الاثار المدمرة للتكنولوجبا ووباء كورونا على الطبقة العاملة
3٬249
Share
أبين اليوم – مقالات
بقلم / د. اشواق محمد
بعد عام انكمش فيه الاقتصاد العالمي – باستثناء الصين – جراء انتشار وباء كورونا حيث تسبب بخسائر فادحة في البنية الاقتصادية والاجتماعية دفعت بالملايين نحو هوة الفقر ، فقد اشارت التقديرات الأولية إلى انخفاض بنسبة 4.4٪ في الناتج المحلي الإجمالي العالمي ، في نفس الوقت تمكنت الصين من تسجيل نمو بنسبة 2.3٪ ، وهو رغم أنه كان الأدنى منذ عام 1976 ، لكنه مع ذلك هو الاقتصاد العالمي الوحيد الذي نما خلال الأزمة. علاوة على ذلك ، تمكنت الصين من زيادة حجم رأس المال الاستثماري الأجنبي ، حيث اجتذبت أموالًا أكثر مما كانت عليه في عام 2019. لذلك ، في واقع الأمر ، لا تواجه الصين مسألة مباشرة تتعلق بـ “التغلب على” الأزمة. لكن الدول الأخرى في العالم مجبرة على تحديد خيارات مختلفة .
يوضح مثال الصين كيف يمكن أن يكون للصناعة المتطورة واتساق القرارات السياسية تأثير إيجابي على الاقتصاد. من الواضح أن الدول الأخرى في العالم بحاجة إلى تبني هذه الممارسة ..
ومع مرور عام 2020 وتوزيع اللقاحات يعتقد العديد من الاقتصاديين ان عام 2021 هو عام التعافي الاقتصادي لكثير من دول العالم التي عانت انكماشا اقتصاديا نتيجة الاغلاق والركود ، ويفيد البنك الدولي في تقريره ” الافاق الاقتصاديةالعالمية ” يناير 2021 على ان هذا الاغلاق ترك اثارا قاتمة قد يستغرق عقود للتغلب عليها ربما يتقلص فيه النشاط الاقتصادي والدخل لفترة طويلة .
من ابرز هذه الاثار تفاقم مشكلة عدم المساواة في الدخل ، فاولئك الذي يعملون في وظائف ذوي الياقة البيضاء كما هو الحال في قطاع التكنولوجيا اللذين يتقاضوا رواتب عالية لم يؤثرعليهم الاغلاق بل حققوا نتائج جيدة الى حد ما ، في حين العمال ومعظم وظائف ذوي الياقة الزرقاء ذوي الدخل المنخفض ، وخاصة في الصناعات الخدمية تعرضوا لاسوء الضربات ، فكثير من صناعات التجزئة وخدمات الطعام والصيانة تلقت الضربة الاكبر ، مما اثرعلى جزء كبير من الطبقة المتوسطة ، والتي كانت تعاني بالاساس من تكاليف غلو المعيشة هذا الوضع الاقتصادي المتدني للطبقة العاملة القى ظلاله القاتمة على الحياة الاجتماعية فقد انتشر الفقر ليطال 116 مليون فرد وارتفعت معدلات البطالة الى اقصى مستوياتها لاسيمابين الشباب لتصل نسبتها الى حوالى 27% نتيجة الاستغناء عن خدماتهم وتقليص فرص العمل – حسب تقرير الاسكوا – مما سبب في توسيع فجوة عدم المساواة بين طبقات المجتمع .
تقريرمنظمة العمل الدولية يوضح الصورة القاتمة لوضع الطبقة العاملة بالارقام ، وبحسب تقرير منظمة العمل الدولية فانه من المتوقع ان يشهد العالم تقليصا في الوظائف لنحو 225 مليون من الموظفين بعد فرض إجراءات الإغلاق الكامل أو الجزئي في العديد من الدول، وما حمله ذلك من تأثير على نحو 2.7 مليار عامل، أي 4 من بين كل 5 من القوى العاملة في العالم .
وأضاف أنه بالرغم من أن جميع المناطق في العالم تعاني من الأزمة التي تسبب بها الفيروس، شهدت الدول العربية وأوروبا أسوأ تأثير في مجال التوظيف من ناحية نسبية. وأكبر الخسارات من ناحية الأرقام تتركز في دول آسيا والمحيط الهادئ وهي أكثر المناطق المأهولة بالسكان في العالم . وقال غاي رايدر، مدير عام منظمة العمل الدولية، في تصريحات من جنيف، إنه في بداية العام وقبل أن يتفشّى كـوفيد-19 في العالم، 190 مليون شخص إلتحقوا بصفوف البطالة .
وأضاف أنه مع الصدمة التي أحدثها الفيروس، فمن “الواضح للعيان” أن عالم التوظيف يعاني “من تهاوٍ غير عادي على الإطلاق” بسبب تأثير الجائحة والتدابير المتخذة للتعامل معها.
ويشير مدير منظمة العمل الى ان اكثر القطاعات تأثرا بالجائحة هي قطاع الغداء والفنادق (157مليون) ، وقطاع البيع بالتجزئة والجملة (582مليون عامل) ، قطاع خدمات الاعمال والتجارة (157مليونا)، وقطاع التصنيع (463 مليونا) . وهي تشكل 37.5% من التوظيف العالمي ، ويشعر العاملون في هذه القطاعات أكثر من غيرهم الآن بحدّة تأثير الجائحة عليهم .
وأفاد تقرير منظمة العمل الدولية بأنه بصرف النظر عن مكان الإقامة في العالم وعن قطاع التوظيف، فإن الأزمة تلقي بآثار دراماتيكية على القوى العاملة في جميع أنحاء العالم .
واستعرض التقرير شواغل أخرى تتعلق بالدول ذات الدخل المنخفض إلى المتوسط، مشيرا إلى أن أكثر الخدمات والمصانع المتضررة تضم نسبة عالية من العمال ذوي الأجور المتدنية في العمالة غير الرسمية، مع وصول محدود إلى الخدمات الصحية وشبكات الأمان والرفاه التي تقدمها الحكومة. وقال التقرير: “بدون اعتماد سياسات مناسبة، يواجه العمّال خطر الوقوع في براثن الفقر وسيواجهون تحديات أكبر في العودة لأشغالهم خلال فترة التعافي.”
ويعمل نحو ملياري شخص في وظائف غير رسمية معظمهم في الدول النامية، وعشرات الملايين من العمّال الذين يعملون في الوظائف غير الرسمية تأثروا بسبب كوفيد-19 .
وفي المدن، يعمل الموظفون في قطاعات تعرّضهم لخطر انتقال العدوى، كما أنهم يتأثرون مباشرة بإجراءات الإغلاق، مثل البائعين الجائلين والعاملين في مجال خدمة تقديم الطعام وعمّال البناء والمواصلات والعاملين في مجال خدمة المنازل . تجدر الاشارة هنا الى ان هذا التقرير تم صياغته في منتصف عام 2020 مابعني ان الاحصاءات الواردة في التقرير تقتصر فقط على النصف الاول من 2020 ومع استمرار الاغلاق بسبب تفشي الجائحة فيبدو ان الوضع اصبح كارثيا ومأساويا لابعد الحدود .
ومما زاد الامر سوء حدوث الموجة الثانية للوباء فقد سببت الكثير من الاضطرابات والاستياء حيث خرجت مظاهرات في اجزاء متفرقة من دول العالم ترفض الاغلاق والتباعد الاجتماعي مطالبة الحكومات بالانفتاح الاقتصادي ،الا انه من الصعب ارجاع الامور الى طبيعتها الى ماقبل الوباء ، هذا الامر قد يشعل توترات كبيرة وتحركات شعبية ومنافسات شديدة فقد نرك الوباء ارثا اقتصاديا مخيفا على مستوى العالم .
خلص تقرير حديث لمعهد ماساتشوستس الامريكي للتكنولوجيا الى ان هذه الازمة ستؤدي الى تفافم الالم الاقتصادي -حسب ماجاء في التقرير-على المدى القصير والمتوسط بالنسبة للعمال الاقل امانا اقتصاديا ولاسيما في البلدان النامية . فبالرغم من الاجراءات الوقائية والحزم الوقائية التي اتخذتها كثير من دول العالم وضخ الكثير من الاموال لسد الثغرات في البنية الاثتصادية ،الاانها ليست حلول للمشكلات الاساسية خاصة ان الركود الناجم عن الوباء -على عكس معظم فترات الركود السابقة – اضر كثيرا الفئات ذات الدخل المتوسط والمحدود حيث افلست وانتهت كثير من الشركات الصغيرة وترك الاغنياء غير متاثيرين .
هناك ايضا تحدي اخر ستواجهه الفئات العاملة فرضها الوباء وهو حدوث تغييرات هيكلية في انماط العمل والاتجاه الى اتمتة العمل في قطاعات مختلفة وتبني المزيد من التقنيات الموفرة للعمالة للحد من اي اضطرابات في المستقبل نتيجة التباعد الاجتماعي وهذا يتطلب الحاجة الى برامج اعادة تدريب كبيرة ممولة، الامر الذي سيكون له في نهاية المطاف تأثير غير مناسب على الطبقات العاملة التي تكافح اصلا من اجل البقاء .
يتوقع معظم الاقتصاديين ان يعود 2021 بالنمو، وفقا لصندوق النقد الدولي من المتوقع ان يبلغ النمو العالمي 5,2%هذا العام .
وعلى الرغم من تفاؤل الاقتصاديون بحدوث نمو وانتعاش اقتصادي الاانه في الجانب الاخر يتصاعد عدم اليقين في السيطرة على مجريات الامور الاقثصادية ، فقد ترك عام 2020 وراءه مشاكل اجتماعية واقتصادية خطيرة وعميقة واثارا مدمرة على الاقتصاد العالمي الذي اساسا كان يعاني من قبل الوباء ازمات مالية واقثصادية كانت الطبقات المتوسطة وقليلة الدخل دوما في مقدمة ضحاياه .