عطوان: “فتح الجديدة” تتمرد على عباس وسلطته وتنضم كتائبها بقوة الى ثورة الضفة المسلحة وتؤكد وحدة الساحات بشجاعة.. ماذا وراء هذا الانقلاب غير المفاجئ؟ وكيف ستكون انعكاساته على النشامى في الجيش الأردني؟ وهل سيرحل الرئيس الفلسطيني قريبا.. والى اين..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
تحليل/ عبدالباري عطوان:
تشهد الضفة الغربية هذه الأيام ثورة مسلحة متفجرة وغير مسبوقة، ضد الاحتلال الإسرائيلي في تلاحم مشرف لوحدة الساحات داخل فلسطين المحتلة، والتكامل السياسي والعسكري والمعنوي بين القطاع والضفة.
الضفة الغربية هي المقتل الأساسي لدولة الاحتلال، وانتفاضتها المسلحة الجديدة، واسلحتها المتطورة، وصلابة شبابها المقاتلين كلها تشكل نقطة تحول أساسية في الصراع العربي الإسرائيلي، وتشريع وتسريع انهيار المشروع الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة وبداية مسيرة التحرير من النهر الى البحر بقوة وزخم اعجازيين.
ما يميز الضفة عن القطاع ان الأولى متداخلة مع الاحتلال ومستوطناته، ومساحتها اضعاف مساحة القطاع التي لا تزيد عن 150 ميلاً مربعاً، وانتفاضتها المسلحة الأولى التي انطلقت عام 2000 بعد فشل لقاء كامب ديفيد “المصيدة”، استمرت 4 سنوات وجعلت الإسرائيليين وقيادتهم تستنجد بطوب الأرض لإيقافها، وهو ما حدث للأسف، لرضوخ الرئيس الراحل ياسر عرفات للضغوط وابتلاعه طعم الخديعة الصهيونية بتشجيع عربي ودولي.
الجديد ليس وحدة الساحات فقط، والتضامن بالرصاص مع قطاع غزة ومجاهديه، وانما وحدة الفصائل أيضاً، والتنسيق الكامل وعلى كل المستويات فيما بينها، وتجاوز سلطة أوسلو وإسقاطها، وسحب “الشرعية” المغشوشة التي تتستر خلفها.
عندما تنزل كتائب شهداء الأقصى جنباً الى جنب الى الميدان بقوة، مع كتائب القسام، (حماس) وسرايا القدس (الجهاد الإسلامي)، ومقاتلي وحدة أبو علي مصطفى (الجبهة الشعبية)، فهذا يعني ان حركة فتح الجديدة، نزلت الى الميدان بقوة، واستجابت مع الدعوات للنفير الأكبر، الأمر الذي سيؤدي الى مواجهات ميدانية بطولية قد تتواضع امامها نظيراتها في القطاع، وجعل نتنياهو يعض أصابع يديه ندما وحسرة، ومعه كل جنرالاته.
حركة فتح هي الأقوى في الضفة الغربية، واشتراكها في القتال ضد الاحتلال في شمال الضفة تحديداً، يعني تمزيقها لعباءة أوسلو السوداء الكريهة، وعودتها الى ينابيعها الأولى، وإرثها القادم المشرف، أي اللجوء الى الكفاح المسلح كطريق وحيد لتحرير فلسطين كل فلسطين.
نزول شهداء الأقصى الفتحاوية وشبابها وتأسيس شقيقتيها أبو علي إياد، وعرين الأسود، الى ميادين القتال لا يعني نهاية سلطة العار فقط، وانما تفكك قواتها الأمنية (60 الفا) والتحاق أعداد كبيرة من رجالها وبأسلحتهم، خبراتهم، بكتائب المقاومة والتمرد على قيادة سلطة أوسلو، ووضع حد لأكبر خيانة في التاريخ الفلسطيني، أي الدفاع عن الاحتلال ومستوطنيه ووأد المقاومة مقابل خديعة كبرى اسمها حل الدولتين.
استخدام العدو الإسرائيلي للطائرات المروحية والمسيّرات في اليومين الماضيين للمرة الأولى منذ بداية الاحتلال للتصدي للانتفاضة المسلحة وكتائبها في جنين وطولكرم ونابلس ومخيماتها وقراها، يعكس محاولة يائسة لإستعادة السيطرة المتآكلة، والردع المنهار، وأجهزة الامن الفاشلة، اليس عارا على دولة الاحتلال وجيشها وتسليحها الأمريكي الاحدث الذي كلف مئات المليارات، وكل أجهزتها الأمنية ان تفشل في السيطرة على مخيم جنين الذي لا تزيد مساحته عن كيلومتر واحد مربع، بعد اقتحامه أكثر من 13 مرة حتى الآن بالدبابات والمدرعات؟
المسألة ليست مسألة سلاح حديث متطور، وانما مسألة إرادة، وصلابة والتصميم على المقاومة حتى هزيمة الاحتلال وانهائه، بعد نفاذ صبر استمر أكثر من 30 عاما منذ توقيع اتفاقات أوسلو، ألم يكافئ الاحتلال ابناء الضفة على صبرهم والتزام السلطة بأوسلو بإبتلاع الضفة وتسمين مستوطناتها بأكثر من 800 الف مستوطن، وفوق هذا وذاك تصاعد الاقتحامات للمسجد الأقصى، ووضع حجر الأساس السياسي لإقامة كنيس هيكل سليمان في باحته؟
انتفاضة الضفة الغربية المسلحة التي تعانق شقيقتها في قطاع غزة بالدم والشهداء، انطلقت ولن تتوقف وقد تمتد الى المناطق المحتلة عام 48 الا بتحرير جميع الأراضي الفلسطينية، فهي تملك أهم عنصرين لتحقيق هذا الهدف السامي: السلاح والإرادة، وطول طوابير الشهداء.
العمليات الاستشهادية في العمق الإسرائيلي المحتل عائدة بقوة، وستسير على نهج شقيقتها الأولى التي كانت “درة تاجها” حسب توصيف قادتها، وجعلت شمعون بيريز رئيس الوزراء في حينها يرفع رايات الاستسلام البيضاء، ويستجدي وقف العمليات الاستشهادية هذه مدة أسبوع فقط دون جنازات للتوصل الى حل سياسي تقوده خارطة طريق لدولة فلسطينية مستقلة.
الضفة الغربية تتحول بشكل متسارع الى غابة أسلحة، وتكنولوجيا انتاج الصواريخ في غزة بدأت تتسرب الى مصانعها تحت الأرض، ومدافع الهاون التي يمكن ان تصل قذائفها الى كل المدن والمستوطنات بسهولة بدأت عملية تصنيعها محليا، ونشامى الجيش الأردني أحفاد القائد العظيم المشير مشهور حديثة الجازي، بطل معركة الكرامة لن يقفوا على الحياد، ولن يتحولوا الى حماة لبن غفير ومشروعاته بتصفية المقاومة وإقامة الكنيس على أنقاض الأقصى في تحد وقح للوصاية الهاشمية المتبخرة، والامتين العربية والإسلامية.
اذا كان الشمال الفلسطيني المحتل قد أصبح خاليا من المستوطنين بسبب صواريخ المقاومة الإسلامية اللبنانية (حزب الله)، وهرب معظم أمثالهم من مستوطنات غلاف قطاع غزة بعد عملية “طوفان الأقصى”، فإن الدور لرحيل نظرائهم في الضفة الغربية شمالها وجنوبها قد بدأ يتسارع، فإسرائيل الصغرى تنكمش، والكبرى أصبحت وهما.
انها معجزة “طوفان الأقصى” التي انطلقت من قلب حصار قطاع غزة، وها هي تمتد الى الضفة، ومنها الى معظم العواصم العربية، ان لم يكن كلها، ولن يكون الرحيل مقتصرا على مستوطني الاحتلال، وسيشمل حتما كل القيادات العربية المتواطئة معهم سرا وعلنا وراهنت على حمايتهم ودولتهم.. والأيام بيننا.
المصدر: رأي اليوم