بعد التّحسُّن المُتسارِع في العُلاقات التركيّة الإسرائيليّة وهُبوط أوّل طائرة “العال” في مطار إسطنبول.. هل ستكون حركة “حماس” كبش الفِداء؟ وماذا يعني خُروج جميع حُلفاء أردوغان من تركيبة السّلطة الجديدة في ليبيا..!
بقلم/ عبد الباري عطوان
تَزامُن هُبوط أوّل طائرة رُكّاب إسرائيليّة (العال) في مطار إسطنبول الدولي بعد قطيعة استمرّت 10 سنوات مع إنتخاب مجلس رئاسي ورئيس وزراء ليبي جديد في خِتام اجتماع الحِوار في جنيف ربّما كان محض الصّدفة، ولكنّه يَعكِس عمليّة تغيير مُتسارعة في مواقف الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان بعد الخسائر الكبيرة النّاجمة عن سِياسات خارجيّة اتّبعتها حُكومته في المِنطقة أعطت نتائج عكسيّة تمامًا، وزادت من عُزلَة تركيا.
اللّافت أنّ جميع حُلفاء أردوغان في المِلف اللّيبي، مِثل السيّد فايز السراج، رئيس المجلس الرئاسي، ووزير الداخليّة فتحي باشاغا، ووزير الدفاع صالح النمروش خَسِروا مواقعهم في تركيبة الحُكم الليبيّة الجديدة المُنتَخبة، ممّا يعني أنّ حُكومة “الوفاق” الإسلاميّة الطّابع، الحليف القويّ لتركيا، والتي وقّعت اتّفاقات استراتيجيّة اقتصاديّة وترسيم الحُدود البريّة مع أنقرة خَسِرَت أمرين رئيسيين:
الأوّل: صفتها الشرعيّة الدوليّة، والثّاني: تمثيلها للمنطقة الغربيّة الليبيّة حيث العاصمة طرابلس، والحديث باسم البِلاد في المحافل الدوليّة، وحتميّة ترحيل جميع القوّات السوريّة والأُخرى المُوالية لتركيا من البِلاد في المُستقبل المنظور.
هذا التّغيير المحوري في ليبيا سبقه تغييران على درجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة في خريطة تحالفات الرئيس أردوغان الإقليميّة، الأوّل اتّفاق المُصالحة، أو الهُدنة، بين قطر والدّول الأربع المُقاطِعة لها، وخاصّةً السعوديّة ومِصر، وسُقوط دونالد ترامب الحليف الأبرز لتركيا، وخُروجه من البيت الأبيض، فالرئيس الجديد جو بايدن حليف تاريخي للأكراد والأرمن، ويَكُنّ القليل من الودّ للرئيس أردوغان.
في ظِلّ هذه المتغيّرات الإقليميّة والدوليّة المُتسارعة، اختار الرئيس أردوغان فيما يبدو الانفِتاح على دولة الاحتلال الإسرائيلي، وقرّر إنهاء “القطيعة” معها، وأرسل رئيس جهاز استِخباراته هاكان فيدان إلى القدس المحتلّة لتحسين العُلاقات على الصّعد كافّة التجاريّة والأمنيّة، وجاهر بهذه الرّغبة في تصريحٍ له في شهر كانون الأوّل (ديسمبر) الماضي.
الإسرائيليّون “مُلوك الابتزاز” خاصّةً عندما يكون الطّرف الآخَر هو “طالب الودّ”، ولا يُقدّمون التّنازلات “مجّانًا”، ولهذا كان الرّد الإسرائيلي بتحسين العُلاقات وفتح صفحة جديدة “مشروطًا” بقطع عُلاقات تركيا بحركة المُقاومة الإسلاميّة “حماس”، وإغلاق مكاتبها في إسطنبول، ووقف جميع أنشطتها والسيبرانيّة “المزعومة” التي تشنّها خلاياها السريّة من الأراضي التركيّة.
صحيفة “التايمز” البريطانيّة نشرت قبل أسبوعين تقريرًا لمُراسلها في تل أبيب يكشف أنّ السّلطات التركيّة أبلغت حركة “حماس” بموقفها الجديد، وطالبت برحيل العديد من كوادرها، وحلّ بعض “الشّركات” والمنظّمات التّابعة لها، ووقف جميع أنشطتها انطلاقًا من الأراضي التركيّة، وبلَغ الأمر قمّته عندما احتجزت سُلطات مطار إسطنبول مسؤولًا في الحركة، ومنعت دُخوله، وأعادته إلى الجهة القادم منها.
ما يُؤشِّر على تجاوب السّلطات التركيّة للشّروط الإسرائيليّة استِئناف شركة “العال” الإسرائيليّة رحَلاتها إلى المطارات التركيّة، وتعيين الدكتورة إيرييت ليليان الخبيرة في الشّؤون التركيّة قائمةً بأعمال السّفارة الإسرائيليّة في أنقرة، وتوقّفت زيارات قادة حماس إلى إسطنبول، ونقل حِوارات المُصالحة الفِلسطينيّة إلى القاهرة، وغِياب الانتقادات الرسميّة والإعلاميّة التركيّة لاتّفاقات التّطبيع التي وقّعتها دول مِثل الإمارات والبحرين والسودان والمغرب.
خسارة تركيا لحُكومة الوفاق الليبيّة التي يُسيطِر عليها “إسلاميّون” من السّلطة، واستِحواذ مِصر مُجدَّدًا على مِلف المُصالحة بين حركتيّ “فتح” و”حماس”، واستِضافة الجولة الحاليّة من مُحادثات ترتيب البيت الدّاخلي الفِلسطيني، جميعها عناوين مُهمّة لبداية تراجع الدّور التركي في المِنطقة العربيّة، وهذا ما يُفَسِّر تحوّل الرئيس أردوغان إلى إحياء “القوميّة التركمستانيّة” والالتِفات إلى “الحِزام التركمستاني” الذي يمتدّ من إقليم الإيغور غرب الصين وحتى إسطنبول.
خِتامًا نقول بأنّ حُكومة العدالة والتنمية التي تُواجِه صُعوبات داخليّة وأزَمات اقتصاديّة باتت تَجِد مُعظم مصالحها في التّقارب مع دولة الاحتِلال الإسرائيلي حتى لو جاء هذا التّقارب على حِساب حركة “حماس”، وربّما هذا ما يُفَسِّر قُبول قِيادة الحركة بالمُصالحة مع السّلطة في رام الله، والقُبول بالانتِخابات الثّلاثيّة التّشريعيّة والرئاسيّة والمجلس الوطني تحت مِظلّة اتّفاقات أوسلو وشُروط رام الله.. والأيّام القادمة حافِلَةٌ بالمُفاجآت.. واللُه أعلم.