ما هي قصّة حِلف “الناتو الرباعي الشرق أوسطي” الجديد الذي سيتزعّمه نِتنياهو؟ وكيف سيكون ردّ مِصر على إبعادها من قِبَل حُلفائها الخليجيين لمصلحة إسرائيل..!
بقلم/ عبد الباري عطوان
تتصاعد حالة القلق التي تعيشها “إسرائيل” حاليًّا في ظِل تَعاظُم قوّة محور المُقاومة الذي تتزعّمه إيران، والأذرع العسكريّة غير الرسميّة الحليفة لها في المشرق العربي، ولهذا تسعى القِيادة الإسرائيليّة هذه الأيّام الى “تصدير” هذا القلق والرّعب إلى دُوَلٍ خليجيّةٍ من بوّابة تشكيل حِلف دِفاعي رُباعي جديد يحمل اسم “ناتو الشرق الأوسط”، يَضُم السعوديّة والإمارات والبحرين إلى جانبها.
الجِنرال أفيف كوخافي، رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، عبّر عن هذا القلق أمس عندما قال في تصريحاتٍ رسميّة “إسرائيل تُواجه تهديدات بشَكلٍ دائم، على أكثر من جبهة، تلعب فيها إيران دَورًا مِحوريًّا وتنشر الإرهاب، وتستخدمه ضدّ أهدافٍ مدنيّة”.
هذه التّهديدات مَبعثُ القلق التي لم يُشِر إليها الجِنرال كوخافي، وكانت تتَربّع على قمّة جدول أعمال اجتماع الوزارة الأمنيّة المُصغّرة الذي انعقد مساء الأحد الماضي برئاسة نِتنياهو وحُضور عدد من الوزراء والقِيادات الأمنيّة والعسكريّة الإسرائيليّة، يُمكن حصرها في النّقاط التّالية التي طافَت على سطح الأحداث في الأيّام القليلة الماضية:
الأوّل: تعرّض سفينة إسرائيليّة “إن في هيليوس راي” إلى هُجومٍ أثناء تواجدها في خليج عُمان، وكانت قادمةً من ميناء الدّمام السعودي، ممّا أدّى إلى إلحاقِ أضرارٍ بارزةٍ بها، وجرى اعتِبار هذا التّفجير الذي تتناقض الرّوايات حوله بين ألغام بحريّة أُلصِقَت بجانب السّفينة، أو قصف صاروخي لها، رسالة تحذير للدولة العبريّة بأنّ مِياه بحر العرب وباب المندب والخليج لم تَعُد آمِنَةً لسُفُنِها.
الثاني: ما كشفه الجِنرال فرانك ماكينزي قائد القيادة العسكريّة الأمريكيّة الوسطى في لقاءٍ معه في برنامج “ستّون دقيقة” الذي تبثّه محطّة CBS الأمريكيّة أنّ الصّواريخ الإيرانيّة التي قصفت قاعدة “عين الأسد” غرب العِراق انتِقامًا لاغتِيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس (11 صاروخًا و5 أُخرى قصفت قواعد أمريكيّة في أربيل في الوقتِ نفسه)، كانت على درجةٍ عاليةٍ من الدقّة وأصابت جميع أهدافها، ولولا أنّ القِيادة الإيرانيّة أبلغت نظيرتها العِراقيّة مُسبَقًا بهذا الهُجوم التي نقلته بدورها إلى القِيادة المركزيّة الأمريكيّة لكانت الخسائر البشريّة ضخمةً جدًّا.
الثالث: باتت القِيادة الأمريكيّة تُؤمِن أنّ تواجد سُفنها وحاملات طائِراتها في مِياه الخليج وبحر عُمان وباب المندب، لم تَعُد آمنةً للمِلاحة بشقّيها العسكري والمدني، لأنّها باتت في مرمى الصّواريخ سواءً الإيرانيّة، أو الحليفة لها في اليمن، وهذا ما يُفَسِّر الزّيارة المُفاجئة للجِنرال ماكينزي إلى ميناء ينبع شمال شرق السعوديّة على البحر الأحمر لاتّخاذه كقاعدة بديلة للسّفن وحامِلات الطّائرات الأمريكيّة، لبُعدها عن إيران.
الرابع: أصابت نتائج الغارة الإسرائيليّة على ريف دمشق الجنوبي فجر الاثنين القِيادة الإسرائيليّة بحالةٍ من الرّعب، لأنّها، وعلى غير العادة، لم تُحَقِّق أهدافها من حيث إيقاع خسائر بشريّة وماديّة في القوّات الإيرانيّة المُفتَرض وجودها..
والسّبب تزويد الحليف الروسي الجيش السوري منظومات صواريخ من طِراز “بانتسير ـ إس” و”بو إم 2″ المُتَطوّرة التي تَمكّنت من خِلالها بإسقاط مُعظم أو جميع الصّواريخ التي أطلقتها طائرات حربيّة إسرائيليّة من أجواء الجولان المُحتل، مجلس الوزراء الإسرائيلي الأمني المُصغّر الذي انعقد مساء الأحد، وحسب تقارير إعلاميّة، ربّما كان لا يعلم بوجود هذه المنظومات الدفاعيّة الروسيّة في حوزة الجيش العربي السوري، ولهذا كان لها وقع الصّاعقة لاحِقًا حسب تسريبات صحافيّة.
خامسًا: إصرار إيران على رفع العُقوبات الأمريكيّة كاملةً، ورفضها دعوةً أوروبيّةً لحُضور لقاء غير رسمي مع أمريكا في بروكسل قبل تنفيذ هذا الشّرط، وتهديدها برفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60 بالمئة، وتركيب أجهزة طرد مركزي حديثة في مُنشأة فوردو النوويّة من أجل هذا الغرض، ورفض التّعاون مع المُفتّشين الدوليين خاصّةً مع زِياراتهم المُفاجئة لمُنشآتها النوويّة، ممّا يعني أنّها ليست خائفة، وماضية قُدُمًا في خططها النوويّة، وربّما العسكريّة مِنها خاصّةً.
المِليونير رون لاودر رئيس المُؤتمر اليهودي العالمي يُعتبر من أبرز “المُبشّرين” لهذا التّحالف الرباعي، وبات المُنظّر له وشِبه النّاطق باسمه، وعبّر عن ذلك صراحةً في مقال نشره في صحيفة “Arab News” السعوديّة المملوكة للأمير تركي بن سلمان، نجل العاهل السعودي وشقيق وليّ العهد بن سلمان، وقال فيه “إنّه لمس من خِلال زياراته لعددٍ من الدول الخليجيّة حالةً من الرّعب من إيران، وعجز الغرب عن وقف تهديداتها العُدوانيّة الخطيرة على العرب والإسرائيليين معًا، ولذلك عليهما العمل معًا لإنقاذ “الشرق الأوسط” من التّسلح النووي الإيراني”.
لا نَعرِف ما إذا كان نِتنياهو سيكتفي بالغارةِ الأخيرة “الفاشلة” على مُحيط دِمشق ويعتبرها ردًّا على “استِهداف إيران” للسّفينة الإسرائيليّة المذكورة آنفًا، أمْ أنّه سيُقدِم على توجيه ضرباتٍ في العُمق الإيراني أو في أماكن أخرى تتواجد فيها لأنّه رفض الإجابة على أسئلة الصّحافيين في هذا الإطار، واكتفى باتّهام إيران بالوقوف خلف هذا الانفِجار في السّفينة، مُشدِّدًا أنّ قوّاته تضرب إيران في كُلّ المِنطقة، ولكنّ مَسؤولًا أمنيًّا إسرائيليًّا صَرّح لصُحف إسرائيليّة بأنّه “ليس هُناك مفر من الرّد على هذا التّفجير”.
السيّد مجبتي ذي النوري، رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجيّة في مجلس الشوري الإيراني (البرلمان)، قال ردًّا على هذه التّهديدات الإسرائيليّة “اسرائيل ليست بالمُستوى الذي تُريد إيران الدّخول معها في معركة، أمّا إذا ارتكبت خطأ فإنّها ستكون كتبت نهاية حياتها بنفسها، وقد لا نَجِد لها أثَرًا بعد نِصف ساعة من تطاولها على إيران”.
نُقطتان نُريد أن نختم بهما هذه المقالة:
الأولى: تحذيرنا للدول الخليجيّة الثّلاث من التورّط مع إسرائيل في “حِلف ناتو”، وعليها تقليص الخسائر على الأقل، والتَّعلُّم من دُروس اختِفاء دونالد ترامب وعرّابه جاريد كوشنر ووزير وخارجيّته مايك بومبيو من السّاحة السياسيّة الذين جرّوها إلى هذا المُستَنقع بعد توقيع اتّفاقات التّطبيع ومن ثمّ التّخلّي عنها، وتركها وجهًا لوَجهٍ مع إدارةٍ جديدةٍ بسِياساتٍ مُختلفة.
الثاني: أنّ إدارة الدول الخليجيّة الثّلاث المُطبّعة ظهرها لمِصر وإخراجها من هذا التّحالف لمصلحة إسرائيل سيكون خطأً استراتيجيًّا مُكلِفًا جدًّا، فمِصر لا يُمكن أن تقبل بالحِلف الجديد سياسيًّا، وعسكريًّا، واقتِصادها بدأ يقترب من الخُروج من عُنق الزّجاجة، وما زال جيشها يَعتبِر إسرائيل عدوًّا.
الرّد الإسرائيلي على الهُجوم على السّفينة في بحر عُمان، أو عدمه، سيُحَدِّد خريطة القِوى العسكريّة في المِنطقة، ووقائع المرحلة المُقبلة، ولهذا من الحكمة الانتِظار.