عطوان: ما هي الأسلحة الجديدة التي هدّدت إيران باستِخدامِها في مُواجهة أيّ اعتداءٍ إسرائيليّ؟ خمس حقائق تُؤكّد أنّ الصّواريخ الإيرانيّة وصلت أهدافها وتُكذّب الرّواية الإسرائيليّة.. ما هي؟ وما هو العرض الأمريكي الذي رفضته طهران لعدم الرّد على الرّد الإسرائيليّ القادم..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
تحليل/ عبدالباري عطوان:
كثيرون في الوطن العربي والعالم الإسلامي يتمنّون أن يُقدم بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي على إرسال طائراته الحربيّة وصواريخه لقصفِ أهدافٍ في العُمُق الإيراني ردًّا على الهُجوم الإيراني النّاجح سياسيًّا واستراتيجيًّا بالصّواريخ والمُسيّرات على أهمّ قاعدتين جويّتين إسرائيليّتين في النقب ليلة السبت الماضي.
هذا الرّد الإسرائيلي لو حدث سيعني ردًّا إيرانيًّا بصواريخ فرط صوت ومُسيّرات أكثر تقدّمًا وأكبر قُدرات تدميريّة، وربّما توسيع دائرة الحرب، ودُخول أذرع محور المُقاومة إلى الميدان خاصَّةً “حزب الله” في جنوب لبنان، والحشد الشعبيّ في العِراق، و”أنصار الله” في اليمن، ومن غير المُستَبعد دُخول الجيش السوري أيضًا.
الهُجوم الإيراني الأخير أكّد انهيار الرّدعين الإسرائيلي والأمريكي، وجعل من إيران دولة مُواجهة مُباشرة، وليس بالإنابة، مع دولة الاحتِلال، ودليلنا أن القيادة الإيرانيّة بأفرُعِها الثّلاثة: الروحيّة والسياسيّة والعسكريّة، مَضَتْ قدمًا في الهُجوم، ولم تعر التّهديدات الإسرائيليّة والأمريكيّة أيّ اهتمام.
نشرح أكثر ونقول إنّ ثلاث قِوى عُظمى غربيّة (أمريكا وبريطانيا وفرنسا)، إلى جانب إسرائيل والأردن، شكّلت صواريخها الاعتراضيّة “حائط صد” في مُواجهة 360 صاروخًا باليستيًّا، ومُسيّرة انتحاريّة، أطلقتها إيران لقصف العُمُق الاسرائيلي، وكانت النّتائج مُخيّبةً لآمال أصحابها، فنِصف هذه الصّواريخ والمُسيّرات وصلت إلى أهدافها على الأقل، وفشلت القبب الحديديّة وصواريخ “الباتريوت” والدّفاعات الجويّة في إسقاطها جميعًا، وهذه هزيمة كُبرى للسّلاح الأمريكي والأوروبي قد يُؤدِّي إلى بوار أسواقه، وانفِضاضِ الزّبائن، والهرب منهم خاصّة.
فإذا كانت صواريخ وقبب هذه الدّول الثّلاث العُظمى، إلى جانب إسرائيل والأردن أسقطت 99 بالمِئة من الصّواريخ والمُسيّرات الإيرانيّة، والإضرار التي ألحقتها بالقاعدتين الجويّتين المُستَهدفتين، كانت محدودةً جدًّا مثلما تقول البيانات الرسميّة الإسرائيليّة، فلماذا تُقدم السّلطات الإسرائيليّة على الرّد، وتُعرّض كيانها لردٍّ إيرانيٍّ بقُدراتٍ تدميريّةٍ أكبر، وإذا كان هذا الزّعم صحيحًا، أي إسقاط جميع الصّواريخ والمُسيّرات، فلماذا لا تسمح للصّحافة ومحطّات التّلفزة العالميّة لزيارة هاتين القاعدتين بعد وقوع الهُجوم الإيراني مُباشرة؟
هناك خمسة أدلّة تُؤكّد أنّ الهُجوم الإيرانيّ أصاب “إسرائيل” في مقتل:
– الأوّل: تلألأت سماء فِلسطين المُحتلّة بصُورٍ حيّةٍ لعشرات المُسيّرات والصّواريخ الإيرانيّة بعد وُصولها إلى أجوائها، وشاهدها الملايين في الضفّة والقطاع بأعينهم المُجرّدة، فكيف وصلت هذه الصّواريخ والمُسيّرات إذا جرى تدمير 99 بالمِئة منها، ولم تخترق حائط الصَّد الخُماسي الأمريكي الفرنسي البريطاني الإسرائيلي الأردني وصواريخه وقببه المنصوبة في الأردن؟
– الثاني: لماذا هرع مِئات الآلاف من المُستوطنين الإسرائيليين إلى الملاجئ في حالةِ ذُعرٍ غير مسبوقة إذا كانت هذه الصّواريخ لمْ تَصِل إلى الأجواء الفِلسطينيّة المُحتلّة.
– الثالث: الصّحافي الإسرائيلي رونين بيرغمان المُقرّب من “الموساد” أكّد نقلًا عن عُضو في حُكومة الحرب المُصغّرة أنّ الدّمار الذي أحدثته هذه الصّواريخ والمُسيّرات الإيرانيّة كان ضخمًا جدًّا، ولوْ شاهد الإسرائيليّون لقطات حيّة له، لهرب 4 مليون منهم فورًا.
– الرابع: تأكيد صحيفة “لوفيغارو” الفرنسيّة الشّهيرة أن فاعليّة “عقيدة الضّاحية” الإسرائيليّة قد انتهت بالفعل، بعد الهُجوم الإيراني الذي قصف “العُمُق الإسرائيلي” وهي العقيدة التي اعتمدها الجيش الإسرائيلي كاستراتيجيّة بالتّدمير المُمنهج للضّاحية الجنوبيّة في بيروت في تمّوز (يوليو) عام 2006، وتتلخّص باستِخدام قُوّة نار ضحمة جدًّا وغير مُناسبة مع مصدر التّهديد، وتسوية كاملة للبُنَى التحتيّة بالأرض بهدف تأليب الحاضنة الشعبيّة ضدّ المُقاومة.
– خامسًا: أكّد جلعاد اران سفير إسرائيل في الأمم المتحدة أنّ الهُجوم الذي نفّذته إيران شكّل خطرًا على المسجد الأقصى، ولوّح بمقطع فيديو يتضمّن صُورًا لصواريخٍ إيرانيّة فوق المسجد، فكيف وصلت هذه الصّواريخ إلى القدس المُحتلّة، وقواعد النّقب الجويّة، إذا جرى اعتِراضُ 99 بالمِئةِ منها؟
السُّؤال الذي يطرح نفسه بقُوّةٍ، وتتفرّع عنه أسئلة أُخرى هو: هل جاء تخلّي إيران عن سياسة النّفس الطّويل، والصّبر الاستراتيجي على الهجمات الإسرائيليّة سواءً باغتِيال العُلماء، أو عبر عمليّات التّفجير الإرهابيّة داخِل إيران، أو باستهداف مُستشاريها في سوريا وخارجها، للمُضِيّ قدمًا بمشروعها النوويّ، هل جاء هذا التخلّي بعد أنْ حقّق هذا المشروع أهدافه في الوصولِ إلى أسلحةٍ نوويّة؟
قبل أربع سنوات تقريبًا أكّد أنتوني بلينكن وزير الخارجيّة الأمريكي، وبعد أسابيع معدودة من تولّيه منصبه أن إيران أصبحت دولة حافّة نوويّة، وباتت على بُعد بضعة أشهر من إنتاجِ رُؤوسٍ نوويّة، فهل صدقت نُبوءته فعلًا، واستطاعت إيران الوصول إلى أهدافها، في ظلّ توسّعها في رفع مُعدّلات التّخصيب المُعلنة إلى أكثر من 60 بالمئة، ومنع المُراقبين التّابعين لهيئة الطّاقة النوويّة الدوليّة من دُخولِ مُنشآتها، وخلع جميع كاميراتها؟
عمليّة “الوعد الصّادق” تَجُبّ كُل ما قبلها وتُؤرّخ لمُستقبلٍ مُشرق، وبداية النّهاية للسّرطان الإسرائيلي في المِنطقة، بل والعالمِ بأسْره، وهذا ما يُفَسِّر استيعاب واشنطن هذه الحقيقة، وإعلان الرئيس بايدن أنّه لن يُشارك في أيّ هُجومٍ إسرائيليٍّ على إيران لأنّه يعرف ما ينتظر قوّاته وقواعده في الشّرق الأوسط في حالِ إقدامه على هذه المُشاركة.
وصلتنا معلومات غير مُتأكّدين من صحّتها نشَرها موقع مُقرّب من إيران معروفٌ بنشرِ تسريباتٍ دقيقة تقول “إنّ أمريكا اتّصلت بايران عبر وُسطاء عرب تطلب السّماح لإسرائيل بضربةٍ رمزيّةٍ تستهدف أهدافًا إيرانيّة لإنقاذ ماء وجهها، وكرَدٍّ على الهُجوم الإيرانيّ الثّأريّ، وتمنّت أمريكا على إيران عدم الرّد”، فكان ردّ إيران الذي حمله الحرس الثوري إلى “السّفير” السويسري في طِهران بالرّفض المُطلَق، والتّأكيد على أنّ الرّد على أيّ هُجومٍ إسرائيليٍّ، رمزيًّا كان، أو غير رمزي، سيكون ساحقًا وأضخم بكثير من الهُجوم الأخير.
“الوعد الصّادق” الذي غيّر جميع المُعادلات، وبشّر بفجرٍ إسلاميٍّ جديد جاء ليُؤكّد ويُجَدِّد عمليًّا وعد الإمام الخامئني لقادة حماس والجهاد الإسلامي الذين التقوه قبل أسابيع في طِهران بأنّ المُقاومة لنْ تُهزَم، وأنّ غزّة ليست لوحدها”.
المصدر: رأي اليوم