزيران عام 1967 يُهدّدون في العلن، ويُكبّرون حجارتهم فتأتي النّتائج كارثيّةً في ميادين القتال، أمّا الآن فبات الإسرائيليّون يقعون في مِصيَدة المُبالغة نفسها، ويُكثِرون من التّهديدات هذه الأيّام، وداخلهم يعلم جيّدًا أنّ الطّرف الآخَر، الأقل جعجعةً، وتهديدًا، لم يَعُد صيدًا سَهلًا، ويملك من أسبابِ القوّة الكثير جدًّا، وبِما يُمكّنه من الرّد المُزَلزِل.
الجنرال بيني غانتس وزير الدفاع الإسرائيلي، وبعد بضعة أيّام من التّهديدات العنتريّة لرئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي إفيف كوخافي خرج علينا بالأمس بتصريحاتٍ يُؤكّد فيها أنّ كيانه يقوم بشَكلٍ مُتواصل بتحديث مُخطّطاته لضرب المواقع النوويّة الإيرانيّة، وأنّ جيشه بات مُستَعِدًّا للقِيام بالهُجوم بشَكلٍ مُستَقلٍّ، أيّ بمَعزلٍ عن الولايات المتحدة، وجرى تحديد عدد من الأهداف، ولكنّ الخطط لم تكتمل بعد حتّى يتم تنفيذها.
التّذرّع بعدم اكتِمال الخطط حجّة العاجز، أو الخائف، و”الذي يُريد أن يَضرِب لا يُكبّر حجره”، فليتَفضّل الخواجة غانتس بضرب بنك الأهداف التي حدّدها جيشه سواءً في جنوب لبنان، أو في العُمق الإيراني، أو حتّى في قِطاع غزّة، وماذا ينتظر؟
الجِنرال كوخافي قائد الجيش الإسرائيلي قال إنّ امتِلاك “حزب الله” أكثر من 500 صاروخ دقيق خطٌّ أحمر لن تسمح به إسرائيل، وستُعلِن الحرب إذا تم تجاوزه، ونحن نسأله: كيف ستعرف أنّ “الحزب” تجاوز هذا الخط، أو لماذا لم تمنع إنتاج وامتِلاك هذه الصّواريخ، وتضرب مصانع تصنيعها وتجهزيها مُنذ فترة؟ وربّما يُفيد تذكيره بأنّ سلفه رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي السّابق اعتبر مُجرّد امتِلاك هذه الصّواريخ هو خطٌّ أحمر في حدّ ذاته ولم يفعل شيئًا خوفًا من التّبِعات الكارثيّة.
مجلة “ديفنس نيوز” البريطانيّة الشّهيرة المُتخصّصة في ميدان السّلاح بأنواعه كافّة، قالت في عددها الأخير إنّ التفوّق في ميدان الطّيران الحربي (إسرائيل) لم يَعُد يُدمّر الجُيوش ويَحسِم الحُروب في زَمنٍ قياسيّ بسبب تقدّم الدفاعات الجويّة أوّلًا، والصّواريخ الأرضيّة الباليستيّة الدقيقة في إصابة أهدافها ثانيًا، وضربت مثلًا بحرب أكتوبر عام 1973 عندما خَسِرَت إسرائيل 102 طائرة على الجبهتين المِصريّة والسّوريّة نظرًا لإطلاق أكثر من 1000 صاروخ مُتطوّر من طِراز “سام 6” في حينها.
لا نحتاج إلى هذه المجلّة لتأكيد قناعة راسخة لدينا بأنّ الحرب القادمة ستكون مُختلفة لأنّ إسرائيل ستُواجِه مَئات الآلاف من هذه الصّواريخ الباليستيّة، ومن أكثر من جبهةٍ في الوقت نفسه، ولكنّنا نلجأ إليها لأنّ بعض العرب لا يُصدّقون ما نقوله إلا إذا عزّزناه بالنّقل عن مصادر أو مجلّات غربيّة، على أساس نظريّة “كُلّ إفرنجي برنجي”، أمّا بالنّسبة للدّفاعات الجويّة الدّقيقة فإنّ إسقاط صواريخ “البانتسير” الروسيّة السوريّة جميع الصّواريخ التي استهدفت جنوب دِمشق هو تَحذيرٌ مُهم.
خِتامًا نقول إنّ صُراخ الجِنرالات الإسرائيليين المُتصاعِد هذه الأيّام يعود إلى شدّة ألمهم، لأنّهم يعلمون جيّدًا أنّ الإدارة الأمريكيّة الجديدة لن تخوض أيّ حرب ضدّ إيران لتبديد مخاوفهم المُتفاقمة، ورُضوخًا لإملاءاتهم، وتُفَضِّل سياسة الاحتِواء وليس المُواجهة مثلما فعلت إدارة أوباما، التي كان جو بايدن نائب رئيسها والعودة إلى الاتّفاق النووي بالتّالي، وهذا ما يُفَسِّر عوائهم المُتصاعِد، أيّ الإسرائيليين هذه الأيّام.
الشيخ نعيم قاسم، نائب الأمين العام لـ”حزب لله” الذي التقيته، واستمعت إليه، مُحاوِرًا لساعاتٍ في آخِر زياراتي لبيروت، رجل صادق ولا يميل مُطلَقًا إلى المُبالغة، ولا يحتاج إلى وضع لافتات ضخمة على الحُدود اللبنانيّة الجنوبية، لإيصال ردّه الأخير والصّارم على تهديداتهم الذي قال فيه “أيّ عُدوان إسرائيلي على لبنان فسوف نُرِي إسرائيل النّجوم في عزّ الظّهيرة”، حَذارِ من كلام الشيخ قاسم فهو يَعرِف الكثير الكثير.. والأيّام بيننا.