عطوان: أمريكا تُخطّط لسرقة الإنتصار الفلسطيني في القطاع.. والمصيدة اسمها “حل الدولتين”.. الخلاف بين بايدن ونتنياهو مسرحية.. لماذا نُطالب بالتصدّي لهذه المُؤامرة وأن تكون كتائب المقاومة في غزة والضفة المُمثّل الوحيد للشعب الفلسطيني..!

5٬815

أبين اليوم – مقالات وتحليلات 

بقلم/ عبد الباري عطوان:

سبحان الله، أصبح حل الدولتين يتصدر معظم الفعاليات والتصريحات السياسية سواء في أمريكا أو في معظم الندوات واللقاءات في أوروبا والعواصم العربية، وكأن هذا الحل تفاحة نيوتن التي جرى اكتشافها فجأة، والنظر اليها كمخرج من حالة الإنهيار التي تهدد دولة الإحتلال الإسرائيلي ووجودها، والمصالح الامريكية والغربية في منطقة الشرق الاوسط، وربما في العالم أيضا.

دعوات عديدة تطالب هذه الأيام بعقد مؤتمرات سلام تشارك فيها دول إقليمية مثل ايران والمملكة العربية السعودية إلى جانب دول عظمى مثل روسيا والصين، وبرعاية أمريكية لتفعيل حل الدولتين مجدداً باعتباره المخرج الوحيد من الأزمات والحروب الحالية.

اللافت أن الجهة التي تقف خلف هذا التغيير الكبير في المعادلات السياسية، وجعل القضية الفلسطينية تتصدر الإهتمام العالمي، بعد أكثر من 30 عاماً من التجاهل والإهمال، ونحن نتحدث هنا عن المقاومة بقيادة حركة “حماس” غير مدعوة للمشاركة في هذه المؤامرات، الأمر الذي يؤكد أن هناك مؤامرة جديدة في الطريق هدفها سرقة الإنتصار الكبير الذي تتبلور ملامحه وسط أنقاض القطاع، تماما مثلما جرى سرقة الانتفاضتين الأولى والثانية.

هذا الخلاف المسرحية الذي نرى فصوله بقوة هذه الأيام بين الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي يتباهى بصهيونيته، وبنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي يشكل جزءاً كبيراً من هذه المؤامرة، بل عمودها الفقري، ولذر الرماد في العيون، والإيحاء بحدوث تغيير في الموقف الأمريكي يعكس تفهما أكبر لمعاناة الشعب الفلسطيني من مجازر الاحتلال وسياساته الاستيطانية.

الرئيس بايدن الذي أقامت ادارته جسراً جوياً لتزويد الجيش الإسرائيلي بأحدث الأسلحة والصواريخ والقذائف، يعتبر شريكاً أساسياً في حرب الإبادة والتطهير العرقي التي إرتكبها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة على مدى 69 يوما حتى الآن، مما أدى الى استشهاد 20 الفا من الأبرياء نصفهم من الأطفال وإصابة 50 الفا، وتشريد مليونين على الأقل بعد تدمير منازلهم.

بايدن رسول السلام الجديد هو الذي استخدم حق النقض “الفيتو” في مجلس الامن الدولي قبل بضعة أيام ضد قرار يطالب بوقف إطلاق النار فورا، وهو الذي أعطى جيش الإبادة الإسرائيلي أربعة أسابيع إضافية لإكمال مجازره في القطاع قبل الحديث عن أي تدخل دولي بوقف الحرب، ولهذا لا يمكن الثقة به، والتعاطي مع أحاديثه عن أي حل سلمي بالجدية الممكنة.

فصائل المقاومة التي خاضت هذه الحرب بشجاعة، وأظهرت مهارات تكتيكية واستراتيجية فاجأت الأصدقاء قبل الأعداء، وحققت انتصاراً مشرفاً على الغزاة وقواتهم، تمثلت في المصيدة الكبرى التي اوقعوا فيها العشرات من كبار الضباط والجنود من وحدة النخبة (جولاني) بالجيش الإسرائيلي بين قتيل وجريح، ودمروا دباباتهم وناقلاتهم، هؤلاء الرجال الرجال لن يقبلوا باستثنائهم من أي مؤتمر يبحث مستقبلهم وأهلهم، واي حلول لا تحقق مطالبهم الشرعية بإستعادة جميع الأراضي المحتلة من النهر الى البحر.

مثلما لا تثق حركات المقاومة المنتصرة بالولايات المتحدة والعالم الغربي بشكل عام، فإنها لا تثق ومعها الشعب الفلسطيني بمعظم الحكومات والوسطاء العرب، خاصة أولئك المطبعين، سواء في العلن او تحت الطاولة، الذين يأتمرون بأوامر واشنطن وتل ابيب ولا يخفون إنزعاجهم وقلقهم من عدم تمكن دولة الاحتلال من القضاء على حركات المقاومة وإجتثاثها كليا، وعودة القطاع الى سيطرة الاحتلال الإسرائيلي مجددا.

قيادة حركة “حماس” التي أدارت هذه الحرب بكفاءة عالية وهزمت الجيش الإسرائيلي، واعادة القضية الفلسطينية الى الصدارة، وهزمت الجيش الذي لا يقهر، حققت كل هذه الإنجازات المشرفة، لانها لم تخرج من القطاع الا نادرا، ولا تثق بأي حكومة عربية، ولا تستجدي أي مساعدات منها، وتعيش في أنفاق تحت الأرض، وتأكل ما يأكله الفقراء المعدمين من أبناء شعبها، وقائدهم السيد يحيى السنوار لم يركب طائرة في حياته، ولم يغادر القطاع الا مرتين الى القاهرة.

امريكا ومعها بعض الأوروبيين، والمتورطين العرب، نجحت في سرقة الانتفاضة المسلحة الأولى التي انطلقت عام الفين، واستغلت سذاجة قيادة المنظمة، ومن ضمنها الرئيس محمود عباس ومساعديه، لتحقيق هذا الهدف عندما “سوقت” حل الدولتين، وأسست اللجنة الرباعية، ووضعت خريطة الطريق للوصول الى هذا الهدف، ووعدت بقيام الدولة الفلسطينية في غضون عام، في أعظم حقنة تخدير في التاريخ الحديث، وبعد ان هدأت الانتفاضة جرى التخلي عن كل شيء واغراق منظمة التحرير في مفاوضات عبثية مجددا، وتحويلها الى حامية للمستوطنين، وجهاز تجسس لوأد أي انتفاضة جديدة، وإغراقها ورموزها بالمال والرفاهية.

نحن الذين لُدغنا من جحر السلام الأمريكي وثعابينه السامة أكثر من مرة، نحذر بقوة من المؤامرة الجديدة تحت عنوان العودة الى المؤتمرات، وحل الدولتين، لإنقاذ دولة الاحتلال من خطر انهيارها ومعها المشروع الصهيوني، واستخدام الهيكل العظمي المنخور بالسوس المسمى منظمة التحرير وقططها السمان الفاسدة للقيام مجددا بالدور القديم المتجدد، والتفاوض باسم الشعب الفلسطيني.

من يمثل الشعب الفلسطيني ليس السلطة في رام الله ورئيسها، وإنما من قاتل في معارك الشرف، وهزم الغزاة الإسرائيليين وأذلهم، وأنقذ القطاع من احتلالهم، وكل مؤامرات التهجير والتطهير العنصري، من يجب ان يمثل الشعب من خَطَط ونَفذَ غزو وتحرير معظم مستوطنات غلاف قطاع غزة وقتل 1200 جندي ومستوطن إسرائيلي، وأصاب ما يقرب من 4000 آخرين، وأسر 250 في أكبر هزيمة تلحق بالاحتلال منذ 75 عاما.

عندما تصوت الأغلبية الساحقة في الجمعية العامة للأمم المتحدة دعماً للشعب الفلسطيني، ولصالح وقف فوري للمجازر وحرب الإبادة الإسرائيلية فوراً، وتعارضه أمريكا ودولة الإحتلال وست دول فقط معظمها “نصف كم”، وتسبح في المحيط الغربي، وتعيش على صدقاته، فهذا يؤكد اننا امام مرحلة جديدة، مرحلة بداية النهاية لأمريكا ودولة الاحتلال.. والأيام بيننا.

المصدر: رأي اليوم

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com