عطوان: القواعد الأمريكيّة في العراق تَلْفِظُ أنفاسها الأخيرة وتستعدّ للهُروب بفضلِ الضّربات الصّاروخيّة للمُقاومة الإسلاميّة العِراقيّة.. كيف نجحت في إغلاق البحر المتوسّط والموانِئ “الإسرائيليّة” على شواطِئه على غِرار ما فعل اليمنيّون في البحر الأحمر؟ وهل الخليج ومضيق هرمز الهدف القادم..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
تحليل/ عبد الباري عطوان:
أخيرًا رضخت الولايات المتحدة الأمريكيّة لمطالب المُقاومة الإسلاميّة العِراقيّة بالانسِحاب الفوريّ والسّريع والتخلّي عن جميع قواعدها العسكريّة في العِراق، والفضل في ذلك يعود بالدّرجة الأولى لهجمات المُقاومة التي استهدفت هذه القواعد في أربيل والشدادي، وعين الأسد، علاوةً على نظيراتها في سورية مِثل حقل العمر و”كينيكو”، والتنف.
وزارة الخارجيّة العِراقيّة أعلنت يوم الخميس أنه تم الاتّفاق مع الولايات المتحدة على وضع جدول زمني تدريجي لإجلاء “المُستشارين” التّابعين للتّحالف الدولي عن الأراضي العِراقيّة، وإنهاء هذا التحالف.
الإدارة الأمريكيّة كانت تتهرّب من المطالب العِراقيّة بالانسِحاب، واشترطت وقف جميع الهجمات التي تستهدف قواعدها العسكريّة قبل الدّخول في أيّ مُفاوضاتٍ في هذا الصّدد، ولكن تصاعد الهجمات على هذه القواعد بالصّواريخ والطّائرات المُسيّرة الانتحاريّة، وتعاظم الخسائر في صُفوف جُنودها دفعها إلى إسقاط هذا الشّرط.
المتحدّث بإسم كتائب سيّد الشّهداء فاجأ القيادة العسكريّة الأمريكيّة في العِراق بمُطالبة قوّاته بأمرين أساسيين قبل بضعة أيّام:
الأوّل: تصعيد الضّربات العسكريّة للقواعد الأمريكيّة وتكثيفها، وإلحاق أكبر قدر من الأضرار الماديّة والبشريّة فيها (أمريكا اعترفت بإصابة 80 جُنديًّا من قوّاتها).
الثاني: الانتقال إلى المرحلة الثانية للعمليّات بإغلاق جميع طُرُق المِلاحة إلى الموانئ “الإسرائيليّة” في فِلسطين المُحتلّة، وتعطيلها بشَكلٍ نهائيٍّ دعمًا للأهل في قطاع غزة وانتقامًا للشّهداء الذين سقطوا في المجازر الإسرائيليّة.
التّنفيذ الفوريّ لهذه التّعليمات انعكس فورًا في هجمات تجاوزت قصف القواعد الأمريكيّة على الأراضي العِراقيّة والسوريّة، إلى قصفٍ مُباشرٍ بالصّواريخ والمُسيّرات الانتحاريّة لهذه الموانئ في أسدود وحيفا، وقبلهما في حقل “كاريش” للغاز قُبالة السّواحل اللبنانيّة في المتوسّط.
من الواضح أن هذا التحرّك السّريع والمدروس للمُقاومة الإسلاميّة العِراقيّة يأتي امتِدادًا، وإكمالًا، للحِصار الذي فرضته القوّات البحريّة اليمنيّة على السّفن الإسرائيليّة والأمريكيّة في البحر الأحمر، ومضيق باب المندب، ولا نستبعد أن يمتد إلى مضيق هرمز في المرحلة الثالثة، حيث يطلّ العِراق على فم الخليج الشمالي.
المُقاومة الإسلاميّة في مراكزها الثّلاثة (اليمن، لبنان، العِراق) تُنفّذ عمليّاتها الدّقيقة هذه في إطارِ تنسيقٍ كاملٍ سواءً على الأرض أو في البحار، وفي إطار خطّة مُتكاملة لضرب “رأس الثّعبان”، أيّ الولايات المتحدة التي تُوفّر الغِطاء الحِمائي العسكري لدولة الاحتِلال في فِلسطين المُحتلّة.
الولايات المتحدة التي فشلت في تشكيل تحالف دولي كبير لـ”تأمين” المِلاحة في البحر الأحمر للسّفن الإسرائيليّة، وانعكس هذا الفشل في إمتداد هجمات القوّات البحريّة اليمنيّة لتشمل السّفن الأمريكيّة المدنيّة والحربيّة، وعجزت اعتِداءاتها على أهدافٍ في العُمُق اليمني في وقفِ هذه الهجمات، تستجدي الصين حاليًّا للتوسّط مع إيران، والتوصّل إلى اتّفاقٍ لوقف إطلاق النّار.
صحيح أن تِعداد القوّات الأمريكيّة في العِراق لا يزيد عن 2500 جندي، ولكن سحبها يُشكّل هزيمةً كُبرى للولايات المتحدة، ونُفوذها في مِنطقة الشّرق الأوسط بعد هزيمتها المُهينة في أفغانستان.
الولايات المتحدة التي أنفقت حواليّ ستّة تريليونات دولار في حربها على العِراق، علاوةً على 4487 قتيلًا و32 ألف جريح، ستُواجه نهاية لم تتوقّعها مُطلقًا وبهذه السّرعة، ولا نعتقد أن سفارتها التي تحتلّ جُزءًا كبيرًا من المِنطقة الخضراء في بغداد، وتُعتبر الأضخم في العالم ستُعمّر طويلًا، جُزئيًّا أو كُلّيًّا، بعد انحِسار الوجود الأمريكي.
لا خِيار أمام الولايات المتحدة غير سحب قوّاتها من العِراق، وسيكون الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي كان من أبرز قارعي طُبول الحرب على العِراق محظوظًا إذا جاء هذا الانسِحاب “المُهين” سَلِسًا وليس فوضويًّا مُخجِلًا على غِرار الانسِحاب من كابول.
اللّغة الوحيدة التي يُمكن أن تفهمها القيادة الأمريكيّة هي لغة القُوّة، ويبدو أن المُقاومة العِراقيّة قرّرت استخدامها بكثافةٍ، بعد أن فشلت الحُكومات العِراقيّة في كُلّ مُحاولاتها الدبلوماسيّة في تطبيق قرار البرلمان بتفكيك وطرد جميع القواعد العسكريّة الأمريكيّة على أرض العِراق وإنهاء هذا الوجود الذي يتعارض مع أبسط مبادئ السّيادة الوطنيّة.
العِراق العظيم يعود بقُوّةٍ لمكانته الرّياديّة في مِنطقةِ الشّرق الأوسط والعالم العربي، وسَتُتوّج هذه العودة بكُلّ وضوحٍ في القضاء على الوجود الاستِعماري على أرضِه.. والأيّام بيننا.
المصدر: رأي اليوم