هل تقود خريطة الطريق المرتقبة إلى سلام دائم في اليمن.. “تقرير“..!

5٬827

أبين اليوم – تقارير 

في خضم حالة الاحتقان التي يمر بها الإقليم منذ الـ7 من أكتوبر الماضي، من جراء العدوان الإسرائيلي على غزة، وتوسع التصعيد إلى البحر الأحمر، جاء الإعلان الأممي عن توصل الأطراف اليمنية إلى جملة من التدابير تسبق خريطة طريق مرتقبة لحل الأزمة في البلاد.

وحتى اللحظة لم يتم الإتفاق على مكان وزمان التوقيع على خريطة الطريق بين الأطراف اليمنية، وسط مخاوف من غياب الآلية الضامنة لتنفيذ جملة الإجراءات التي كشف عنها المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس غروندبرغ، في بيانه يوم السبت (23 ديسمبر).

وتتلخص أبرز عناصر الخريطة المرتقبة، وفق إعلان المبعوث الأممي، في “الالتزام بوقف إطلاق النار، وصرف الرواتب، واستئناف تصدير النفط، وفتح الطرقات، وتخفيف القيود على مطار صنعاء وميناء الحديدة”، فهل تقود هذه العناصر إلى سلام حقيقي دائم في اليمن؟

ترحيب خليجي:

الانفراجة في ملف السلام اليمني جاءت إثر جولات تفاوض مكثفة احتضنتها العاصمتان السعودية والعُمانية، حيث كان للرياض ومسقط دور بارز في التوصل لتلك التفاهمات، وفقاً لبيان غروندبرغ.

وسارع مجلس التعاون الخليجي إلى الترحيب بإعلان غروندبرغ، متمنياً على لسان أمينه العام جاسم البديوي، “أن تسهم هذه التدابير بحل سياسي شامل”.

في حين جددت الخارجية السعودية تأكيد “دعمها لليمن وحرصها الدائم على تشجيع الأطراف اليمنية على الجلوس على طاولة الحوار للتوصل إلى حل سياسي شامل ودائم برعاية الأمم المتحدة”، كما رحبت وزارات خارجية قطر وعُمان والإمارات بالإعلان الأممي.

تباين ردود الفعل:

بيان المبعوث الأممي حول توصل الأطراف اليمنية إلى مجموعة من الالتزامات في سياق خارطة الطريق المرتقبة، قوبل بردود فعل متباينة، ومتوجسة، وتأكيد حكومي بالتعاطي الإيجابي معها.

وبينما لم يصدر أي تعليق من قبل الحوثيين على الإعلان الأممي، أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، وحكومته أنهم “سيتعاطون بإيجابية مع المبادرات كافةً الهادفة إلى تحقيق السلام في اليمن”.

وفي الوقت الذي أبدى فيه المجلس الإنتقالي الجنوبي المدعوم من قبل الإمارات، ترحيباً مشوباً بشيء من الامتعاض، قال نائب رئيس الدائرة الإعلامية للمجلس منصور صالح: إن ما جاء في بيان غروندبرغ “لا يعدو كونه استجابة لمطالب الحوثيين”.

وعلى الرغم من حالة التفاؤل التي رافقت الإعلان الأممي، فإنها لا تخلو من مخاوف أفرزتها تجارب اليمنيين السابقة مع الاتفاقات المبرمة على إمتداد أعوام الحرب التسعة، فضلاً عن مخاوف من انعكاس التوتر الإقليمي الذي أفرزه العدوان على قطاع غزة، ومهاجمة الحوثيين للسفن الإسرائيلية على أي اتفاق سلام في اليمن.

ويقول وزير الخارجية اليمني الأسبق، أبو بكر القربي، في حسابه بمنصة “إكس”، إن إعلان المبعوث الأممي “يبعث الأمل، لكنه يشوبه غموض يحتاج إلى توضيح حول إطاره العام، وعلاقاته بالتفاهمات السابقة بين السعودية وجماعة الحوثيين، وما إذا كانت إعادة الملف إلى الأمم المتحدة تهدف إلى وضع آلية تنفيذية تنهي الحرب”.

تطوير للهدنة:

وعلى الرغم من إنتظار اليمنيين أي بارقة أمل من شأنها أن تضع حداً لشبح الحرب، فإن هناك من يرى في إعلان الإلتزامات هذا، مجرد “تطوير للهدنة التي جرى التوصل إليها في أبريل من العام 2022″، وهذا ما ذهب إليه المحلل السياسي عبد الناصر المودع.

المودع أشار إلى أن بيان المبعوث الأممي ليس سوى “الإعلان بشكل رسمي عن الإتفاق السعودي الحوثي الذي طال الحديث عنه”، مشيراً إلى أن من الصعب تحديد الأطراف الفعلية التي تفاوضت على هذا الاتفاق.

وأضاف في مقال نشره على حسابه بمنصة “فيسبوك”: “الإعلان الحالي بمنزلة تطوير لاتفاقية الهدنة الأصلية، والنقاط التي تم الاتفاق عليها لن يتم تنفيذها بسهولة”.

وفي مطلع أبريل من عام 2022، توصلت الأطراف اليمنية إلى هدنة مؤقتة، تم تمديدها ثلاث مرات، توقفت خلالها العمليات العسكرية الميدانية بشكل شبه كلي، مع توقف تام للغارات الجوية التي كان ينفذها التحالف بقيادة السعودية، وعلى الرغم من انتهاء الهدنة بعد التمديد الثالث في أكتوبر 2022، فإن القتال لم يتجدد، وبرز إلى الواجهة ملف التفاوض المباشر بين السعودية والحوثيين، والذي أفضى في النهاية، إلى تحول الرياض من طرف إلى وسيط.

غياب آلية التنفيذ:

وامتداداً للمخاوف من فشل أي تحرك من أجل السلام في اليمن، وضمن ذلك خارطة السلام، يقول الباحث اليمني عادل دشيلة، إن الخارطة من حيث المبدأ تحوُّل إيجابي، مشيراً إلى أن اليمنيين “سئموا من هذه الحرب، ويريدون العيش والأمن والسلام والاستقرار”.

وأشار إلى أنه في حال “تمت معالجة بعض القضايا الإنسانية والاقتصادية، دون وجود آلية لكيفية الإنتقال إلى العملية السياسية مع ضمان تنفيذها، بحيث تكون عادلة وشاملة تضم جميع الأطراف، فإن مصيرها سيكون كاتفاقية ستوكهولم واتفاق الرياض، وغيرها”.

وقال دشيلة في حديث لـ”الخليج أونلاين”: “نتخوف من أن تؤدي الخارطة المرتقبة إلى تثبيت الأمر الواقع على الأرض، أي إن كل طرف يدير ما تحت يده من أراضٍ، ومن ثم تعميق الانقسام المجتمعي، وتفكيك النسيج الاجتماعي، وتقسيم البلاد إلى كانتونات تخدم الأجندات الإقليمية”.

تباينات عميقة:

ولعل أكثر ما يثير المخاوف بشأن الإعلان الأممي حول خارطة الطريق المرتقبة، هو التباين العميق بين المكونات اليمنية، وهو ما ذهب إليه مساعد رئيس تحرير صحيفة “عكاظ” السعودية عبد الله آل هتيلة.

وقال آل هتيلة في تصريح له: إن القوات الحوثية “معنية أكثر من غيرها بأن تثبت للعالم أنها جادة في الوصول إلى السلام الشامل والعادل الذي يعيد الدولة اليمنية ذات السيادة والقرار”.

وأضاف: “من أجل نجاح عملية السلام المنشودة، فإن المطلوب من الجميع هو تناسي الخلافات والتسامي على الجراح والدخول في المفاوضات برغبة يمنية صادقة، لا ترتبط بمواقف أو رؤى قوى خارجية”.

وأكد أن الحوثيين “مطالَبون بالتعاطي الإيجابي بعيداً عن العربدة التي عُرفوا بها، وأن يدركوا أنه لا بد لهم أن يكونوا مكوناً سياسياً شريكاً في قيادة اليمن، ويؤمن بضرورة أن يكون السلاح بيد الدولة المنشودة، وأن يكون القرار سيادياً للدولة بعيداً عن الملشنة، وسياسة فرض الأوامر والتوجيهات، كما الحال في لبنان والعراق”.

وقال آل هتيلة: “أنا شخصياً تراودني الشكوك في صدقية الحوثيين، ورغبتهم في التوصل إلى حلول تجرِّدهم من سلاحهم، وتدمجهم في دولة تتساوى فيها الحقوق والواجبات”.

وحول ما إذا كانت لتهديدات الحوثيين للملاحة الدولية في البحر الأحمر علاقة بإعلان المبعوث الأممي الأخير، أشار آل هتيلة إلى أن الخارطة تعود لما قبل أحداث غزة، لكنه أشار إلى أن “ممارسات الحوثيين بدون شك ستلقي بظلالها على المفاوضات، خاصةً أن المجتمع الدولي أدرك أن الجماعة الحوثية إرهابية، وتتلقى تعليماتها من النظام الإيراني، وهو ما يشكل ضغطاً عليها”.

تأثير التصعيد في البحر الأحمر:

ويبدو أن المبعوث الأممي أراد من وراء إعلانه الأخير، توجيه رسالة طمأنة للداخل اليمني “بأن جهود حلحلة الملف اليمني مستمرة بوتيرة عالية، وأن التصعيد في البحر الأحمر ليس له تأثير كبير على الجهود الجارية”، وهذا ما ذهب إليه الصحفي اليمني فارس الحميري.

ولفت الحميري في تصريح لـ”الخليج أونلاين”، إلى أن إعلان المبعوث الأممي هو إلتزام الأطراف ببعض المحددات وليس اتفاقاً، مشيراً إلى أن الاتفاق “وصل إلى مرحلته الأخيرة منذ عدة أسابيع، وأنه جاهز للتوقيع عليه من قبل الجميع، إلا أن عدم التوقيع يشير إلى حجم التعقيدات التي طرأت مؤخراً، والآثار التي خلفها التصعيد الحوثي في البحر الأحمر”.

وقال الحميري: إن “هناك حرصاً من قبل الوسطاء- السعودية وعُمان- على إعلان الاتفاق، في المقابل هناك ضغوط دولية تمارَس لتأجيل الوصول إلى المرحلة النهائية من الاتفاق”.

واختتم حديثه بالقول: “حتى وإن تم التوقيع على الإتفاق، إلا أن البيئة غير مواتية للبدء العملي والجاد في التنفيذ، فالحوثيون منشغلون بجبهة حرب جديدة في البحر الأحمر، ثم إن الجماعة لا تنظر إلى الاتفاق إلا من زاوية الحصول على المرتبات ورفع القيود عن الموانئ الجوية والبحرية، وخروج القوات الأجنبية من البلاد”.

المصدر: الخليج أونلاين

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com