عطوان: هل يعكس الهُجوم الصّاروخي الإيراني المُزدوج على مقرّات الموساد في أربيل والمُعارضة السوريّة في إدلب انتهاءَ مقولة الرّد في الزّمان والمكان المُناسبين؟ وهل انتقل الحرس الثوري من مرحلةِ القتال من الخلف إلى الأمام والثّأر السّريع.. ولماذا..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
تحليل/ عبد الباري عطوان:
الهُجوم الصّاروخي الذي نفّذه الحرس الثوري الإيراني فجر اليوم واستهدف مقرًّا لجهاز المُوساد الإسرائيلي في أربيل ومراكز لقوّاتٍ تابعةٍ للمُعارضة وأُخرى لجماعة “داعش” في إدلب ومواقع سوريّة أخرى، يعكس تطوّرًا إيرانيًّا هُجوميًّا غير مسبوق، ليس لكثافته ودقّة إصاباته فقط، وإنّما لنوعيّة وأبعاد الصّواريخ الدّقيقة التي جرى استِخدامها فيها، والرّسالة المقصودة، والجِهات المُوَجَّهةِ إليها.
لشرح ما ذكرناه آنفًا، نذكر عدّة نقاط أساسيّة يُمكن حصرها من خلالِ قراءةٍ دقيقةٍ لهذه الهجمات ونوعيّتها، وما بين سُطورها:
النقطة الأولى: أنها المرّة الأولى التي تَستخدِم فيها قيادة الحرس الثوري صواريخ دقيقة تصل إلى أهدافها على بُعدِ 1230 كيلومترًا، وفي أربيل شِمال العِراق.
النقطة الثانية: جاء هذا القصف ردًّا انتقاميًّا مُزدوجًا على اغتِيالاتٍ وأعمالٍ إرهابيّةٍ استخدمت إيرانيين داخِل إيران وخارجها، انتقامًا للتّفجير الإرهابي في مدينة كرمان قُرب ضريح الشّهيد قاسم سلماني أدّى إلى استشهاد 84 زائرًا، ممّا يُؤكّد أن “الموساد” الذي جرى قصف مقرّه في أربيل هو الذي يقف خلف هذه المجزرة، أمّا الهُجوم على مقرّات للمُعارضة السوريّة في إدلب، وخاصَّةً هيئة تحرير الشام، فيبدو أنه جاء ردًّا على اغتِيالات استهدفت مُستشارين تابعين للحرس الثوري في سوريا أبرزهم اللواء السيّد رضى الموسوي مُستشار الجِنرال سليماني.
النقطة الثالثة: الإعتراف العلني الواضح وغير المسبوق من قبل الحرس الثوري بتنفيذ هذه الهجمات المُزدوجة، فقد جرت العادة أن يلتزم الحرس الثوري الصّمت، أو يُصدر بياناتٍ غامضة.
النقطة الرابعة: أن هذا الهُجوم الثّأري جاءَ سريعًا جدًّا، وبعد أيّامٍ معدودة على غير العادة، ونقيضًا للرّدود “الباردة” السّابقة، وعُنوانها الأبرز سنردّ في الزّمان والمكان المُناسبين.
النقطة الخامسة: أكّد بيان الحرس الثوري أن هذا العمل الانتقامي الثّأري لا يأتي ردًّا على عمليّات إرهابيّة، أو عمليّات اغتيال للإيرانيين فقط، وإنّما أيضًا لشخصيّاتٍ قياديّةٍ في سوريا ولبنانيّة وفِلسطينيّة وعِراقيّة، ممّا يُؤكّد “وحدة ساحات الانتِقام”، وهذا تطوّرٌ جديد، ففي لبنان جرى اغتيال الشيخ صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، وفي جنوب لبنان جرى اغتيال وسام الطويل قائد “كتائب الرضوان” التّابعة لحزب الله، وفي العِراق أبو تقوى العِراقي أحد أبرز قادة كتائب النّجباء.
النتيجة الأوّليّة التي نُريد التوصّل إلى خُلاصتها من خِلال سرد النّقاط الخمس السّابقة، تتمثّل في رصد دخول إيران إلى ميدان المُواجهة مع إسرائيل وأمريكا وحُلفائهما بشَكلٍ مُباشر، وعدم الاكتِفاء بالاعتِماد على أذرعها الحليفة، وتفعيل الجبهتين السوريّة والعِراقيّة (أربيل).
الرّسالة الإيرانية واضحة ومباشرة تقول إن عبارة الرّد في الزمان والمكان المُناسبين قد تمّ تجاوزها، أو بالأحرى جاء تطبيقها سريعًا، وأن الوقت الرّاهن هو الزّمان والمكان المُناسبين للثّأر من أيّ اعتداءاتٍ إسرائيليّة أو أمريكيّة وبطَريقةٍ مُباشرة.
القيادة الإيرانيّة، ومن خِلال أقوى أذرعتها الداخليّة، أي الحرس الثوري، قرّرت إعلان الحرب على أمريكا وإسرائيل معًا، وبشَكلٍ مُباشر، توسيعًا لحرب غزة، وتأكيدًا على وحدة السّاحات، وبمعنى آخر بدأت إيران تتخلّى تدريجيًّا عن مرحلة القِتال من الخلف مثلما هو الحال في اليمن وجنوب لبنان والعِراق، أو هكذا نعتقد.
الحرس الثوري قصف ثمانية مواقع في كردستان العِراق على رأسِها أحد مقرّات الموساد القياديّة، ومنزل ضابط كبير في الاستخبارات الكرديّة يُنَسّق مع الموساد، علاوةً على مقرّ المُخابرات الكُرديّة نفسها، ولم تُعِر أيّ اهتمامٍ لاحتِجاجات وبيانات الحُكومة العِراقيّة، وحاضِنتها الأمريكيّة.
نحنُ أمام مرحلةِ مُواجهةٍ مُختلفةٍ في الشّرق الأوسط يخوضها، ويقودها، محور المُقاومة، بزعامة إيران، وكتائب الحرس الثوري على وجه الخُصوص، وزمن الصّبر الاستراتيجيّ قد اقترب من نهايته فيما يبدو.
ملامح هذه المرحلة الجديدة المُستقبليّة قد تنعكس تصعيدًا في جبهة اليمن وجنوب لبنان وسوريا والعِراق على شكل هجمات صاروخيّة وبالمُسيّرات على أهدافٍ أمريكيّةٍ وإسرائيليّةٍ، وعمليّات احتجازٍ للسّفن، وربّما إغلاق مضيق هرمز في فَمِ الخليج، مثلما جرى إغلاق مضيق باب المندب في فَمِ البحر الأحمر.
إنّها رسالة إيرانيّة قويّة إلى واشنطن وتل أبيب، فهل تقرآنها وتستخلصان عِبَرَها بشَكلٍ جيّد، أم تستمرّان في المُكابرة، وتدفعان ثمنًا باهظًا جدًّا في نهاية المطاف؟
المصدر: رأي اليوم