عطوان: هل ستستورد “حماس” خُبراء من اليمن للتّعاطي مع الميناء الأمريكي الجديد في غزة؟ ولماذا لا نستبعد اعتِمادها العقيدة الجزائريّة الجِهاديّة لإجهاض مشروع المخاتير وشُيوخ العشائر البديلة في القطاع بدعمٍ خليجيٍّ أمريكيّ..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
تحليل/ عبدالباري عطوان:
انهارت مُفاوضات القاهرة، ولم تُحقّق طُموحات الرئيس الأمريكي جو بايدن بالتوصّل إلى اتّفاق وقف لإطلاق النار قبل حُلول شهر رمضان المُبارك، وغادر وفد حماس المُشارك فيها بصُورةٍ غير مُباشرة العاصمة المِصريّة دُونَ أنْ ينظر خلفه، بعد التّعليمات الصّارمة التي وصلته من المُجاهد يحيى السنوار بعدم التّفاوض على ردّ الحركة النّهائي الشّامل، وتقديم أيّ تنازلاتٍ بالتّالي، إمّا أن يُقبل كُلّه، أو يُرفَض كُلّه، في لغةٍ جديدةٍ غير معروفة في القاموس العربيّ التفاوضيّ.
الموضوع الرئيسي الذي بات يحتل العناوين الرئيسيّة بعد هذا الانهيار يتفرّع إلى عدّة عناوين:
الأوّل: إعلان الرئيس الأمريكي بايدن بناء رصيف بحري مُؤقّت قُبالة سواحل غزة لاستِقبال سُفن مُساعدات قادمة من ميناء لارنكا القُبرصي، وسيقوم الجيش الأمريكي بهذه المَهمّة.
الثاني: تسليح قوّات فِلسطينيّة محليّة، ليست من السّلطة ولا من حركة “حماس”، للقيام بمَهمّة حماية المُساعدات والإشراف على توزيعها، وتتردّد أنباء أنّ دولة الإمارات العربيّة المتحدة أرسلت وفدًا إلى العريش من عسكرها، ومعهم مجموعة من الفِلسطينيين المُوالين لها، لاختيار هؤلاء المُسلّحين الذين سيكونون نُسخةً جديدةً “مُحسّنةً” من روابط القُرى، وتضمّ مخاتير وزُعماء عشائر، ومُعارضين لحركة “حماس” وفصائل المُقاومة.
الثالث: التأكّد من عدم وصول أيّ مُساعدات لحركة “حماس” وإلغاء جهاز مباحث التّموين التّابع لها، ويتولّى مَهمّة توزيع المُساعدات والمواد التموينيّة إلى المُواطنين وكِبار التجّار.
الرابع: جميع هذه الإجراءات تحظى بضُوءٍ أخضر أمريكي، ودعمٍ ماليّ خليجيّ خاصَّةً من الإمارات ودولة قطر، حيث وافقت الدّولتان على تسديد جميع التّكاليف الماليّة للمُساعدات وشحنها إلى القطاع.
معبر رفح، والسّلطة المِصريّة مُغيّبان من هذه المُخطّطات الأمريكيّة الإسرائيليّة المُشتركة لِمَا يُسمّى “مرحلة ما بعد حماس في القطاع”، ممّا يعني تهميش كامِل لمِصر، وإلغاء دورها الإقليمي خاصَّةً في الأمور التي تتعلّق بالقضيّة الفِلسطينيّة، سواءً في الوقتِ الرّاهن أو في المُستَقبلين القريب والبعيد.
هذه المُخطّطات الأمريكيّة الإسرائيليّة المدعومة من بعض القِوى الإقليميّة مِثل الأردن ودُول الخليج، تكشف ضحالة فِكر أصحابها، والأمريكيين منهم على وجه الخُصوص، مثلما تعكس إفلاسهم فِكريًّا وعمليّاتيًّا، وعدم معرفتهم بالخرائط السياسيّة والعسكريّة والاجتماعيّة في قِطاع غزة، والتطوّرات الأخيرة في ميادين القِتال.
صاروخٌ واحد تُطلقه المُقاومة في القطاع على هذا الرّصيف البحَري الأمريكي (ميناء مُؤقّت)، أو على السّفن القادمة إليه، سيُؤدّي إلى تدميره بالكامِل، إذا كان الهدف من بنائه هو إنهاءُ سُلطةِ حماس وتأليب الحاضنة الفِلسطينيّة ضدّها، وتهجير أهل القطاع إلى أوروبا تنفيذًا لمُخطّط نتنياهو، وهذه الصّواريخ مُتوفّرة بكثرة، بالإضافة إلى سِلاحِ الضّفادع البشريّة الذي يملك الجاهزيّة الكاملة لتدمير هذا الرّصيف، وهُناك سوابقٌ عديدةٌ له في هذا المِضمار.
فإذا كانت هذه الخُبرات غير موجودة لدى فصائل المُقاومة في القطاع، فيُمكن استِيرادها من اليمن السّعيد جدًّا هذه الأيّام، الذي نجحت قُوّاته البحريّة في إغلاق باب المندب، وهاجمت صواريخه ومُسيّراته، السّفن العسكريّة الامريكيّة في البحرين الأحمر والعربي، وقد أعربت القيادة اليمنيّة بشقّيها السياسيّ والعسكريّ، عن استِعدادها لإرسال خُبرائها إلى القطاع للمُشاركة في التصدّي للعُدوان الإسرائيلي.
أمّا إذا انتقلنا إلى الخطوة الأخرى التي لا تقلّ أهميّة، ويُثير اللّجوء إليها الكثير من علاماتِ الاستِفهام، أي تسليح بعض العُملاء والخونة لتشكيل ميليشيا محليّة في القِطاع تحت ذريعة حماية المُساعدات والإشراف على توزيعها، والحُلول محل مُؤسّسات حركة “حماس” في هذا الميدان، فيُمكن القول وبكُلّ بساطة إنها فكرة، أو خطوة، محكومٌ عليها بالفشل، لعدّة أسباب:
أوّلًا: الغالبيّة السّاحقة من أبناء قطاع غزة مُتمسّكون بحُكومة “حماس” وقِيادتها، ويُمكن التّذكير بأنّ أبرز إنجازات هذه الحُكومة في القطاع، تحقيق الأمن وإنهاء سيطرة العشائر، واجتثاث مافياتها التي نشرت الفوضى في زمن حُكم السّلطة، وفرضها قوانينها (أيّ العشائر)، أو نزع سِلاحها بالكامِل، وهذه الإنجازات تحظى بتقديرٍ كبير من قِبَل أهل القطاع، ويعترف بها حتى خُصوم “حماس” في حركة “فتح”.
ثانيًا: سيتم تصنيف جميع المُنخرطين في روابط القُرى الجديدة في خانة “العُملاء”، ممّا يعني وضعهم على قائمة التّصفية الجسديّة الفوريّة، سواءً على أيدي رجال المُقاومة، أو من قِبَل الشّعب، والقطاع باتَ غابة سِلاح.
ثالثًا: ربّما يُفيد التّذكير بأنّ المُجاهد يحيى السنوار كان هو الذي يقوم بتصفية العُملاء شخصيًّا، ويقال إنّه صفّى حواليّ 17 منهم قبل اعتقاله بهذه التّهمة، إلى جانب تأسيس “كتائب القسّام” والحُكم عليه بالسّجن عدّة مُؤبّدات قضى 23 عامًا مِنها خلف القُضبان حتّى تمّ الإفراج عنه في صفقة شاليط.
رابعًا: المُقاومة في القطاع قد تتبنّى عقيدة المُقاومة الجِهاديّة الجزائريّة للتّعاطي مع هؤلاء العُملاء، وهي العقيدة التي تقول بأنّ المُجاهد يجب أن يكون في جُعبته 10 رصاصات، تسعة منها لقتل العُملاء، وواحدة لقتل العدو، وليس كُل ما يُعرَف يُقال.
ختامًا نقول إنّ جميع هذه المُخطّطات الأمريكيّة الإسرائيليّة المدعومة من بعض العرب، محكومٌ عليها بالفشل، فمُنذ أن بدأت معركة “طُوفان الأقصى” ونحن نسمع ونقرأ الكثير من السّيناريوهات عن مرحلة “ما بعد حماس” في قِطاع غزة، وها هي الحرب تدخل شهرها السّادس دُونَ أن تُحقّق أيّ منها، فأين البيانات التي تُؤكّد إنهاء سيطرة “حماس” على القطاع، وصدرت بعد أُسبوعين من الغزو الإسرائيلي، وأين مشاريع إغراق الأنفاق بماء البحر، وأين الأحاديث عن معرفة قوّات الاحتِلال لمخبأ السنوار، وأنّ اغتياله بات مسألة بضعة ساعات؟
لا نستبعد أن يكون الشُّغل الشَّاغل للمُجاهد السنوار في هذه اللّحظات هو كيفيّة وضع الخطط لتدمير الرّصيف البحَري الاحتِلالي الأمريكي قبل وضع أُسسه، أمّا خطّة تشكيل ميليشيا العشائر، والوُجهاء، فلا تستحقّ التّفكير لتفاهتها، فإذا كانت “عشيرة السّلطة” المُدجّجة بالأسلحة والدّروع انهارت في أيّامٍ معدودة في القطاع، فكم دقيقة، أو ساعة، ستُعمّر سُلطة العشائر والمخاتير، ورجال الأعمال، والطّابور الخامس الذي يُشكّل المِظلّة لها؟
نترك الإجابة للأيّام القليلة المُقبلة التي ستكون حافلة بالمُفاجآت.. والأيّام بيننا يا جو بايدن.
المصدر: رأي اليوم