اليمن محور دولاب التداعيات.. من الطوفان الى بركان يهز خارطة النفوذ الجيوسياسي لمحور الصهيونية.. “الجزء الثاني“..!

4٬816

أبين اليوم – مقالات وتحليلات 

بقلم/ علي احمد جاحز:

die

مع أهمية التنويه ان تداعيات الطوفان ذات الأثر الاستراتيجي على المنطقة والعالم لا تزال تتخلق في رحم التجاذبات بين تكتيكات محور المقاومة وتخبط محور الصهيونية وتربص الاقطاب المراقبة، فلم يعد ثمة شك في ان دخول اليمن الى مسرح تداعيات الطوفان، يمثل المتغير الأخطر والاكثر غلياناً وراء قلق المحور الصهيوني إزاء الاحداث المتسارعة وما يمكن أن ينتج عنها، بل ربما يكون من الإنصاف القول أن اليمن بات يضبط ايقاع التداعيات التي بدورها تدور حوله كما تدور عجلة الدولاب حول محورها، فهل بات اليمن بالفعل يمثل الآن محور دولاب التداعيات نفسها؟

كيف أصبح اليمن محور دولاب التداعيات؟

قدرة القوات البحرية اليمنية على مواصلة عملياتها الضاغطة بإتجاه إيقاف حرب الإبادة الصهيونية بحق الفلسطينيين في غزة من خلال تمكنها من فرض حظر لسفن الكيان والمتجهة إلى موانئه، واثبتت قدرتها على احكام قبضتها على مسار الملاحة في البحرين الاحمر والعربي، بل واثبتت قدرتها على تصعيد العمليات ازاء ضربات العدوان البريطاني والأمريكي بإضافة حظر سفنهما أيضاً، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل ان تصعيد محور الصهيونية على اليمن قابله تصعيد وصل الى ضرب مباشر وموجع للقطع البحرية العسكرية الأمريكية، وهذا يعتبره مراقبون تطوراً غير مسبوق وغير متوقع إطلاقاً في المنطقة، الأمر الذي جعل المحور الصهيوني أمام خيارين أحدهما أمر من الآخر.

وبدلاً من أن تنجح ضربات رؤوس الصهيونية أمريكا وبريطانيا على اليمن في الضغط عليه للتراجع واستعادة هيبتها واثبات بقاء هيمنتها في البحر، وجدت نفسها أمام ردود فعل غير متوقعة في المجتمع الدولي والاقليمي كلها جاءت على غير العادة متوازنة وتربط موقف اليمن بالحرب على غزة، وهو ما اعتبره الأمريكي والبريطاني تطوراً إضافياً ومربكاً و لم يكن محسوباً ولم يعتد عليه من قبل، يضاف إلى كل ذلك ظهور قائد الثورة اليمنية السيد عبدالملك الحوثي مؤخراً بخطاب تصعيدي وصف بأنه خطاب تحول وجه بوصلة الهجوم نحو الصهيونية العالمية ودعا لجهادها ورسم مساراً جهادياً لتحرير المنطقة من هيمنتها.

الخطاب ومضامينه ورسائله مع ما سبقه وما لحق به من ضربات بحرية جريئة للقطع البحرية العسكرية الأمريكية التي لم يجرؤ أحد على ضربها منذ الحرب العالمية الثانية تقريباً، كلها اسهمت في صعود أسهم ونقاط اللاعب اليمني أمام رؤوس الصهيونية في معركة لم تزل في مخاضها، الأمر الذي رفع منسوب القلق والشعور بالخطر لدى محور الصهيونية الى مستوى أعلى.

منطلقات ايديولوجية.. عدوان وترهيب في البحر:

تتعمد رؤوس الصهيونية أمريكا وبريطانيا الترويج لقدراتها العسكرية الضخمة في البحر الأحمر والبحر العربي وغيرها من الأحواض المائية في المنطقة عبر فيديوهات وأفلام وثائقية حديثة ممولة في اليوتيوب ومنصات التواصل كلها، وذلك في سبيل ترميم الصورة الذهنية للهيمنة والهيبة التي تكسرت أمام صلابة الموقف اليمني وعدم تأثره بالضربات بل ومقابلة ذلك بالتصعيد. فالمحور الصهيوني يرى ان الحفاظ على الهيمنة وتواجده عسكريا في المنطقة العربية خاصة “تحرك جهادي” ان صح التعبير من منطلقات ايديولوجية يهودية، وازداد هذا الشعور حضورا ضمن منطلقاتهم عندما برز الخطاب الجهادي الذي ينطلق من منطلقات اسلامية قرآنية والتي تمثل الخطر التاريخي لليهود، ومن ذات المنطلق يعتبر محور الصهيونية ان الترويج والاستعراض بذلك الشكل المكثف ترهيب مهم واساسي نحو خلق حالة هلع وذعر وارتباك لدى الجمهور الذي يتفاعل بقوة في الشارع اليمني والعربي.

ونعتقد ان محور الصهيونية لم يكن يغفل عن تأثير وفاعلية دعوة قائد الثورة اليمنية للجهاد وتسمية المعركة “الفتح الموعود والجهاد المقدس”، ولذلك وجد نفسه مجبراً على مجاراتها، ولكن لأن من الصعب عليه ان يعلن تبنيه للمنطلقات الصهيونية “ايديولوجيا اليهودية”، فقد عمد الى إعلان منطلقات ايديولوجية مختلفة من خلال تعديل اسم عملياته العدائية على اليمن من حارس الازدهار الى اسم “Poseidon Archer”، ( مفردة “Poseidon ” تعني في المعتقدات الإغريقية (إله البحر) أما Archer فتعني رامي النبال /السهام. وفي كل الأحوال، فإن اليمن الذي يراد ترهيبه، بدا وكأنه وجد في المواجهة مع رؤوس الصهيونية فرصة لتصفية حساب سنوات من حروب شنتها عليه بالوكالة.

فهل سينجح الأمريكي والبريطاني في رد اعتبار هيمنته من خلال تكرار تجربة الحرب مع اليمن؟ أم انه يرى الجدوى في إمتحان رقعة اللعبة من خلال صناعة تداعيات لاستدعاء لاعبين اكبر الى مياه اليمن المشتعلة؟

محور الصهيونية .. في مأزق إجباري:

عند توسيع زووم التتبع والقراءة لتداعيات الطوفان وتداعيات الانبعاث اليمني على إمتداد خارطة صراع النفوذ الجيوسياسي من اوكرانيا مروراُ بالمنطقة العربية وصولاً إلى تايوان وكوريا في شرق آسيا، سنكتشف ان محور الصهيونية يرى نفسه مجبراً على إدارة مأزق لا مناص من التورط فيه، وهذا المأزق يأخذ في التعقيد أكثر وأكثر كلما تأخر حسم معركة ايقاف الضربات اليمنية أو الحد من تصاعدها في وتيرتها ونوعيتها..

فالرضوخ الصهيوني للضغط اليمني وايقاف الحرب الوحشية والحصار على غزة هو إقرار بالضعف والهزيمة أمام الضغط اليمني واعتراف باليمن كقوة إقليمية جديدة تقضم مساحة استراتيجية من نفوذه الجيوسياسي، وفي المقلب الآخر فإن مآل الغرق في حرب مع اليمن معروف مسبقاً وقد جربته بريطانيا وامريكا من خلال أدواتها ولا يحتاج خبير. وأيا من المآلين، نتيحة خطيرة ستغري القوى الأخرى على اسقاط هيمنة محور الصهيونية في كل مكان.

فهل يأتي تكثيف أمريكا لحملات الترويج لتحرك بارجاتها في بحر الصين، وتحرك قاذفاتها لارهاب اي تحرك ايراني محتمل، واستعراض قوتها العسكرية في بحار العالم، يأتي ضمن استراتيجية الحفاظ على ماء الوجه؟ ام انه تمترس لابد منه امام خارطة نفوذ جيوسياسي تهتز تحت اقدامها؟

اهتزاز الخارطة الجيوسياسية.. التمترس بركان يغلي:

بالعودة الى موقف الدب الروسي المتوازن من الأحداث والذي مرر قرار مجلس الامن وعاد ليشكك فيه، نجده يراقب ويضع مفاعيل ما يجري لمحور الصهيونية في مقابل اليمن على ميزان المقارنة مع ما يمكن ان يجري مع ذات المحور الذي يقف خلف اوكرانيا والذي انحسر بفعل تداعيات ما يجري في اليمن.. وبالوقت ذاته بدا موقف الصين مشابها لموقف روسيا، ويضاف اليه تهديد الصين لتايوان في حال أعلنت الاستقلال، وكذلك تهديدات كوريا الشمالية للجنوبية.

ولعل الحالة نفسها هي ما يفسر دور ايران في معركة الطوفان الذي لم يبارح دور الاب الراعي لمحور المقاومة، وقد كثر اللغط والاستغراب لاحتفاظها بالدور المنتظم خاصة بالنظر الى الضربات الصهيونية الاستفزازية واهمها عمليات الاغتيالات التي طالت قادة كبار في سوريا، وعمليات تفجير داخل ايران، واكتفت الجمهورية الاسلامية بضربات محدودة طالت مقرا للموساد في العراق ومقرات في سوريا وباكستان لجماعات ارهابية، وكل تلك الاهداف اعتبرتها مسؤولة عن عمليات التفجيرات، ولم تشر بياناتها انها ضمن المشاركة في الطوفان ولا ضمن الرد على اغتيال القادة، فالموقف الايراني المساند للطوفان لا غبار عليه، لكنه لم ينجر الى معركة مباشرة مع اسرائيل وامريكا وبريطانيا، فهل ايران ترى ان ثمة ما هو اكبر من معركة الطوفان وان بركاناً يغلي تحت رقعة التوزيع الجيوسياسي في العالم؟

الخلاصة .. عقلية صهيونية شائخة:

سقوط الأقنعة الحضارية والانسانية عن وجه النظام العالمي، وإغلاق متعمد للمسارات الناعمة بشكل نهائي، وفي المقابل سقوط أسطورة الجيش الاسرائيلي، واستحالة القضاء على المقاومة في غزة، وارتفاع خطر حزب الله على الكيان، وظهور خطر المقاومة العراقية، الى انبعاث المارد اليمني وتصاعد دوره وارتفاع اسهمه في مناطحة رؤوس الصهيونية، وصولاً إلى اعتباره محور دولاب تداعيات الطوفان دولياً بعد سقوط الهيبة الأمريكية في المنطقة وتهديها بمغادرة المنطقة اوالحرب، وانتهاء بسباقات التموضع والتمترس الذي يبدو كما كبركان يغلي تحت الخارطة الجيوسياسية..

كل هذا واكثر يراقبه محور الصهيونية بذعر ويحاول فهم حجمه ومآلاته، ولكن بعقلية شائخة، تتحرك بتخبط وذعر وقرارات غريبة وانتحارية، ولايبدو انها قادرة على ايجاد مناص من الذهاب الاجباري الى النهاية.

والله غالب على أمره

 

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com