رئيس تحرير “الشروق” التونسية: وغداً تهبّ رياح اليمن على شعوب العالم.. وغداً الأرض “بتتكلم يمني”..!
أبين اليوم – مقالات وتحليلات
بقلم/ عبدالحميد الرياحي:
سوف يكتب التاريخ أن غزّة بصمودها وشموخها وبعزّتها قد حرّرت الإنسانية وأطلقت إرادات كل شعوب الدنيا لتندد بالغطرسة والظلم والطغيان.. فلا حصانة لطاغية ولا لجبّار بعد اليوم.. ولا صمت عن متغطرس مزهو بالقوة وبدعم أمريكا والغرب بعد الآن.
مقابل هذا الواقع المشرق الذي سيكتبه التاريخ بأحرف من نور، سوف يكتب أن غزّة عرّت العرب وفضحتهم. عرّت أنظمة خانعة ذليلة إلا ما رحم ربك.. وشعوباً متخاذلة لا تقوى إلا على بعض من صراخ بين فينة وأخرى سرعان ما تعود بعده إلى سباتها العميق..
فلم يعد يحرّك هؤلاء وأولئك دم الأشقاء حين يسيل أنهاراً في قطاع غزة.. ولم تعد تهزّ قلوبهم وضمائرهم صرخات المطحونين تحت قنابل وصواريخ بني صهيون.. فالقلوب ماتت والضمائر في صيغة المستتر.
وسط هذا المشهد السوداوي يبرز شعب عربي حمل إرادته وتصميمه بيمينه ونزل إلى الميدان. شعب مبدع في ترجمة المشاعر اليعربية والانتماء العربي إلى أفعال.. فقد مجّت غزة الأقوال وهي تطلب الأفعال ثم الأفعال.. هذا الشعب جعل من نصرة أشقائنا في غزة الشعار والعنوان.. واتخذ من الآية الكريمة «العين بالعين والسنّ بالسنّ» راية وبوصلة تقوده في تحركاته..
قالها صريحة للصهاينة ولجحافل الجيوش والأساطيل العائمة في المياه والأراضي العربية: الحصار بالحصار.. حصار الكيان الصهيوني مقابل حصار غزة.. ارفعوا الحصار عن غزّة وأوقفوا العدوان نرفع الحصار عن مضيق باب المندب ونسمح بعبور السفن المتعاملة مع إسرائيل.
إنه الشعب اليمني الذي تسلّح بقيم ومبادئ عروبته البكر التي لم تلوثها انتهازية ولا خضوع ولا يدانيها جبن ولا انبطاح.. عروبته التي تجعله يهبّ لنصرة الشقيق وقت الشدّة والضيق.. اليمنيون أثبتوا أنهم قوم أفعال لا أقوال.
وتحركوا ليترجموا دعمهم لأهلنا في غزة بطريقة عملية بعد أن أدركوا أن الطغيان الصهيوني ومن خلفه الغطرسة الأمريكية والغربية لا يتراجعان إلا متى ضربت مصالحهما في الصميم..
فقد عمدوا إلى إغلاق مضيق باب المندب الاستراتيجي والحيوي أمام عبور السفن التي تتعامل مع الكيان الصهيوني وهو ما اضطرها إلى قطع مسافات طويلة جدا لتجد لها مسارات أخرى تجنّبها العبور من باب المندب.
وبذلك فإن الشعب اليمني يكشف عن معدنه العربي الأصيل ويعلي قيم العروبة البكر في وجه الاستكبار العالمي.. وهو يعطي المثل والقدوة لكل شعوب العالم المنتفضة ضد الطاغوت والطغيان الأمريكي ـ الصهيوني.. وهو يبادر إلى إشعال شمعة بدل القعود والانخراط في سرديات طويلة للعن الظلام وتبرير القعود والعجز في زمن يتعرض فيه أشقاؤنا في غزة إلى حرب إبادة معلنة ومع سبق الاضمار والترصد.. حرب إبادة توفر فيها أمريكا حطب المحرقة الكبرى فيما يتكفل الصهاينة بإضرام النار.
انها ترجمة عملية لأسمى معاني التضامن مع أشقائنا الفلسطينيين ولأبهى مظاهر النصرة لشعب شقيق يتكالب عليه الصهاينة لإبادته واخراجه من أرضه يدعمهم في ذلك طاغية أمريكي ـ غربي يوفر المال والسلاح ويحمي العدوان في مجلس الأمن ويوفر له كل أسباب الاستدامة..
وأنها ضربة موجعة تلك التي يسدّدها اليمن لمعسكر العدوان.. ضربة قوية في مفعولها المباشر، قوية في رمزيتها لأنها ترسم لشعوب العالم طريق الخلاص من الغطرسة والطغيان.. وغدا تهبّ رياح اليمن على كل شعوب العالم.. وقد أصبحت أرض العرب تتكلم… يمني… فياليت العرب يعودون إلى أصولهم اليمنية.
عبدالحميد الرياحي: رئيس تحرير صحيفة الشروق التونسية – المقال منشور كافتتاحية الصحيفة