“تقرير“| كيف تنفق الوكالة الأمريكية للتنمية تمويلاتها الضخمة؟ وما وراء مساعي ترامب لتغيير نظامها الهيكلي..!
أبين اليوم – تقارير
بلغ إجمالي ميزانية الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية 43.4 مليار دولار في السنة المالية 2023، تحت غطاء المساعدات الإنسانية، وفقًا لدائرة أبحاث الكونجرس، فما حقيقة ذلك الغطاء؟، وكيف تنفق الوكالة هذه التمويلات الضخمة؟ وما الهدف الأساسي الذي يقف وراء مساعي ترامب من إعادة تشكيل النظام الهيكلي والإداري للمساعدات الخارجية؟
وحسب تقرير نشرته مجلة فوربس الأمريكية، تلقت حوالي 130 دولة مساعدات من الوكالة، حصلت أوروبا وأوراسيا على 40٪ من التمويل البالغ (17.2 مليار دولار)، فيما كانت أوكرانيا أكبر متلقٍ أجنبي لتمويلات الوكالة في السنة المالية 2023م، كما قامت الوكالة بتوزيع أكثر من 30 مليار دولار كدعم مالي مباشر لحكومة أوكرانيا بين العامين الماليين 2022 و2024، وفقاً لخدمة الإبلاغ في الكونجرس.
وقبل أن تتحول إلى شبكة عالمية ساهمت بفاعلية- تحت غطاء المساعدات الإنسانية- في بسط نفوذ أمريكا السياسي والعسكري والتجاري على مختلف دول العالم التي تشهد الصراعات، تأسست الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في عام 1961 على يد الرئيس جون كينيدي كوكالة مستقلة، وكان هدفها مزدوجاً، باطنه مواجهة النفوذ السوفييتي السياسي والاقتصادي أثناء الحرب الباردة، وظاهره إدارة برامج المساعدات الخارجية، استناداً إلى فكرة أن الأمن الأمريكي مرتبط بالاستقرار والتقدم الاقتصادي في الدول الأخرى. وفقاً لما نشرته شبكة إن بي سي نيوز الأمريكية.
– كيف تنفق التمويلات الضخمة:
تنفذ المنظمات غير الحكومية 52% من برامج الوكالة- التي يعمل فيها أكثر من 10 آلاف شخص، 30% منهم فقط يعملون في واشنطن- بينما تدير المنظمات الدولية العامة 34%، وتتحمل الحكومة الأمريكية مسؤولية حوالي 10% وتنفذ الحكومات الأجنبية حوالي 4%، وفقاً لدراسة أجراها مركز أبحاث الكونجرس حول تمويل الوكالة غير العسكري بين السنوات المالية 2013-2022.
ومن بين المنظمات الدولية العامة، التي تتشكل من خلال شراكة بين الحكومات الأجنبية، كانت مجموعة البنك الدولي هي المتلقي الأكبر للمساعدات غير العسكرية من الوكالة، حيث تلقت أكثر من 20 مليار دولار بين السنة المالية 2013 و2022، يليها برنامج الغذاء العالمي، الذي تلقى أكثر من 15 مليار دولار، كما استفادت من برنامجها خلال الفترة نفسها أكثر من 15 منظمة غير حكومية في مختلف البلدان، وفقاً لقائمة فوربس.
وحسب مجلة فوربس، حصلت الشركات التي تعمل على تحقيق الربح على 40% من إجمالي تمويل الوكالة للمنظمات غير الحكومية خلال فترة السنوات التسع التي شملها تقرير خدمة الكونجرس، حيث تلقت أربع منها ما لا يقل عن مليار دولار.
وحسب توصيف مركز أبحاث السياسات الاقتصادية “كوبر” الأمريكي، فإن مصطلح “المساعدات” يشمل أشياء كثيرة مختلفة: المساعدات الإنسانية وبرامج التنمية، والعقود والمنح، ودعم المنظمات المحلية والعقود بملايين الدولارات للشركات في عواصم البلدان المستهدفة من برامج الوكالة.
أكد المركز أن الغالبية العظمى من إنفاق الوكالة يذهب إلى منظمات أو شركات ليست في البلدان المتلقية، بل هنا في الولايات المتحدة، فشركة كيمونيكس إنترناشيونال الأمريكية- مثلاً- حيث تلقت حوالي 1.5 مليار دولار على مستوى العالم في السنة المالية 2024م كما يتركز في واشنطن نحو 3 آلاف من المتخصصين في التنمية، والذي يتوقع أن يفقدوا وظائفهم في الأسابيع المقبلة مع إجراءات ترامب.
وأشار المركز إلى أن حصة كبيرة من عقود التمويلات الضخمة مع تلك الكيانات والأذرع تعود مباشرة إلى واشنطن العاصمة التي تتركز فيها مقار كبرى الشركات غير الحكومية التي تعمل كأذرع استثمارية مع الوكالةـ كشركة كيمونيكس التي يتقاضى رئيسها التنفيذي راتباً سنوياً قدره 955 ألف دولار.
– هل هدف ترامب أخلاقي؟
يرى مركز “كوبر” الأمريكي أن هدف ترامب من إغلاق الوكالة أو ضمها إلى مظلة وزارة الخارجية الأمريكية، أبعد ما يكون عن الجانب التصحيحي الأخلاقي، فهي إجراءات تهدف لجعل مساعداتها أكثر وضوحاً سياسياً، بل لتكييفها وفق مصالح إدارة ترامب، في امتداد واضح لحقيقة تفيد بأن المساعدات الأمريكية الخارجية دائماً أقل فعالية من الناحية التنموية والإنسانية، مرجعين ذلك إلى كونها مصممة لتعزيز المصالح الأمريكية بدلاً من تلبية احتياجات أولئك الذين يكونون ظاهرياً على الطرف المتلقي.
وأكد المركز- في تقريره- أن المساعدات سياسية، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة، مشيراً إلى أن الوكالة كانت ركيزة من ركائز القوة الناعمة الأمريكية لأكثر من 60 عاماً. وقد يكون للمساعدات آثار سياسية بنيوية طويلة الأجل، ولكن هناك أيضاً تدخلات سياسية أكثر مباشرة مستدلاً على ذلك بما تقدمه الإدارة الأمريكية من دعم عيني للمنظمات السياسية التي تلعب أدواراً محورية في الانتخابات في كثير من البلدان، كما حصل في عام 2015 حيث قدمت الوكالة نحو 100 ألف دولار من الدعم العيني لمنظمة سياسية صريحة تدعم المرشح آنذاك ميشيل مارتيلي خلال العملية الانتخابية 2010/2011 في هايتي.
كما قدمت الوكالة منحة قدرها 17 مليون دولار أمريكي إلى الكونسورتيوم من أجل الانتخابات وتعزيز العملية السياسية، وذلك عبر ثلاثة كيانات هي: المعهد الديمقراطي الوطني، والمعهد الجمهوري الدولي، والمؤسسة الدولية للأنظمة الانتخابية، حسب مركز كوبر الأمريكي.
وتبعاً لذلك، استبعد المركز الأمريكي أن تؤدي التغييرات التي أعلنتها إدارة ترامب إلى تعطيل القوة الناعمة الأمريكية في الخارج حقا. بل على العكس من ذلك، فإنها ستجعل التدخل السياسي هدفاً أكثر وضوحاً للمساعدات الخارجية الأمريكية، وستجعل لغة المصالح والأموال والأرباح أعلى بكثير من لغة المساعدات والإغاثة.
– خلاصة القول:
إن الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية تتدثر دائماً بمعالجة مجموعة واسعة من الاحتياجات الإنسانية- التي لا يمكن أن تكون ملحة وضرورية إلا في زمن الصراعات التي تخلقها السياسات الأمريكية في تلك البلدان- كانعدام الغذاء وتعثر الوصول إلى المياه النظيفة، وصحة المرأة والطفل والعجزة والمنكوبين، وغيرها من الاحتياجات التي تتيح للوكالة الإحاطة بكل تفاصيل المجتمعات الثقافية والاقتصادية والإنتاجية، وصولاً إلى إحكام السيطرة على المجتمع وقتل ثقافة العمل في فئاته، وتحويله إلى مجتمع مستهلك لمنتجات القوة الاقتصادية الكبيرة في العالم (الولايات المتحدة الأمريكية)، وفقاً للمحللين.
المصدر: يمن إيكو