عطوان: لماذا تستمرّ السّلطات المِصريّة في صمتها على هذه التّطاولات والأكاذيب الإسرائيليّة عليها فيما يتعلّق بمعبر رفح.. وإلى متى يستمرّ هذا الصّمت.. وكيف سيكون الرّد..!

5٬792

أبين اليوم – مقالات وتحليلات 

تحليل/ عبد الباري عطوان:

وضع تال بيكر المُستشار القانوني لوزارة الخارجيّة الإسرائيليّة السّلطات المِصريّة في موضعٍ حرج للغاية، عندما تطاول عليها بشكلٍ وقح في مُرافعته التي أدلى بها اليوم أمام محكمة العدل الدوليّة باتّهامها بأنّها المسؤولة، وليس “إسرائيل” عن عمليّات تجويع وتعطيش أكثر من مِليونين من أبناء قطاع غزة، لأنّ مِصر هي المسؤولة عن معبر رفح مسؤوليّةً مُطلقة، ومن المُؤلم والمُخجل أنه حتى كتابة هذه السّطور لم يخرج أيّ مسؤول مِصري للرّد عليه وتفنيد أقواله الاستفزازيّة والمُهينة، وما زال الصّمت هو سياسة الحُكومة المِصريّة.

نعم السّلطات المِصريّة هي المسؤولة عن معبر رفح، وإن يجب عليها أن تفتحه بالقوّة أمام المُساعدات الإنسانيّة المُتدفّقة إلى القطاع، والسّماح بمُرور عشرات الآلاف من المُصابين من أبناء القطاع لتلقّي العِلاج في المُستشفيات المِصريّة التي أُقيمت في العريش لهذا الغرض، ومجّانًا دُونَ أيّ مُقابل بحُكم علاقتها القانونيّة مع القِطاع الذي كان خاضعًا لإدارتها عندما جرى احتِلاله عام 1967، ومسؤوليّتها الإنسانيّة والأخلاقيّة بحُكم روابط الدّم والعقيدة والجِوار.

هُناك آلاف الشّاحنات المُحمّلة بالمُساعدات الغذائيّة والطبيّة التي تقف أمام معبر رفح، وتمنع السّلطات الإسرائيليّة مُرورها، وتقف في طابورِ انتِظار يمتدّ من مدينة العريش على بُعد 40 كم وحتى المعبر.

الجيش الإسرائيلي هاجم القوّات المِصريّة ودمّر بُرج مُراقبة مِصري، وأطلق النّار وقتل العديد من الجُنود المِصريين الشّهداء، ولم يرد نظيره المِصري هذه الإهانة، وانتهى الأمر بسيطرة الأوّل، أيّ الجيش الإسرائيلي على المعبر بالكامِل، وأصبح هو صاحِب الكلمة الأخيرة تُجاه عُبور أيّ شاحنة، عددًا وعُدّة، ويقوم بأعمال التّفتيش البطيء جدًّا تحت ذريعة منع دُخول أسلحة إلى القطاع.

أكثر من مِليونين من أبناء القطاع باتوا مُشرّدين في مدينة رفح بعد تهجيرهم من شِمال القطاع، ينامون في الشّوارع، ولا يجدون رغيف خُبز لأطفالهم، بعد قصف طائرات الاحتِلال للمخابز، ومنْع الدّقيق والوقود من الدّخول.

غِيابُ ردّ الفِعل الرسميّ المِصريّ على هذه المُمارسات الإرهابيّة الإسرائيليّة الاستفزازيّة هي التي شجّعتها على الاستِمرار والتّمادي، ودفعت مسؤولين إسرائيليين على رأسهم بنيامين نتنياهو إلى التّهديد باحتِلال محور صلاح الدين (فيلادلفيا) الحُدودي الذي يفصل بين مِصر والقطاع.

المُستشار القانوني الإسرائيلي مارس أبشع أنواع الكذب والوقاحة عندما ألقى بمسؤوليّة تجويع أبناء القطاع على عاتق السّلطات المِصريّة، فهُناك أكثر من ستّة معابر غير معبر رفح تخضع للسّيطرة الإسرائيليّة الكاملة من بينها معبر كرم أبو سالم، لم يتم فتحها على الإطلاق طِوال الأشهر الثلاثة الماضية مُنذ بدء الغزو للقطاع، ولكن لم نسمع مسؤولًا مِصريًّا يلجمه ويُلقي حجرًا في فمه.

الصّمت الرسمي والشعبي المِصري على هذه الانتهاكات والأكاذيب الإسرائيليّة لم يعد مقبولًا، بل ويُشكّل إهانةً لمكانةِ مِصر وإرثها الحضاريّ التاريخيّ، وسيادتها الوطنيّة، وقيمها العربيّة والإسلاميّة، والرّد الحاسِم يجب أن يتمثّل في فتح المعبر على مِصراعيه فورًا، وفي الاتّجاهين، أيّ للبضائع والمُساعدات دُخولًا، وللجرحى في الاتّجاه الآخَر خُروجًا من أجل العِلاج، واستِخدام القوّة للرّد على أيّ تدخّلٍ إسرائيليٍّ في هذا الصّدد.

مِصر العُظمى يجب ان تتخلّى عن دور الوسيط وساعي البريد في مأساة قطاع غزة، وأن تتصدّى بقُوّة لحرب الإبادة والتّطهير العِرقي التي تُمارسها دولة الاحتِلال مُنذ أكثر من ثلاثة أشهر في القطاع المنكوب احترامًا لمكانتها، وريادتها وتضحيات شعبها وشُهدائها نُصرةً للقضيّة الفِلسطينيّة العادلة، وخوض جيشها البطل أربع حُروب ضدّ الغطرسة والاحتِلال والمجازر الإسرائيليّة.

مِصر يجب أن تكون طرفًا يقف بكُلّ ثقله في الجانب المُقابل في مُواجهة الاحتِلال، وليس وسيطًا لا تُحترم وساطته مثلما حدث في جميع الوِساطات السّابقة وكُنّا نأمل أن تكون مِصر وليس جنوب إفريقيا هي التي تتقدّم بدعوى إلى محكمة العدل الدوليّة ضدّ حرب الإبادة والتّطهير العِرقي الإسرائيلي.

نختم بنقل ما قاله سيريل رامافوزا رئيس جنوب إفريقيا اليوم أمام برلمان بلاده في تعليقه على رفع بلاده دعوى اتّهام ضدّ إسرائيل بارتكاب حرب إبادة في القطاع والأداء الجيّد، بل والرّائع، لفريق المُستشارين القانونيين لوفد بلاده ومُرافعاتهم المُبهرة عندما قال “إنّه لم يشعر بالفخر الذي يشعر به اليوم”، وأضاف أن هدف بلاده من فتح هذه الدّعوى القضائيّة هو وقفٌ كامِلٌ لهذه الإبادة الجماعيّة في قطاع غزة، نعم إنها خطوةٌ محفوفةٌ بالمخاطر، وقد يترتّب عليها أضرار، ويُهاجموننا، ولكنّنا سنظل مُتمسّكين بمبادئنا.. فلن نكون أحرارًا حقًّا ما لم يتحرّر الشّعب الفِلسطيني أيضًا”.

نتمنّى أن يقرأ الأشقّاء في السّلطة المِصريّة هذه الخاتمة القويّة ويتّعظون ممّا ورد فيها من مواقفٍ قويّةٍ مُشرّفة.

 

المصدر: رأي اليوم

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com