عرب جورنال: أحداث البحر الأحمر تعيد الإعتبار لليمن كدولة بحرية.. “تقرير“..!

5٬952

أبين اليوم – تقارير 

اليمن بموقعها المتحكم بواحد من أهم ممرات التجارة الدولية، وموضعها المطل على بحرين تعد دولة بحرية تحظى بأهمية جيواستراتيجية وجيوبولتيكية، خاصة عند إحتدام الصراع الدولي.

وتأتي الأهمية الجيواستراتيجية لليمن من كونها دولة بحرية، حيث تطل على بحرين (الأحمر في الغرب، والعربي في الشرق وامتداده عبر خليج عدن في الجنوب) فضلاً عن انفتاحها على المحيط الهندي، وتحكمها بمضيق باب المندب، الذي يعد المفتاح الجنوبي للبحر الأحمر، وكل ذلك جعل اليمن تملك 17 ميناء على سواحل البحرين الأحمر والعربي وخليج عدن والمحيط الهندي، منها ستة موانئ دولية. وبموضعها المشرف على تلك المسطحات المائية التي تمر عبرها طريق التجارة الدولية اكتسبت اليمن أهميتها وقيمتها في خارطة العالم.

ودفعت أحداث البحر الأحمر التي جاءت رداً على جرائم الإبادة التي يمارسها الكيان الصهيوني اليوم في قطاع غزة بحق الإنسان والأرض الفلسطينية، دفعت باليمن إلى واجهة الأحداث كدولة بحرية تملك مفاعيل قوة تمكنها من التأثير على الإقتصاد الدولي وسلاسل التوريد حول العالم، وهو ما يحتم على السلطات اليمنية توظيف نقاط القوة التي تتمتع بها البلد كدولة بحرية بما يخدم تنمية البلد وتحسين اقتصاده، من خلال الاستفادة من السواحل والجزر اليمنية باعتبارها مواضع جيواستراتيجية على طول الممر الملاحي الدولي الرابط بين الشرق والغرب.

تقدر مساحة اليمن البحرية بحوالي 500 ألف كم مربع، وهذه المساحة تقارب مساحة اليمن البرية على اليابسة التي تقدر بـ555 ألف كم مربع. وهنا يتضح أن اليمن تملك مساحة واسعة من المسطحات المائية التي تطل عليها، لكن أهمية اليمن وقيمتها الجيواستراتيجية والجيوبولتيكية كدولة بحرية جاءت من امتداد سواحلها من الغرب الى الشرق على طول الممر الملاحي الدولي، وتحكمها بمضيق باب المندب، حيث يصل طول السواحل اليمنية بحسب الاحصائيات الرسمية إلى 1906 كم، منها 523 كم على البحر الأحمر، و1383 كم على خليج عدن والبحر العربي والمحيط الهندي..

لكن هناك بعض المراجع تؤكد أن طول السواحل اليمنية يتجاوز 2200 كم. وأكدت دراسة حديثة للباحث هشام ناجي، نشرت مطلع أغسطس/آب 2021 وجود 600كم كرقم فاقد من إجمالي طول السواحل اليمنية، وهي عبارة عن التعرجات في السواحل، وأفاد الباحث أنه توصل الى هذا الرقم معتمداً على تقنيات القياس الحديثة.

وبالمقارنة بين الحدود البحرية (طول السواحل) والحدود البرية مع السعودية وعمان، سنجد ان إمتداد الحدود البرية يصل إلى 1314 كم، منها 916 كم أراضي رملية، و398 أراضي جبلية. أي أن الحدود البحرية أطول من البرية، ما يعني ان اليمن دولة ذات توجه بحري.

ولما كانت الجغرافيا السياسية هي من تفرض الحدث فإن نشوب الصراعات والتنافس بين القوى الدولية يجعل من الجغرافيا اليمنية واقعة ضمن بؤر الصراع المشتعلة بين القوى الدولية المتصارعة، ولذلك تعرضت اليمن للغزو في عصور مختلفة، فقد غزاها الاحباش والبرتغاليين والعثمانيين والانجليز، وقبلهم الرومان.

والملاحظ أن الغزاة قدموا إلى اليمن عبر البحر، نظراً لطول السواحل اليمنية التي تحتاج إلى قوة بحرية كبيرة لحمايتها. والمؤسف أن السلطات اليمنية المتعاقبة لا تولي أهمية للقوات البحرية قياساً بالاهتمام الذي توليه للقوات البرية، ما ينم عن غياب الادراك لدى الحكام بأن اليمن دولة بحرية أكثر منها دولة برية.

ولما كانت اليمن دولة بحرية فإن ذلك يقتضي أن يكون عمقها الاستراتيجي في القرن الإفريقي والساحل الشرقي لافريقيا ومصر، حيث تملك الأخيرة المفتاح الشمالي للبحر الأحمر (قناة السويس)، وليس في دول الخليج العربي، في حين أن العمق الاستراتيجي لدول الخليج يكمن في اليمن، وليس العكس.

ولو عدنا إلى التاريخ القديم لليمن سنجد ان دولة اوسان كانت اكثر الدول اليمنية القديمة التي ادركت التوجه البحري للبلد ما جعلها تفرض سيادتها على البحر حتى انها توسعت صوب الساحل الشرقي لأفريقيا، والذي عرف حينها بالساحل الاوساني.

وما يزيد من أهمية اليمن كدولة بحرية هو امتلاكها عدد كبير من الجزر تتجاوز حسب الاحصائيات الرسمية 180 جزيرة، منها 151 جزيرة في البحر الأحمر، أبرزها جزر كمران وميون وزقر وأرخبيل حنيش، وهذه الجزر تقع على مقربة من الممر الملاحي الدولي، ما يجعلها بمثابة ثكنات أمنية لحماية الممر الملاحي، ما يعني أن اليمن تتحكم في حركة الملاحة الدولية، وهو ما يعطيها مكانة سياسية من الناحيتين الجيوبلتيكية، والجيوستراتيجية، لكن ذلك لن يتم ما لم تبنى قواعد عسكرية في الجزر الواقعة قرب الطريق الملاحي، كونها ستؤدي وظيفة مزدوجة لحماية الممر وحماية السواحل اليمنية، فضلاً عن دورها في حماية الأمن القومي العربي، لأن سيطرة اليمن ومصر على مضيق باب المندب وقناة السويس يحول البحر الأحمر الى بحيرة عربية مغلقة.

وقد ساهمت اليمن بدور هام في إنتصار الجيش المصري في حرب أكتوبر/تشرين أول 1973 عندما اغلقت البحرية اليمنية مضيق باب المندب امام السفن الصهيونية، وها هو التاريخ يعيد نفسه مرة اخرى اليوم، فالسفن الصهيونية صارت في مرمى نيران البحرية اليمنية حتى يوقف الكيان الصهيوني جرائم الابادة في قطاع غزة.

ويعد إمتداد السواحل اليمنية من الغرب إلى الشرق بمثابة نقطة قوة تعطي للبلد مكانة جيواستراتيجية في خارطة العالم، الا انه قد يتحول الى نقطة ضعف في حال لم تولي السلطات اهمية للقوات البحرية والدفاع الساحلي وقوات خفر السواحل، لأن طول الساحل يحتاج لقوة كبيرة لحمايته ومنع حصول عمليات التهريب والقرصنة التي تضعف من مكانة الدولة إقليمياً ودولياً.

ومما سبق يمكن القول أن على السلطات القائمة أن تضع نصب اعينها ما يمثله موقع اليمن من أهمية جيواستراتيجية وجيوبولتيكية، والانطلاق من ذلك للوصول الى تسوية سياسية تفضي إلى إنهاء الحرب وعودة السلام إلى البلد، وتعد احداث البحر الاحمر القائمة فرصة للولوج إلى السلام بقيادة يمنية خالصة، بعيداً عن تأثيرات الخارج، ومن ثم البناء على ما افرزته هذه الأحداث في العمل نحو إعادة الاعتبار للشخصية البحرية للدولة اليمنية، والتي ستجعل لليمن مكانة إقليمية ودولية متى ما شرعت السلطات الحاكمة في وضع استراتيجية وطنية لبناء قوات بحرية ودفاع ساحلي وقوات خفر سواحل فاعلة تقوم بدورها السيادي في المسطحات المائية التي تطل عليها اليمن.

 

عرب جورنال / أنس القباطي

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com