تحليل| هذه بعض كلفة الحرب.. فكيف بحرب الوجود والمصير..!

4٬925

أبين اليوم – تحليل 

تحليل/ د. ميخائيل عوض

حقق نتنياهو مكاسب سعى إليها مستخدماً ما تبقى لإسرائيل من عناصر قوة لم تتعامل معها المقاومة والجبهات بالمناسب لكسرها وافقاده قدرات العمل والبلطجة وتصوير نفسه وجيشه سوبر مان.

لإسرائيل عنصري قوة باقية؛ – الحرب السرية والاغتيالات والاختراق والحرب السيبرانية والكهرومغناطيسية.

– الذراع الطويلة والقدرة على الوصول والتدمير. وهي بكل حال ليست عناصر قوة لإسرائيل ولا من صنعها. بل للعالم الانجلو ساكسوني المهيمن والذي يقود الحرب ويخوضها مع وعن اسرائيل.

فان يخترق البيجر واللاسلكي وان يفجرها وان يضرب في الضاحية ويقتل قادة ومدنيين أمر طبيعي وعادي بل هو مسار الحروب قديمها وجديدها.

ان يسقط قادة كبار مؤسسون وان يتم اغتيال قادة الرضوان بخرق أمني وبضربة جوية في منطقة مكتظة سكانياً أمر اعتادته اسرائيل.

فهكذا هي الحروب.. فكيف بحرب اعلنها ويخوضها نتنياهو كحرب وجودية ووصفها السيد حسن نصرالله بحرب وجودية ومصيرية.

لا نقول هذا للتخفيف من هول ووطأة الخسارة الفادحة ولا للتطمين ولا لشد الازر والمعنويات،
نقوله؛ بناء لدراسة ومعرفة دقيقيه للحروب وتاريخها.

في سوريا استهدفت لجنة الأزمات بالتسميم ثم استشهدوا وهم قادة كبار واركان بفعل خرق وتفجير في مكتب الأمن القومي وهرب رئيس حكومة وقدم الجيش عشرات الضباط من رتبة لواء وعماد وضباط قادة وامراء وانشق المئات ولم تحسم الحرب ولم يكسبها الارهابيون ومعهم اسرائيل وامريكا وعرب ومسلمين ونجح الجيش والدولة بترميم الاوضاع وتصعيد قادة وخاضوا الحرب وانتصرت سوريا.

في الحرب العالمية الثانية غدر هتلر بستالين والاتحاد السوفيتي وشطب بأيام ملايين من الجيوش السوفيتية وقادتها وبلغ موسكو ثم هزم وانتصر الاتحاد السوفيتي وحرر برلين. هكذا يمكن رصد وعرض مئات التجارب والوقائع.

اذن؛ هي الحرب ومنطقها ومساراتها ووقائعها. فكيف بحرب مصير ووجود.

وفي تجربة المقاومة الاسلامية وفصائلها استشهاد القادة والمؤسسون أمر طبيعي، فهم يرغبون الموت شهداء وهم يعرفون انهم يقاتلون عدو شرس متمكن يده طويلة وحلفه كوني مهيمن واعتادت المقاومات وبنت نفسها عقائدية ومؤسساتية لتكون قادرة على التعويض فوراً والمتقدمون للقيادة ليسوا أقل شأناً وخبرة وايمان وقدرات بل دوماً يتقدمون وهذه من طبائع الحياة والاشياء والحروب.

ويذهب دارسون وباحثون لاعتبار استشهاد القادة الكبار والمؤسسون في انماط المقاومات عموماً وفي الإسلامية خاصة منه من الله وفرصة لتجديد القادة والعقول والبنى والهيكليات وفرصة لإبداع وباس الشباب المواكبون للعصر وادواته ومنظوماته وجديد ادارة الحروب.

ستمائة شهيد وثلاثة الاف جريح أو ما يقارب حصيلة حرب الاحدى عشر شهر نسبتهم من قدرات المقاومة المعلنة بسيطة وأمر طبيعي وثمن محسوب وأقل بكثير مما يحتسب في بنية وعقل وادارة المقاومة التي قررت ان تنخرط فيها وتزف الشهداء على طريق القدس.

هل يتخيل أحد ان تحرير القدس وانهاء وجود اسرائيل سيكون بكلفة بسيطة في الارواح والمجاهدين والعمران..؟

كم كلفت الحرب العالمية الثانية.. والحرب الجارية أكثر أهمية وتاريخية واعظم نتائج.. كم كلفت حرب تحرير الجزائر وفيتنام والصين وكم كلف تحرير أمريكا وحربها الأهلية..!

اما لماذا اصيبت المقاومة بهذه الكلفة فالاحتمالات والاسباب كثيرة وكلها طبيعية ومن مسارات ومنطق الحروب ومنها:

– قوة العادة والبيروقراطية والزمن الطويل والاعتداد بالنفس والثقة بالقدرات والامكانات وبتبخيس قدرات الخصم وهذه أيضاً منطقية واصيبت بها كل الجيوش والمقاومات التي خاضت حروب طويلة وبالجولات.

– عمر القادة المؤسسيين وتقاليدهم الموروثة وعاداتهم التي دأبوا عليها واسترخاصهم الموت وطلب الشهادة واعتدادهم بأنفسهم وبقوة وانتصارات مقاومتهم التي قادوها في ظروف وازمنة قاسية. فالعقل البشري كسول ويحب مناطق الراحة ولهذا ترتكب أخطاء يصطاد فيها الخصم ويضرب ضربته.

– الاختراقات الأمنية البشرية والتقنية في عالم المنتجات الذكية وادواتها والسيطرة المحكمة للصانعين والمروجين وكلهم خدم لإسرائيل، ومرور الزمن فعمر المقاومة أربعة عقود ونيف واستقرت وهي تحت نظر ومراقبة ومتابعة اسرائيل وكل أجهزة الأمن العالمية والمسيطرة فان تخترق طبيعي ومنطقي والاختراقات اصابت كل الجيوش والمقاومات عبر تاريخ الحروب وفي أعلى المراتب القيادية.

– أجهزة البيجر واللاسلكي الملغومة ووصولها ليد رجال وكوادر المقاومة حصل بفعل اختراق او خطأ او طمع المكلفين بالشراء وهذه خطيئة قاتلة فمن غير المنطقي ان تلوذ المقاومة بشراء اجهزة تواصل واتصال من السوق والشركات الاوروبية والاسيوية والتي كلها مخترقة وتعمل لصالح اسرائيل والتقصير هنا فاضح فايران التي صنعت النووي والفرط صوتي وتقدمت بالصناعات الفضائية والصاروخية والاقمار الصناعية والنانو تكنولوجي المنطقي انها لا تعجز عن تصنيع البيجر ومرادفاته واجهزة الاتصالات والصين وروسيا لمنتجاتها شهرة وشراء اجهزة اتصال المقاومة كان يجب ان يكون من حكومات وشركاتها وليس من السوق. على كل حصل الخرق او الطمع ووقعت الواقعة وكان لطف الله ورممت المقاومة بنيتها فوراً وهذه شهادة لها وخرجت من الكارثة سريعا.

– اجتماع قادة الرضوان في مبنى بالضاحية ليس محصناً وبرغم امتلاك المقاومة للأنفاق واستعراضها بفيديو رضوان ٤ خطأ إداري مكلف وقد أعلنت المقاومة أسماء شهدائها وزفتهم وتفاخر ولم تخفي الحقيقة وهذه شهادة لقدراتها وتمكنها وتأكيد أن الضربة على شدتها وكلفتها لم تكسر ظهرها والقول صحيح؛ الضربة التي لا تقتلك تقويك. وايضا هذه أخطاء وهفوات من منطق الحياة.. فكيف بالحروب والوجودية.

– الخسائر الفادحة وخاصة في الكوادر والقادة خلال الأحد عشر شهراً التي تكبدتها المقاومة لاحد سببين؛ الأول؛ وهو الارجح انها قررت عن سبق تصور وتصميم التضحية من رجالها وقراها وبيئتها حماية للبنيان وشعبه وسعت لحصر الحرب في جغرافية وبيئة محدودة كي لا يتكبد لبنان وبنيته التحتية الخسائر وقد اعلنها السيد نصرالله بصراحة ووضوح وفيها شهادة لوطنية واجتماعية وعقائدية المقاومة بصفتها غير مسبوقة في تاريخ البشرية.

– السبب الثاني؛ ان تكون ضللت نفسها واحلت رغبتها بتعريف الحرب واعتمدتها كحرب جولات وتحت السيطرة ولم تأخذ اعلانات نتنياهو وتوصيفه لها بأنها حرب وجودية على محمل الجد.. وهذا خطأ قاتل سبق ان ارتكبته جيوش ودول ومقاومات ومن غير المستبعد بل الارجح في واقع الحرب وفي اعلانات السيد حسن نصرالله بأنها حرب وجودية ومصيرية وتزف الشهداء لأول مرة على طريق القدس فقد تكون ادركتها ووصفتها كحرب وجودية لكنها قررت ان تضلل العدو استراتيجياً وان تطمن الشعب اللبناني وان لا تثير العواصف والتهويل والرهاب والا تعطي المتربصين بها ذرائع للتشهير وتحميلها مسؤولية نتائجها وخسائرها وبطبيعتها الايمانية والولائية تسعى لتحصيل المظلومية لتبرير انخراطها العاصف عندما تزف ساعتها وهي قررت وسعت لتكون حرب استنزاف حتى تنضج شروط العصف والحسم والزحف الى القدس.

في كلتا الحالتين هي بوعي واقدام واستعداد للتضحية ادارتها على الشاكلة التي جرت وعندما لا تعلن حالة الحرب وعندما لا يعاد هيكلة البنية والادارة والقيادة في حالة الحرب ستقع الاخطاء وسيبقى القادة والكوادر مكشوفين وبرغبة حصر منطقة العمليات سيكون لإسرائيل وقدراتها التقنية التجسسية السيطرة والقدرة على اصطياد القادة والكوادر وهذا ثمن تعرفه المقاومة ولا يغيب عن بال استراتيجييها ومخططيها وقررت ان تدفعه عن سبق تصور وتصميم.

خلاصة القول؛ للحرب كلفة ومنطق ومسارات وهفوات واخطاء وتضحيات وهي جولة لك وجولة لعدوك وخسارة جولة لا تعني خسارة الحرب.

وعندما تكون الحرب وجودية ومصيرية تكون مخاطرها وتكلفتها هائلة وغير محسوبة فهي بمثابة حرب حياة او موت من يتقدم لها او تفرض عليه يجب ان يخوضها بتصميم وبلا حساب للكلفة والتضحيات ففي كل الحروب يسأل القادة عن النتائج وليس عن المسارات والشدة والمدة وكم سقط من البشر ومن القادة وكم دمر من العمران.

المقاومة بعد ما صمد أحد عشر شهراً وثبت ان نتنياهو يخوضها بلا تردد كحرب وجود صار لازماً عليها ان تتعامل معها كحرب شاملة عاصفة لا هوادة فيها ولا ضوابط أو قواعد أو خطوط حمراء، فكل شيء مباح والهدف الوحيد هو انتزاع النصر بأي ثمن وتالياً يجب أن تكيف بنيتها وادارتها وخوضها على أنها حرب وجود.

بات على المقاومة ان تفعل تكتيكات جديدة وان تستخدم جديد السلاح والتشكيلات وان ينصب جهدها لكسر آخر عناصر قوة اسرائيل وافشالها ففي ذلك كسب الحرب وتحقيق النصر وتقليص الزمن والخسائر.

عناصر قوة اسرائيل الباقية تكسر وتصفى بالاشتباك من مسافة صفر وبمسك العدو من الحزام وبالاشتباك البري المباشر رجل لرجل  وليس فقط بالتقاصف ومحاولات حصر مسرحها بمناطق محدودة فكما ضربت اسرائيل حيث طالت يدها وستزيد وستكثف ضرباتها كماً ونوعاً وتصعد، على المقاومة ان تفعل بالمثل ولها باع طويلة.

– تنسيق فاعلية الجبهات وتفاعلها ورجم عمق الكيان بالصواريخ والمسيرات وبصورة متواترة ومستدامة وتنشيط دور جبهة اليمن والفرط صوتي والعراق والجولان أصبح ضرورة وواجب.

– تفعيل سلاح العبوات والاستشهادين في عمق مدن ومؤسسات الكيان بات واجباً للفعل وليس للتهديد والتلويح والردع.

– عمليات الاختراق والسيطرة على المواقع والمستوطنات سلاح فعال وكاسر والمفترض ان المقاومة قادرة ومستعدة واعدت قوتها وسلاحها لهذه المهمة ولا يجب التأجيل.

المبادرة الهجومية ومغادرة الدفاعية والمفاجأة والمبادئة تكتيكات أصبحت لازمة واستوجب زمنها فقد قرر نتنياهو التصعيد والعصف ويتدرج فيها ولن تثنيه إلا القوة والعصف المفاجئ.

طالما وعدنا السيد حسن وهو صاحب الوعد الصادق بالمفاجآت وبالميدان وبما ترونه، لا تسمعونه ومن يضحك أخيراً وبالميدان والايام والليالي وكلها استحق زمنها وبات لازماً تحقيقها.

من المؤكد وهذا ما تقوله وقائع الحرب والميدان ان كل شروط وبيئات وفرص وامكانات انتزاع النصر وحسم الحرب بيد ولصالح المقاومة والمحور وزمن حرب الاستنزاف قد شارف ان ينتهى وقد حقق ما يستطيع والمبتغى.

انه زمن العصف والرد اللاجم والكاسر والمقاومة لها وقد اعدت واستعدت ولن تثنيها التضحيات الجسام واستشهاد القادة والاختراقات ولا ولم تكسرها الحرب الكهرو مغناطيسية والغدر الاسرائيلي.

ما دفعته المقاومة وما جرى في الأيام الأخيرة أحداث واخطاء وخسائر من طبائع الحرب ومسارتها ولم تكسر ظهر المقاومة ولا اضعفتها.

زمن الرد والحسم والعصف، والاهم زمن المبادرات والمفاجآت من المقاومة لتنقلب الصورة وتنكشف إسرائيل وجيشها على الهزال والضعف وتبدأ الخسارة.

إنها أيام التضحيات والعز وانتزاع النصر.
زمن الوفاء للشهداء وتحقيق الوعد.

كاتب ومفكر ومحلل سياسي لبناني.

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com